هناك من ركز بالنسبة للتعديل الحكومي الجديد على طبيعة الهيكلية المعتمدة بالنسبة للطاقم الحكومي، كما تم النظر إليه من خلال طبيعة الحقائب الوزارية التي آلت إلى هذا الحزب أو ذاك. وفي الواقع، فإن هاتين المسألتين على أهميتهما الواضحة لا تختزلان قضية هذا التعديل.
يبدو لي أن المسألة أعمق بكثير من ذلك وهي ترتبط بتصور جديد يراد له أن يوجه العمل الحكومي في المستقبل لتجاوز الضعف في الأداء الذي أصبح حديث كل الركبان كما يقال، بل ولوضع حد ربما لعدد من الإختلالات أو الغموض الذي يكتنف عادة عمل المؤسسة التنفيذية الموسعة بشكل كبير والتي أشار إليها، غير ما مرة، الملك محمد السادس في خطبه في مناسبات كثيرة لا سيما خلال السنتين الأخيرتين حيث كان النفس النقدي القاسم المشترك لتلك الخطب وبالتالي، فهذا أوان إكساء هذا النقد ثوبًا يميزه عن الذي سبقه ضمن الممكن السياسي الراهن بطبيعة الحال.
وهذا يعني أن الأمر لا يتعلق بضرورة اختيار الكفاءات الحزبية أو التكنوقراطية لتطعيم العمل الحكومي بدماء جديدة توفر له الفعالية والنجاعة المطلوبة فحسب، وإنما أيضًا، وأساسًا، ليكون الطاقم الحكومي في مستوى مهمة مركزية ما فتئت تتصدر اهتمامات مختلف القوى السياسية المغربية وهي بلورة نموذج تنموي جديد يتلاءم مع طبيعة المرحلة التي يمر منها المغرب بمختلف تحدياتها ويتجاوز محدودية النموذج المعتمد سابقًا حتى تكون التنمية في مصلحة مختلف الفئات الشعبية وخاصة منها تلك التي لم تستفد كثيرا خلال المراحل السابقة والتي أصبحت لا ترى نفسها على وفاق مع أي حديث عن السياسة ليس يضمن لها كسبًا حقيقيًا في نمط حياتها اليومي، وفي المجالات الإجتماعية والخدمات الرئيسية من شغل وصحة وتعليم وغيرها.
يظل الأمر مرتبطا إذن بطبيعة النموذج الذي ستتم بلورته ليكون الموجه للعمل الحكومي على المدى البعيد حاسمًا في تحديد طبيعة الإنجازات المستقبلية والقوى التي تستفيد منها. وإذا كان التوجه الملكي صريحًا وواضحًا بهذا الخصوص، عندما أكد على ضرورة استفادة الفئات الشعبية من ثمرات التنمية في نموذجها الجديد، فإن القضية التي يمكن أن تكون محور التفكير في المستقبل وبموازاة بلورة النموذج المنشود هي طبيعة الآليات التي ينبغي اعتمادها لتحقيق ذلك الهدف كي لا يتعرض النموذج التنموي خلال التنفيذ لانحرافات تحرم شرائح واسعة من المواطنين من الإستفادة.
إن نظرة سريعة إلى تركيبة الحكومة الجديدة تفيد أن ما حدد هندستها هو أولا، البحث عن الفعالية وهو ما قد يوفره تقليص عدد الوزراء بشكل كبير والنزوع نحو الدمج بين عدد من القطاعات الوزارية.
ثانيا، تطعيم الوزارة بدماء جديدة أساسا من خارج الأحزاب السياسية دون المساس بالجوهر السياسي للحكومة التي تظل حكومة أغلبية منتخبة في نهاية المطاف.
ثالثا، المساهمة النوعية للنساء في التركيبة الحكومية التي تعني العمل باستمرار على الرفع من مستوى تمثيلية المرأة المغربية في مختلف مؤسسات البلاد.
رابعًا، إدراك الأحزاب السياسية المكونة للأغلبية الحكومية أن أولوية المرحلة لم تعد في تحديد مدى استفادة هذا الحزب أو ذاك من عدد الحقائب الوزارية مقارنة بالغير، وإنما هي في ما لا يرقى إليه الشك أنه من صميم المصلحة الوطنية العليا.
وفي كل الأحوال، فإن هذه التجربة في المفاوضات للتعديل الحكومي تعد خطوة إيجابية باتجاه القطع مع ما يمكن اعتباره مفاوضات البازار التي عطلت العمل الحكومي لشهور عديدة بعد الإنتخابات التشريعية لعام 2016. وهي بذلك مؤشر على نضج في الممارسة السياسية على هذا المستوى، رغم أن هناك من سينظر إلى هذه التجربة بطريقة سلبية معروفة، ولم تعد تثير في الواقع كبير اهتمام لدى من ينظرون إلى الوضع السياسي للبلاد بالجدية والمسؤولية المطلوبتين.