تحل وزير الخارجية الإسبانية يوم غد الجمعة،بالرباط في زيارتها الأولى خارج البلاد، سيرا على نهج متبع،سنته حكومة الاشتراكي، فيليبي غونثالث؛يقضي أن يكون الجار الجنوبي لبلاده،أول وجهة خارجية يقصدها رئيس الوزراء بعد تنصيبه،يمهد لها وله وزيرالخارجية.
واعتبارا لكون الوزيرة،أرانشا غونثالث لايا، وافدة جديدة على قصر “سانتا كروث” فإنه يجوز القول إن زيارتها الأولى ستتعدى الطابع البروتوكولي الصرف ولن تقتص على مجرد التعرف شخصيا على نظيرها المغربي،ناصر بوريطة،ولقائها المقرر مع رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني. ستحمل الوزيرة معها ، ولا شك، أوراق ملفات ثنائية،تتعلق راهنا بموقف بلادها من الإجراء السيادي الذي اتخذه المغرب أخيرا وصادق عليه مجلس النواب أمس الأربعاء ،بخصوص بسط الولاية القانونية على مياهه الإقليمية التي جرى تحديدها على ضوء التطورات التي عرفها الملف تمشيا مع مبادئ القانون الدولي.
وليست الوزيرة،طارئةعلى العمل الدبلوماسي،ففضلاعن خلفيتها المعرفية وتجربتها الطويلة في العمل الحكومي،فإنها قضت ردحا من الزمن في الخارج ممثلة لبلادها في مؤسسات ومنظماتدولية،ضمنها تجربتها في الأمم المتحدة حيث شغلت منصب أحد نواب الأمين العام مكلفة بالقضايا الاقتصادية،كما تقلدت “أرانشا” منصبا رفيعا في منظمة التجارة العالمية،وقبل ذلك عملت في الاتحاد الأوروبي ببروكسيل؛ وبالتالي فإن الوزيرة التي دخلت العقد الخامس من عمرها متمرسة وفي قمة نضجها الوظيفي،مطلعة على إشكالات وتضاريس العلاقات الثنائية والمتعددة،على درايةتامة بالضوابط الدقيقة والأعراف التي تضبط المجالين؛ وبالتالي فإنها كانت حذرة في تعليقها الأول،عبر تغريدة في”التويتر”على مصادقة النواب المغاربة على مشروعي قانون ترسيم الحدود البحرية في المنطقة الجنوبية. أعربت الوزيرة عن أملها في الحوار مع المغرب،وسيلة لفض أي خلاف محتمل ينشأ بينهما، وهي إرادة تلتقي مع رغبة مماثلة عبر عنها نظيرها المغربي في تصريحات أخيرة.
وتزور السيدة أرانشا،بلادنا والعلاقات المغربية الإسبانية تشهد إجمالا مرحلة هدوء، وجد فيه الطرفان مصلحتهما،كونه يمكنهما من معالجة عقلانية للقضايا الخلافية العالقة وكذا المستجدة ،في جو تسوده الثقة المتبادلة والمصلحة المشتركة، ما يفرض على الجانبين التشاور وتبادل الرأي باستمرار،بخصوص الوسائل الكفيلة بتعميق العلاقات الثنائية على كافة الأصعدة والمراهنة عل المستقبل.
صحيح أن العلاقات بين الرباط ومدريد،لم تكن متأزمة كثيرا على عهد حكومة الحزب الشعبي بزعامة،ماريانو راخوي، غيران عودة الاشتراكيين إلى الحكم،بزعامة رئيس الوزراء الحالي،بيدرو سانشيث،بددت بعض السحب المتبقية وأعادت الثقة بين البلدين، مثلما ساهمت في تنشيط الروابط وتبادل الزيارات بين الوزراء الممسكين بزمام الملفات الحساسة أو الساخنة الاقتصادية والأمنية،حسب منظور البلدين.
وفي هذا السياق جدير بالتنويه الدور الإيجابي الذي اضطلع به الوزير السابق،جوزيب بوريل، في اتجاه تدغيم العلاقات الثنائية وتفهم مطالب الرباط وانتظاراته من جارته الشمالية.
وبينما يؤمن المغرب أنه يمارس حقا سياديا على مياهه الإقليمية ،وليس مناكفة لإسبانيا وبعيدا عن افتعال أي نزاع معها؛ خاصة وأن وزير الخارجية المغربي بوريطة كان واضحا في هدا التوجه حين نفى رغبة الرباط في فرض الأمر الواقع بانفراد على جيرانها، فاتحا باب الأمل أمام التفاوض على مصراعيه، استنادا إلى القانون الدولي والتوافق والمصلحة المشتركة الكفيلة بإبعاد المنطقة عن التوتر والنزاعات.
وخلافا لموقف حكومة مدريد الرصين ،لم تتأخر أحزاب اليمين المحافظ والمتطرف في شن هجوم إعلامي تحريضي ضد المغرب ،مؤججين نار العداوة في جزر الكناري المقابلة للشواطئ المغربية ؛حيث من المحتمل أن تتداخل المنطقة البحرية التي توجد في أعماقها كنوز معدنية ثمينة وباحتياطي مهم ،تم اكتشافها في السنوات الأخيرة ؛ إذ تعتبر تلك المعادن أساسية في صناعات مستقبلية دقيقة مثل معدن التيليريوم والكوبالت.
واتسمت ردود فعل سياسيين في الأرخبيل الكناري بالجشع ونزعة الاستحواذ على ثروات المحيط الأطلسي، رافضين الاعتراف بأي حق للمغرب الذي وهبته له الطبيعة، وليس منة من أحد.
وبدورها،أصرت أحزاب اليمين في إسبانيا على مساءلة رئيس الوزراء ووزيرة الخارجية أمام البرلمان، مشددة على عدم التنازل للرباط قيد أنملة.
ويذكر موقف المعارضة اليمينية غير الودي حيال المغرب، بما سبق لرئيس الوزراء الأسبق خوصي ماريا أثنار، أن فعله حين منح رخص التنقيب عن الثروات في شواطئ الأرخبيل الكناري على مساحة متقاسمة بين البلدين . كان إجراء عقابيا ضد المغرب على تمسكه بحقوقه في التفاوض على تجديد اتفاق الصيد البحري.
ومن المفارقات أن يعود الاشتراكيون إلى السلطة في مدريذ، كلما لاحت بوادرأزمة مع المغرب يشعلها اليمين. فقد صرح خصي لويس ثباطيرو، الذي خلف أثنار، في قصر” لا منكلوا ” قائلا “إن بلاده تريد أن تصبح المنطقة البحرية المختلف عليها مع الرباط ، منطقة تعاون وسلام بين البلدين ” متجاوزا الأزمة بذلك التصريح.
وإذا كان الموقف الحالي للجارة الإسبانية مفهوما لدى المغرب ،ما جعله يترك باب التفاوض مفتوحا معها لارتباطها معه بعلاقات إستراتيجية ومصالح قريبة وبعيد المدى ؛ فإن المضحك حقا هو التصريح الذي أدلى بهم مسؤول في جبهة البوليساريو الانفصالية،فقد لام محمد خداد إسبانيا وانتقدها لأنها انسحبت من الصحراء عام 1975ما مكن المغرب من استكمال وحدته الترابية.
هل يوجد غباء سياسي أكبر من الذي عبر عنه الانفصالي خداد؟
وعلى أي فإنه من السابق لأوانه التكهن بما سيئول إليه الخلاف المحتمل بين مدريد والرباط ؛ غيرأن المؤشرات لا تدعو إلى القلق من الجانب المغربي على الأقل. إن الخشية هي من تصعيد اليمين الإسباني وتحريضه للشارع ضد الحكومة الاشتراكية، مستغلا استنادها على أغلبية نسبية ضعيفة معرضة للتصدع أمام اية أزمة .
ومن المؤكد كذلك أن الرباط شاعرة من جهتها بخطورة الإشكال، وهي تملك أوراقا مؤثرة يمكن أن تستعملها في أي نقاش مع إسبانيا،مثلما يجب الإقرار بأن الأخيرة لها أوراقها الضاغطة ؛وبالتالي يمكن القول إن البلدين مجبران على التفاهم، وتمنيع جسور الثقة بينهما ؛فالجوار الطبيعي والبشري،يحتم التضامن في السراء والضراء،ولا يمكن محو أثاره وتأثيراته مهما كان استقواء طرف على آخر.