…في صباح اليوم الموالي أي اليوم الموعود الذي ستقام فيه مبارة الباراج كانت الحركة مكتظة على غير العادة فالكل يتسابق من أجل الحصول على مقعد في الملعب وخصوصا أن مبارة اليوم هي مبارة ديربي بين فريقين من أبناء المدينة يتصارعون من أجل الصعود للدوري الممتاز والكل يستغل هذا الحدث على حسب ذكائه فلقد التف أصحاب “الكوطي فوت” حول أخي الذي يعطيهم نتائج المباريات المحلية والاجنبية وهو الذي لم يحضر لمباراة قط في حياته ولو بطولة رمضان للأحياء أما عبد الواحد وصعصع فهما يبيعان الحجابات الجالبة للحظ التي خطها السي شريف بيده لأنصار الفرق المتبارزة وانا لم ارى هذه الاحجبة الا اليوم رغم كل هذه الجلبة والحركة الكثيرة الا انني كنت اشعر بضيق في صدري شديد وأحس بأن الدنيا قد ضاقت بي وبما رحبت ولهذه المعضلة كان عندي علاج واحد وهو المشي ولمسافات طويلة بلا هدف الى ان افرغ هذه الشحنات السلبية…
وبالفعل ارتديت بذلة رياضية فخمة ذات ماركة عالمية اهداها لي “السي المعطي ولد الكودية” مع حذاء رياضي من نفس الماركة وأطلقت ساقي للريح وبدأت أمشي بلاوعي تركت نفسي اسبح في تيار افكاري وأتنفس هواء الصباح بعمق مارا بأبنية حديثة البناء وأخرى آيلة للسقوط وأبنية فارغة من السكان اصحابها أشباح كالموظفين الاشباح تماما وفي غمرة تفكيري هذا وتأملاتي لم ألاحظ ظلا يتعقبني عن قرب مند مدة وفجأة يد تسحبني بقوة نحو اليمين وصوت ارتطام سيارة بجسد شخص ما عنداك “أسي دوبل طيط” طوموبيل غادا ضربك رفعت رأسي في الشخص الذي انقدني فلم يكن الا مدير المدرسة والد الطفلة البتول ماذا بك أسي شريف كنت غادي تموت أجبته بشرود وأنا لم افق بعد من الصدمة الحمد لله على لطف الله الله يجازيك بخير “أسي دوبل فورمة” نردها ليك فساعة الخير ثم اتجهت مباشرة الى موقع الحادثة ففوجئت بابن خالة السعدية وهو ملقى في الشارع جراء الاصطدام مع السيارة وهو يصارع الموت ولكن ما صدمني بحق هو احتفاظه بسكين في قبضته رغم قوة الاصطدام وهو بين الحياة و الموت لم يكن صعب على عقل مثل عقلي أن يربط هذه الاحداث كلها رغم غرابتها وان استنتج الحقيقة وأعلم ماذا حصل بالضبط و هذا ما اتضح لي جليا وليس هناك دخلا للجواد او السحر و الشعوذة إنما هو ترتيب منظم للأحداث واستغلال كل معلومة عن الموضوع ووضع كل هذه الاشياء في ميزان العقل فتتضح الصورة جليا وينكشف الغبار وتهرب الخرافة امام صلابة العقل وقوته…
فالموضوع وما فيه أن عكوس لالة السعدية ونحسها في الزواج لم يكن كل هذا الا ابن خالتها المهووس الذي يطارد الخُطابْ ويعتدي عليهم بالضرب وهددهم حتى بالقتل فلا يجد الخاطب المسكين الا الفرار بجلده امام هذا العاشق القاتل اتبع معي نفس الخطة فلما وجدني مصرا على الزواج بالسعدية أراد قتلي والفرار وبينما هو يتربص بي باحثا عن اللحظة المناسبة ليتخلص فيها مني لم يرى السيارة القادمة بسرعة جنونية فارتمى علي محاولا طعني بمقتل وكانت السيارة ستدهسنا معا لولا أن تدخل والد البتول في الوقت المناسب ونجوت أنا من طعنة السكين ودهس السيارة ووقع ابن خالة السعدية في شر أعماله وهاهو الان يصارع الموت لم أرد أن أقدم شكاية ضده فالحالة التي هو فيها الان أخطر من اي عقوبة تتخذ في حقه……
عند المساء خرجت أمام المنزل أتبادل أطراف الحديث مع أبناء الحي ونتسامر فيما بيننا وإذا بحورية قلبي تخرج من الصالون فجأة فاتجهت نحوها مباشرة وأنا لا اعلم من اين اتتني هذه الجرأة مؤخرا لالة السعدية “كدايرا لا باس عليك” اجابتني بحياء “لا باس أسي خالد ربي يخليك” سألتها الى اين تمضين هكذا مسرعة ردت علي بنفس الخجل ستذهب أمي الى المستشفى لزيارة ابن خالتي المصاب تصنعت المفاجأة والحيرة ماذا حل به المسكين أهو مريض قالت لي لقد أصيب بشلل نصفي مزمن فلقد اصابته سيارة مسرعة هذا الصباح وفر صاحبها ولم يسجل احد ارقام السيارة فقلت مع نفسي اذن لقد نجونا يا حبيبتي من “تابعتك و نحسك هذا إلى الابد” ثم سألتها وانا أتصنع التأثر أأذهب معكم لزيارته إن أردت اجابتني لا لا أريد أن أشغلك فقط أطلب منك الاذن بزيارته إن شأت رجل مثلي يغلب عقله على مشاعره لن اجد مشكلة في هذا فالرجل نصف حي ونصف ميت يعني أنه لن يضرها ولن ينفعها إذهبي الالة السعدية ولا تتأخري حيتني واسرعت الخطى الى بيتها وبينما أنا غارق في أحلام الحب والغرام…
اذا بهاتفي يرن بغتة ليخرجني من أحلى حلم “ألو سي دوبل طيط هذا” من هذا الاحمق ايضا الذي مازال يستخدم هذا اللقب اللعين أجبته بعصبية أجل “سي بوقال هذا” من معي رد علي المتصل أنا الرئيس سي المعطي أردت ان ابشرك فقط لقد انتصرنا بثلاثية نظيفة وصعدنا للدوري الممتاز وهذا كله بفضل الله وبعونك أسي الشريف أسعدني هذا الخبر فالمبلغ الذي وعدني به الرئيس يكفي لصنع عرس مغربي فاخر على “حقو وطريقو” فقلت له إوى أسيدي مبروك عليكم و انشاء الله البطولة العام جاي ضحك الرئيس من قلبه هذه المرة وهو يقول إن شاء الله أسي شريف علاش لا شوف راني دوزت ليك لفلوس فحسابك هادي ساعة دابا او ها لعار أسي شريف الى خاصاك شي حاجة خرى قولها لي لم أتردد فأنا بدوري كنت أبحث عن قاعة افراح محترمة أعقد قراني فيها السيد الرئيس أتعرف مكان قاعة افراح ممتازة فعرسي الاسبوع القادم ولم أجد بعد قاعة جيدة لهذا الغرض أطلق ضحكة مجلجلة وهو يقول سي اشريف هناك الله انا عند قاعة افراح معتبرة جنب لبحر او عرسك أسيدي على حسابي اعتابرو هدية صداقة و محبة لم أدري ماذا أصنع أو ماذا أقول فها هي مشاكلي تحل اتباعا ببساطة هكذا فوجدت نفسي أقول بحماقة لرئيس ” الله يخلف عليك أسي الرئيس شراب والشيخات على حسابي نت غير جيب معاك لكارت ليلة نتشدو كاملين” أطلق الرئيس ضحكة مجنونة وسارعت انا بإنهاء المكالمة قبل ان اتفوه بحماقة اكبر من هذه وصعدت إلى زاويتي الخاصة لأعيد ترتيب أوراقي وأعد نفسي لحياة الزوجية تاركا ورائي أعواما من الوحدة والعزوبية هذه الخطوة ستكون ايجابية من كل نواحيها فمعظم العلماء والعباقرة كانت لديهم زوجات و أطفال ولم تجعلهم هذه الاشياء يتراجعون في تحصيل أو في اكتشاف خبايا الكون وأسراره إذن لأدع عني هذه الوساوس المدمرة وهذه الافكار السلبية ولأدخل بقدمي اليمنى في بيتي الذهبي ولن أقول القفص الذهبي فأنا لست ريكو أو بيروش……
…بالفعل كان عرس أسطوري بمعنى الكلمة ولم “يقصر سعادة الرئيس من ماله أو جهده” فلقد ضمت القاعة أزيد من 500 ضيف و ضيفة مع مختلف أنواع المأكولات والمشروبات ما لذ منها وما طاب و حضر أبرز الفنانين في عرسي وأشهرهم كما حضر أكابر القوم وسادتهم كلهم يرجون بركة “السي بو صنطيحة” وأشد ما فاجأني في العرس هو كم الهدايا التي وصلتني وثمنها الباهض و غلائها بل جائتني هديتين من أمراء في الخليج العربي مع بطاقة تهنئة أنيقة حينها بالفعل بدأت أشعر بالرعب الحقيقي من هذه الشهرة التي وصلت لها ….مر كل شيء على ما يرام واستقرت سعدية معي في بيت الاسرة ولم أجد أدنى مشكلة بين أمي وزوجتي الشيء الوحيد الذي كانا يصران عليه معا هو أن نستبدل السكن بأخر يليق بسمعة أسي شريف وكنت دائما ما أؤجل هذا الموضوع الى أن حملت السعدية وانتفخت بطنها بمولودي الجديد حينها جلست مع نفسي في زاويتي المعتادة جلسة تأمل وفكر ووجدت أنه فعلا قد آن الاوان لتغيير السكن وتغيير حتى الحرفة فأنا لن أسمح بأن يكبر أطفالي في هذا الجو الخرافي والاسطوري محيطين بالهدايا والذبائح والخزعبلات فأنا أريد لأبنائي جو علمي 100% وبيئة صحية جسديا ونفسيا لدى قررت ان اهجر مدينتي وأرحل منها سرا الى أي بلدة آمنة سعيدة نائية في المغرب بعيدة عن أضواء الشهرة والخزعبلات….
اشتريت منزلا كبيرا ذا أربعة طوابق ببلدة طيبة من بلدان المغرب الحبيب وخصصت شقة لوالدتي وهي بالطابق السفلي لكي لا تتعب من صعود الدرج والثانية جعلتها عيادتي التي سأشتغل فيها والطابق الثالث مسكن لي ولأولادي أما أخي الصغير فأصر على البقاء وحده في البيضاء مدعيا أن عمله الجديد أصبح يدر عليه أموالا طائلة لم أتدخل في حياته كعادتي تركته يعيش حياته بحرية وبدأت حياتي من جديد كمدرب للتنمية الذاتية وفن تطوير الذات هو نفس العمل الذي كنت أقوم به بالبيضاء الا ان عملي هنا جعلت من العلم فيه هو الفاصل بيني وبين زبائني ولا وجود لعفاريت أو ملوك الجان في عالمي الجديد….لكن ما أثار انتباهي في أول يوم عمل لي هنا هو أني عندما أتيت لفتح باب العيادة وجدت قطة سوداء أمام الباب في استقبالي كأنها تنتظرني ما إن رأتني حتى أسرعت في نزول الدرج واختفت وليس هذا فقط بل أول زبونة جاءت عندي بادرتني قائلة أسي شريف رانا محتاجة نشكي عليك إذن ستظل القطة السوداء تطاردني ولقب اسي شريف اسمعه في أذني إلى أجل غير مسمى وأن قصتي معهما لن تنتهي أبدا وخصوصا أن ابني الصغير لديه رأسا تشبه رأسي تماما إنها وبكل فخر رأس السي دوبل طيط………..