نهضت من مكاني بسرعة مجنونة وأنا لا أدرك ماذا أقول أين أين هي وهل هي بخير نظرت إلي أمي بصرامة وهي تقول ‘تبث أسي راك انت هو الشريف تبث وجمع الوقفة” ألقيت بنفسي على المقعد وأنا أقول لأمي مرتبكا هل هي فعلا السعدية أم أني سمعت غلط نظر ألي أخي الصغير باشمئزاز وهو يقول متهكما “وتوما شوف السي دوبل طيط ولا كيقفقف الفقيه لنتسناو بركتو دخل الجامع ببلغتو أه أسي هي السعدية الكوافورة أومن بعد أنت عينيك خرجو منين سمعتي سميتها” نظرت أمي بغضب إليه وقالت له وهي تنهره “ما تهدرش مع خوك بحال هكذا إحترم خوك أبوراس خوك هو البركة ديال الدار”… جمعت ما بقي لي من زجاج عقلي ورزانته وأنا أقول لأمي سوف أذهب لأرى ماذا تريد يمكن أن تكون مريضة أو بها أذى وتحتاج للعلاج نظرت أمي إلي وهي تأمرني لن تتحرك من مكانك أنت السي الشريف سأذهب أنا لأرى ماذا تريد هذه المنحوسة والتفتت عازمة على الذهاب عندها وتمتمت وهي تقول ‘هاذي ما تكون غير سحرات ليه ما فيهاش فقيها صحيح”….
أمسكت بيدي أمي وأنا أتوسل لها أمي “ها العار ما دوي معاها بضرافة ولطافة أوما تعيرهاش وإلى حتاجت شي حاجة مديها ليها ولا بغات تشوفني مرحبا الوالدة ها العار” أمي عنداك تجري عليها نظرت أمي إلي باستغراب وهي تقول مطمئنة صافي أولدي أنا ما قادة على شي عار كلامك هو الكبير أولدي على وجهك انت نخليها تمشي على خاطرها صافي كون هاني أسي شريف ذهبت أمي لإستقبال السعدية وخانني دماغي حين إحتجته فقد تعطلت أفكاره وحيله وإستنتاجته لم يتبقى لي إلا الوساوس والظنون تعصف بأوراق عقلي هل هي فعلا تريد أن تراني لأمر “الثقاف” الذي أصابها أم تريد شيء تحتاجه أم جائت فقط لإلقاء التحية على أمي كانت أفكاري مشوشة وإنعدمت الحلول من حولي فإلتجأت إلى النافذة لعلي أرى السعدية أو أسمع صوتها وهي تحاور أمي فإنعكست صورة وجهي على زجاج النافذة فرأيت منظرا أصابني بالصدمة وأعاد إلى عقلي رشده ورجاحته فالصورة التي رأيت على زجاجة النافذة لشخص ضعيف لطفل صغير حائر وهو في جسم رجل راشد أصفر اللون زائغ البصر يرتعش قلبه كعصفور يحن للحرية لم يكن عزائي الوحيد هو أن سلطة الحب هدت من قلوب أساطير وأبطال عنتر إبن شداد وقيس وروميو وقيصر روما وغيرهم من الرجال الأشداء الذين هدم الحب قلوعهم الحصينة ودمر مدنهم العريقة إلا أنني قررت تحكيم عقلي كعادتي فالحرب والحب والتجارة كلها تنحني أمام سلطان العقل لأرجع لرشدي وأحكم عقلي إذا أردت الظفر برضا الوالدة ونيل قلب الحسناء السعدية فالعقل هو الذي أوصل الإنسان إلى القمر وهو الذي جعل الأرض مكورة بعد تسطيحها وهو الذي أوجد جاذبية الأرض بعد سقوط تفاحة نيوتن…
جاءت أمي وهي مشرقة الوجه ومبتهجة وهي تقول “والله إلى ضريفة هاد السعدية درويشة وشحال كتحشم” هذا خبر جيد ويجب علي أن أحكم عقلي وأترك هذه المشاعر الفياضة التي تعيدني لزمن المراهقة والشباب قلت لأمي متسائلا بغير إهتمام “وشنو بغات هاد السيدة” أجابتني الوالدة ببساطة “والو بغات غير شوية ديال الماء للشرب الماء لي عندهم مذاقو باسل” إذن كان غرضها هو ماء الشرب ليس إلا وأنا أظن أنها ستحتاجه دائما أي أنها ستواصل المجيء عندنا بين الفينة والأخرى وهذه المعلومة ستفيدني جيدا في المستقبل أتممت الحديث مع أمي محاولا جذبها في الكلام أه الوالدة عندك الحق تتبان بنت الناس درويشة ومعقولة فقالت أمي وهي تؤكد على كلامي فعلا يا ولدي بنت الناس دغية كدخل الخاطر وسكتت بغتة كأنها أدركت شيء مهم ولكن الناس يقولون بأنها منحوسة ولا يكمل لها زواج يقولون بأنهم وضعوا لها ثقاف في مقبرة اليهودي لم أستطيع أن أكتم ضحكتي وأنا أقول لأمي مستغربا لهذه الدرجة يا أمي شابة في مثل جمالها ورشاقتها يظل سوء الحظ والعكس مرافق لها يظهر لي أني سأخد أجرا في هذه الشابة وأعالجها من هذا العكوس إلتفت إلي أمي بحركة حادة وهي تقول ألا أولدي لا بعد من هاد المنحوسة را قاليك مخلات طبيب مخلات فقيه ووالو حالتها ميؤوس منها ولي كيجي يدق الباب ما كيرجعش…
وهنا صعدت روح التحدي في صدري وشعرت بالرغبة في مواجهة هذا المجهول أيضا والتغلب على هذه الإشاعة والأسطورة التي تطارد الفتاة فنظرت إلى أمي وأنا أقول لها بصوت هادئ أمي هل تثقي بقدرات إبنك ومؤهلاته لإزالة هذا “التقاف” عن السعدية أجابتني أمي وهي تقول بصدق تسليم أولدي “بو صنطيحة” “كون مشفتش بعيني ما نتيقش” عارفك أولدي راجل وتقد عليها هنا رميت بأخر حيلتي وأنا أقول لأمي إذن ستوافقين يا أمي على أي قرار أتخذه أليس كذلك أجابتني أمي بإستسلام الأمر لك يا إبني فأنت أدرى بما ينفعنا ولكن لا تقل لي بأنك ستتزوج بها أجبتها بغموض أنا لن أقولها لك يا أمي ولكن ربما هناك أحد سيقولها من يدري ربما نظرت إلي أمي باستغراب وهي تقول أما من ناحية الزواج فعندي زينة من العرائس لائحة طويلة من أغنى الأسر وأثراها مرفوقة بالصور للعرائس وسنختار أنا وأنت زوجتك المستقبلية…
لا تضع البيض كله في سلة واحدة تذكرت هذا المثال الأن وعملت به بحذافيره فقلت لأمي موافق حتى لا يتكهرب الموقف أجل يا أمي سنختار الزوجة المستقبلية أم أولادي ولكن ليس الأن بعد حين يا أمي وبعدها إنسحبت هاربا من إصرار أمي علي في هذا الموضوع الذي قد حسمت فيه من ناحيتي خرجت من المنزل إلى الدرب وأنا أنظر بطرف عيني إلى الصالون الذي تعمل فيه السعدية لعلي ألتقي بها وأراها مرة أخرى وأن أكسر الحاجز الصمت الذي بيننا وأنا غارق في أحلامي الوردية ونغمات الحب إلتفت أمامي لأرى الطريق فإذا بي أرى “عبد الواحد لينݣوص” يجري بسرعة جنونية متجها نحوي وهو يحمل في يده سكين كبير يلمع فيها ضوء الموت…يتبع