ينعقد اليوم بمدينة برلين الألمانية مؤتمر دولي حول ليبيا. ألمانيا التي تستضيف المؤتمر دعت دولا ومنظمات إقليمية ودولية للحضور والتداول في الأزمة التي تعصف بليبيا وتهدد أمن واستقرار المنطقة والسلم في العالم، إلا أنها استثنت دولًا أخرى، ليست معنية بالأزمة الليبية فحسب، وإنما لعبت أدوارًا رئيسية على مستوى الجهود الإقليمية والدولية التي بذلت من أجل التغلب عليها ووضع العملية السياسية السياسية الليبية على سكة الحل وفي مقدمتها المغرب الذي عقد أهم اتفاق حول الأزمة الليبية على أرضه والمعروف باسم المدينة التي وقع فيها بين مختلف فرقاء الأزمة الليبية ( اتفاقية الصخيرات في ديسمبر 2015 ).
ولا يمكن لهذا المؤتمر إلا أن يثير أسئلة كثيرة وعلامات استفهام عريضة برسم الدولة المضيفة وحول الدول المشاركة والدول التي وقعت تحت طائلة الاستثناء والإقصاء معًا .
إن حضور الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، في مؤتمر برلين حول ليبيا أمر مفهوم، لأن الأزمة الليبية وتطوراتها الأخيرة تشكل تهديدا حقيقيا لأمن واستقرار المنطقة والعالم، ولا أحد بإمكانه إنكار مسؤولية الدول العظمى في مجال استتباب الأمن والاستقرار في العالم لكونها هي بالذات القائدة الفعلية لمجلس الأمن الدولي، وبالتالي لا يمكن تجاهل مصالحها الاستراتيجية في حالات السلم كما في حالات النزاع في مختلف بقاع العالم.
وحضور الأمم المتحدة أمر مفروغ منه، ولو أنه نوع من تحصيل حاصل ما دامت الدول العظمى التي تمسك بخيوط اللعبة السياسية والاستراتيجية في المنطقة والعالم حاضرة في برلين وهذا يجعل حضورها لأخذ العلم بمصالح تلك الدول والعمل على عدم الانزياح عنها إلا بما تسمح به موازين القوى على الساحة الدولية بين الكبار أساسًا.
أما حضور جامعة الدول العربية في الواقع، فهو حضور رمزي لا غير، ما دامت هذه المنظمة الإقليمية عديمة التأثير في القضايا الإقليمية والدولية بما فيها تلك التي تعتبر مضاعفاتها بالغة السلبية على العالم العربي. ولا يغير من هذا الواقع بيان تصدره هنا أو هناك يعرف مدبجوه قبل غيرهم أنه لرفع العتب والإيحاء بأن هذا الجسم ما زالت فيه عروق تنبض بالحياة .
أما حضور الإتحاد الإفريقي فليس إلا من باب أضعف الإيمان تجاه دولة كان لها الدور البارز في إنشاء ذلك الاتحاد أيام كانت تحت سلطة معمر القذافي الذي ترافقت عملية الإطاحة به مع دخول ليبيا في أزمة سياسية غير مسبوقة في تاريخها.
ويمكن الاعتراف، على مستوى آخر، بأن حضور الجزائر ذات أطول حدود مع ليبيا في مؤتمر برلين أمر مرغوب فيه ولو أن الدول التي بادرت إلى الدعوة إلى المؤتمر قد استثنتها في البداية على اعتبار كونها تعاني أزمتها الخاصة تم عادت إلى دعوتها بدعم من تركيا وروسيا. وهو ما يمكن تفسيره بأنه جاء بعد الموقف المعلن للقيادة الجزائرية من التدخلات الخارجية خاصة بعد الاتفاقية الموقعة بين رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج وبين الرئيس التركي طيب اردوغان حيث تحولت تركيا إلى دولة معنية بشكل مباشر بموجب الاتفاق في ليبيا وحيث خطت الخطوات الرئيسية الأولى للتدخل العسكري في مواجهة قوات الماريشال خليفة حفتر التي باشرت معركتها العسكرية على العاصمة طرابلس.
ويمكن اعتبار هذا الحضور أيضًا هدية دبلوماسية للرئيس الجزائري الجديد لعلها تعزز موقعه في الصراعات التي لم تتوقف بانتخابه وخاصة مع جزء من الشارع الجزائري.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه بقوة يدور حول عدم توجيه الدعوة إلى المغرب، ليس بصفته دولة من دول المغرب الكبير الذي تنتمي إليه ليبيا فحسب، وإنما أيضًا بالنظر إلى الأدوار الحاسمة التي لعبها في الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسي للأزمة الليبية منذ انطلاق أولى المساعي في هذا الاتجاه إلى أن تم تتويجها باتفاقية الصخيرات.
فهل عدم دعوة المغرب لحضور مؤتمر برلين يعني التخلي عن هذا الاتفاق الذي حظي بموافقة مختلف أطراف الأزمة الليبية وعلى أساسه تم التوصل إلى تشكيل حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج؟ كما تم تثمينه من قبل مجلس الأمن الدولي وعلى قاعدته تم تعيين اكثر من مبعوث خاص للأمم المتحدة إلى ليبيا لمتابعة العملية السياسية في البلاد؟
وهل هذا يعني، إذا كان الجواب بالإيجاب، إعادة الأزمة الليبية إلى مربع الانطلاق، أو بالأحرى إلى نقطة الصفر السياسي، وبالتالي، فإن مؤتمر برلين هو المدعو لإعطاء نقطة الانطلاق لمسار سياسي جديد تمامًا؟ وعلى أي أساس؟ وما هي الحظوظ الحقيقية التي أمام المؤتمر بعد دخول تركيا اردوغان على الخط وهي الداعمة لجماعات الإخوان والتي يبدو أنها بدأت تدخلها العسكري في ليبيا وأطلقت مسلسلًا جديدًا من التدخلات الأجنبية الحروب بالوكالة في ليبيا.
فهل أمام هذا التطور يمكن استغراب تلقي المغرب باستغراب، هو في الواقع، أقرب إلى الإدانة عدم توجيه الدعوة إليه لحضور مؤتمر هو معني به على أكثر من مستوى؟ إذ هو معني به لجهة الانتماء إلى المنطقة كما هو معني به لجهة ما قام به من جهود في الماضي وللجهود التي يبذلها حاضرا وسيبذلها مستقبلًا لتفادي انزلاق الأزمة الليبية إلى نزاع مدمر شامل يبعد البلاد عن العملية السياسية الوحيدة القادرة على انتشالها من الأزمة التي تعصف بها والتي وضعت أسسها الجوهرية في مدينة الصخيرات المغربية.
إن بيان وزارة الخارجية المغربية قاطع في وضوحه على هذا المستوى، وهو يرفض عملية الإقصاء التي تعرض لها المغرب ولا يخفي استياءه من الضبيابية التي تعاني منها عملية انتقاء الدول المشاركة والمعايير التي اعتمدتها دولة مثل ألمانيا التي يبدو أن هم مصالحها الاستراتيجية أسبق من أي اعتبارات أخرى، في تحديد من له الحق في الحضور ومن لا توجه إليه الدعوة مثل المغرب، ومن توجه إليه بشكل متأخر، حتى يجد نفسه مضطرًا لعدم قبولها مثل حال تونس.
إن ظلالًا كثيرة تخيم على مؤتمر برلين فعلًا وهي لا تسمح بأي أمل حقيقي في إخراج ليبيا من أزمتها الأمنية والسياسية الحالية. ولعل إدراك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لهذا الواقع بالذات هو الذي جعله يبادر بالاتصال بجلالة الملك محمد السادس للتداول حول الأزمة الليبية عشية انعقاد مؤتمر برلين، وهي خطوة تحسب لفرنسا بطبيعة الحال، غير أنها لا يمكن أن تكون كافية لرفع استغراب المغرب واستنكاره لهذا التصرف غير المنتج سياسيًا، إذا كان الهدف فعلا هو بحث الأزمة الليبية في قلب أروربا ودون حضور معنيين بها من المنطقة التي تنعكس كل تطوراتها عليها قبل غيرها.