لا تعد ولا تحصى المرات التي هددت فيها جبهة البوليساريو، وجمهوريتها الافتراضية المغرب، بشن حرب ضروس، لدرجة أن المرء يتساءل: كيف لم تحذف البلاد من الخارطة على يد القوة التي لا تقهر،لا تبقي ولا تذر.
والحقيقة أن ما يثير الاستغراب مع وفي كل “حايحة” إعلامية تنسجها الجبهة الانفصالية على مقاسها، حينما يشتد عليها الخناق وتحاصرها الهزائم والإخفاقات من كل جانب؛ هو تقمصها لصورة الدولة العظيمة القادرة على البطش بخصومها؛ وتصور وهم امتلاكها للاقتصاد المتين والصناعات المتقدمة والكثافة السكانية الكاسحة؛ وبالتالي أصبحت مهابة الجانب يخشاها الخصوم المفترضون،فيسارعون إلى التودد لها،كي تخفف من غضبها عليهم وإلا طالهم عقابها (لا توجد علامة التعجب في هذا الحاسوب).
ولا تكتفي الجبهة المنفصلة عن الواقع والجمهورية الملحقة بها، بتصويب أسلحة “عاشوراء” نحو أراضي المملكة المغربية، بل يشمل وعيدها الدول العظمى حقيقة لا مجازا؛ تأنيبا لها على تبني مواقف مساندة لعدالة الموقف المغربي وانحيازها للواقعية السياسية والشرعية الدولية، عبر دعوة الطرفين إلى حل سلمي توافقي لنزاع عبثي طال في الصحراء فلطالما أرسل المغرب الإشارة تلو الأخرى، حاثا على سلوك النهج الواقعي، مؤكدا بالأساس على حقوقه التاريخية في كامل ترابه الوطني.
الدول المستهدفة بدعاية “البويساريو”كثيرة .المثالان المتكرران عند كل صيحة إعلامية تطلقها الجبهة في واد، هما فرنسا وإسبانيا. هذه المرة نالت الأخيرة نصيبا وافرا من الوعيد وتصدرت مدريد قائمة المغضوب عليهم من طرف صنيعتها قبل انسحابها من الصحراء.
نصبت البوليساريو أبواقا هنا وهناك،تعيد صدى الحاكي في مخيمات تيندوف.
في هذا السياق، استهانت الجبهة الموشكة على الانقراض، أخيرا بتقارير الاستخبارات الإسبانية المدعومة بخبرتها والتنسيق المحكم مع نظيراتها الغربية، لما حذرت رعاياها المترددين على مخيمات “تندوف” في إطار ما يسمى المساعدة الإنسانية. نصحتهم بالتزام الحذر في تحركاتهم، من احتمال تعرضهم لعمليات إرهابية تنتهي باختطافهم أو الاعتداء عليهم؛ مثلما حذرت نفس الجهات ومن خلال موقع وزارة الخارجية الإسبانية، أجانب من جنسيات أخرى إن عزموا على السفر عبر الجزائر، إلى منطقة غير مأمونة.
ومعلوم أن ناشطين إسبان، اعتادوا السفر في عطلة أعياد الميلاد لتفقد الأطفال الصغار الذين تستضيفهم عائلات في عطلة الصيف ثم يعيدونهم إلى بؤس المخيمات، ومعاناة بقية السنة.
وليس هنا مجال التساؤل عن حقيقة دوافع المحسنين الإسبان،ولا عن الآثار المترتبة على الطفولة المحرومة حين تقتلع من بيئتها؛ من تمزق في نفوس الصغار الصحراويين الأبرياء حيث يساق بهم من شظف العيش والفقر المطلق والحرارة المفرطة والبرد القارس، ليجدوا أنفسهم في وسط عائلي غريب عليهم؛ يقارنون شظف حياتهم في المخيمات بنمط حياة الأسر الإسبانية الميسورة.
أكيد، سيصعب على الصغار معرفة ما إن كانوا مسلمين، يمنع عليهم دينهم عادات،أم هم مسيحيون بالإكراه، يجلسون مع مضيفيهم إلى نفس الطاولة. أرباب البيت يعاقرون الخمر ويأكلون ما يحرم على الصغار في بيئتهم الصحراوية الأصلية بمقتضى دين أبائهم.
ليس المقصود هنا التفريق بين الحلال والحرام، وإنما الاستغراب من خطاب المبالغة والتهويل المضحك والخيال المريض وأسلوب دعاية لا يصدقها عاقل، دأبت عليها الجبهة المنفصلة عن الواقع، منذ تأسيسها المشكوك فيه، للافتراء على المغرب، بالباطل والبهتان الرخيص.
لم تتورع “البوليساريو” عن تلك التصرفات الرعناء؛ وإلا كيف يعقل أن تشكك وهي المقيمة فوق ارض الغير، في كفاءة أجهزة الدولة الإسبانية ذات المنعة المادية والمعنوية والحضور السياسي والثقافي والصناعي وحتى الرياضي.يحمي ترابها جيش هو الأقوى بين نظرائه والحلف الأطلسي؛ تحمي أمنها أجهزة استخبارات فاعلة في الداخل والخارج.
دول بمثل تقدمها، يكون مخجلا التشكيك في مصداقية تقارير أجهزة مخابراتها وهي المعروفة بالتنسيق المحكم مع مثيلاتها في الدول الغربية؛ بالنظر إلى عضويتها في منظومة الدفاع المشترك، تواجه أخطارا إرهابية مشتركة؟
صحيح، من حق أي بلد الحيطة والحذر والتحليل الدقيق لتقارير الاستخبارات ومقارنتها على ضوء المعطيات المؤكدة أو النافية، قبل الانتهاء إلى استنتاجات توضع على الطاولة لحظة اتخاذ القرار، استنادا إلى نتيجة التحريات.
لقد بات التخبط والهروب إلى الأمام والخلف، واضحين في التعاطي الإعلامي والسياسي للجبهة المنفصلة، وأصبحت عاجزة عن إمعان النظر في واقع صادم لها فتهرب منه. واقع يؤكد ببساطة إن عهد أضغاث الأحلام قد ولى؛ ما يفرض على الكيان العليل؛ التحلي بالتواضع والاعتراف بخسارة رهان، كان حين مولده، مجرد وهم وسراب خادع .
لكن المفارقة المدهشة، أن الصفعة المهينة للجبهة الانفصالية، أتت من حاميتها وراعيتها أي الدولة الجزائرية، التي نازعت الجبهة في الانتفاض بمفردها ضد إسبانيا، حين أوضحت مصادر رسمية جزائرية أن مخيمات تندوف، موجودة فوق ترابها الوطني وخاضعة لسيادتها ومشمولة بحماية جيشها وأمنها؛ بعبارة صريحة: وضع الصحراويين المحتجزين هناك هم لاجئون؛ وبالتالي فإن الجمهورية الوهمية،ممنوع عليها التشكيك في تقارير الاستخبارات الأجنبية، ما دامت هي نفسها تحت رحمة الحامي القوي.
لم ترد الجبهة على وضع النقط فوق الحروف واضطرار الجزائر المحرجة إلى الإعلان عن يحمل الكثير من معاني الإهانة لصنيعتها ودعوتها إلى الكف عن ادعاء ما ليس لها أي استقلال القرار، في الحاضر والمستقبل.