أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريس عن أمله في استمرار الديناميكية السياسية التي انطلقت في عهدة مبعوثه الشخصي السابق إلى الصحراء كوهلر الذي قدم استقالته من منصبه ولم يتم بعد تعويضه بشخصية تحظى بقبول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي والأطراف المعنية بالنزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية.
لكن هناك عوائق كثيرة أمام تحويل الأمل المعبر عنه من قبل الأمين العام للأمم المتحدة إلى واقع ملموس، وهي عوائق ليست على مستوى واحد من حيث الأهمية والصعوبة والتعقيد. غير أن الذي يبدو، في الوقت الراهن، أن أهمها على الإطلاق هي:
أولا، عدم حصول توافق قوي بين أعضاء مجلس الأمن الدولي الدائمين حول تصور ما لمضمون الحل السياسي المتفاوض عليه المنشود، في ضوء قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بالنزاع وخاصة بعد ترجيح كفة البحث عن الحل السياسي للخروج من مأزق خطة الأمم المتحدة الخاصة بتنظيم استفتاء تقرير المصير.
ولا يبدو في الأفق من المؤشرات ما يدفع باتجاه التكهن بقرب تجاوز هذه الصعوبة، بالنظر إلى مواقف الدول العظمى المتباينة والتي تعكس، إلى هذا الحد أو ذاك، طبيعة التناقض بين مواقف الأطراف المعنية مباشرة بهذا النزاع.
ثانيا، وهذا بيت القصيد، كما يقال، التباين الجوهري بين تصوري المغرب وجبهة البوليساريو حول طبيعة الحل السياسي المنشود ذلك إنه في الوقت الذي ينطلق فيه المغرب من استحالة تنفيذ خطة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء، باعتراف مجلس الأمن الدولي منذ عام 2004 وهو الأمر الذي يفسر تقديمه لمبادرة الحكم الذاتي الموسع في أقاليمه الجنوبية في أبريل 2007، فإن قيادة البوليساريو مدعومة، بل ومدفوعة، في الواقع، من قبل النظام الجزائري تتصرف على أساس أن أي حل سياسي غير ممكن ما لم يكن نتيجة استفتاء تقرير المصير. بل إنها لم تخف يوما كونها قد حددت لذلك هدفا وحيداً وهو انفصال الصحراء عن المغرب. وهو ما يشكل تجاهلا متعمدا لحقائق التاريخ والجغرافيا وحق الشعب المغربي في وحدته الترابية وسيادته الوطنية على مختلف أقاليمه وفقًا لميثاق الأمم المتحدة ومقتضيات القانون الدولي الذي تمت محاولة التحايل عليه بدعوى حق الشعوب في تقرير المصير.
إن التناقض بين هذين التصورين والهوة الفاصلة بين الموقفين لا يمكن عبورها بسهولة في ضوء موازين القوة الحالية وتشبث كل طرف بموقفه الأساسي. وإلا ما كان لهذا النزاع أن يستمر لعقود طويلة دون أن يجد له حلًا.
صحيح أن جلسات المائدة المستديرة التي انعقدت في جنيف تحت إشراف المبعوث الأممي السابق كوهلر قد كانت إيجابية، في منحاها العام، خاصة أنها كرست طبيعة الأطراف المعنية وحددتها في أربعة أطراف وليس في طرفين فحسب، وهي دولة المغرب وموريتانيا والجزائر بالإضافة إلى جبهة البوليساريو الإنفصالية، غير أن عدم استمرار عقد تلك الجلسات، سيكون له تأثير سلبي على ديناميكية جنيف متى طال أمد القطيعة بين الأطراف المعنية، وقد يهدد، في أي لحظة، بالعودة إلى مربع الإنطلاق الأمر الذي يعني هدر الجهد في ما ليس له مستقبل ملموس. ولعل هذا ما دفع بالأمين العام للأمم المتحدة إلى إطلاق صرخته الأخيرة الموجهة إلى الأمم المتحدة والأطراف المعنية مباشرة بالنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
وصحيح أيضًا أن الوضع الخاص التي تمر منه النظام الجزائري الداعم الرئيسي للأطروحة الإنفصالية، لا يساعد على تبين حقيقة ما ستؤول إليه الأمور من حيث طبيعة القيادة التي ستنبثق عن الأحداث، وتحت تأثيرها ولو أن الذي يبدو أن الموقف الرسمي الجزائري من النزاع الذي افتعلته أصلا حول الصحراء استئنافا لموقف الإستعمار الإسباني الذي كان يرمي إلى إنشاء كيان هزيل تابع له في الصحراء المغربية لن يعرف تطورًا كبيرًا لا سيما إذا استتب زمام القيادة للبلاد لقيادة الجيش محرك هذا الملف والمراهن على إفشال كافة الحلول السياسية الممكنة لعدم تطابقها مع استراتيجية الهيمنة والتوسع التي اعتمدها في المنطقة.
ولعل أطرف ما اطلعت عليه مؤخرًا ما تضمنته رسالة الأمين العام لجبهة البوليساريو الإنفصالية إبراهيم غالي إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريس حول مزاعمه بخصوص وقوف المملكة المغربية في وجه تقدم العملية السياسية حول النزاع في الصحراء، وكونه لا يستبعد أن الشروط التي يضعها المغرب هي التي حالت ربما دون تعيين مبعوث شخصي جديد للأمين العام خلفا لهورست كوهلر والذي يرى غالي من الضروري أن يكون المبعوث الشخصي الجديد بالمواصفات إياها التي كان يتمتع بها السابق.
ولعل أغرب ما في هذه الرسالة، أيضًا، مزاعم كبير الإنفصاليين، بأن هدف المغرب من وضع العراقيل المزعومة هو رغبته في إحكام سيطرته على “أجزاء من تراب الصحراء”، في إيحاء كاذب أن الإنفصاليين يسيطرون على جل تراب الصحراء وأن المسألة تكمن فقط في بقاء أجزاء منها خارج سيطرتهم. لذلك فهم يحاولون استعادتها.
ومن الواضح أن هذا الأسلوب في طرح مشكلة الأقاليم الجنوبية للمغرب هو تحول في البروبغاندا الإنفصالية تجاه الرأي العام الدولي الذي لا يعرف طبيعة الحقائق على أرض الواقع. والغاية هي تصوير المشكلة كما لو أنها قضية استكمال الوحدة الترابية بالنسبة للجمهورية الصحراوية الوهمية. وينبغي الإعتراف هنا أن هذا الأسلوب في التعامل مع القضية يمكن أن يستميل إليه البعض لهذه الفترة الزمنية أو تلك، لكنه يظل محدودا جدا وعاجزا على إحداث أي تغيير جوهري في المسار الذي اتخذه النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية، بالنظر إلى الضربات المتوالية التي تلقتها جبهة الإنفصال خلال السنوات الأخيرة على المستوى السياسي حيث فقدت الكثير من القوى التي كانت تساندها بشكل شبه مطلق في أفريقيا وأمريكا اللاتينية الأمر الذي يحكم على المشروع الإنفصالي بالتراجع المستمر والموت الحتمي.