إن شهر أبريل بالنسبة لقضيتنا الوطنية والنزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية، هو شهر تداول المجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي بالذات، حول التجديد وشروط التجديد لبعثة المينورسو في الصحراء. شهر مناقشة التقرير التقليدي للأمين العام للأمم المتحدة، حول طبيعة تطورات النزاع، وحول ما تم إنجازه، أو لم يتم إنجازه، من المهمات المنوطة بالمينورسو، وخاصة في مجال مراقبة مدى التزام الأطراف المعنية ببنود اتفاقية وقف إطلاق النار.
أي باختصار وعلى المستوى الرسمي والظاهري هو شهر تحديد المسؤوليات حول ما آلت إليه الأوضاع، وحيث يحاول التقرير إحصاء كل الإختلالات أو العقبات التي اعترضت البعثة خلال الفترة الزمنية التي يغطيها تقرير الأمين العام، وفِي ضوء ما وصل إلى مبعوثه الخاص من شكايات أو ما عاينته البعثة في عين المكان مما يستدعي إدراجه ضمن التقرير.
لكن شهر أبريل هو من زاوية أخرى، وربما الزاوية الجوهرية منه، شهر المناورات السياسية التي لا تنتهي وركوب أدوات الكذب الصراح تارات، واعتماد أساليب الإشاعات المغرضة تارات أخرى، في محاولة لترجيح كفة أطروحات الإنفصال ومن يدعمونها، بكل الوسائل، وفِي كل المناسبات اقليميا ودوليا، وفِي سياق صراعات ونزاعات غالبا ما ليست من صميم مفردات قضية الصحراء المغربية، وإنما تصبح هذه القضية ذريعة يتم الركوب عليها لتسجيل نقاط هنا أو تحقيق تقدم هناك بالنسبة للاستراتيجيات المتصارعة في المنطقة.
وإذا كان من قدر المغرب أن يكون عرضة لأكبر كم يمكن يرصده من تلك المناورات وإشاعة الأخبار الزائفة بخصوص موقفه أو سلوكه تجاه تطورات ملف قضيته الوطنية، لأن هناك من احترف ويحترف استخدامها للضغض السياسي، والإستراتيجي عليه، في كل مرة يطرح فيها موضوع التجديد لبعثة المينورسو بوتيرتها السنوية التقليدية التي انتقلت، في السنة الأخيرة، إلى وتيرة نصف سنوية بذريعة الضغط على الأطراف المعنية لتكثيف المساعي إلى إيجاد حل سياسي لهذا النزاع المعمر طويلا، فإن قدر المغرب أيضا، وهذا هو الأساس، قد جعله الطرف الذي انطلق، منذ البداية، من مبدأ راسخ هو تحقيق وحدته الترابية باعتباره من صميم الحق في تقرير المصير المعترف به دوليا للبلدان التي عاشت فترة استعمار أجنبي غاشم.
وقد عزز هذا الموقف المبدئي بنهج إيجابي في التعاطي مع مفردات هذا الملف منذ أن طرح على طاولة المجتمع الدولي في مختلف المحطات تجنبا لكل ما يمكن أن ينزلق بالوضع في المنطقة إلى نزاع ساخن لن يكون في مصلحة بلدان المنطقة ولا في مصلحة الأمن والاستقرار الدولي.
وليس هناك من بإمكانه الزعم بأن المغرب اتبع سياسات التصعيد خاصة منذ تراجع مجلس الأمن الدولي عن خطة الاستفتاء، لفشلها في أول خطواتها وهي تحديد الهيئة الناخبة.
فقد انطلق المغرب منذ ذلك الحين في بحث الوسائل والسبل الكفيلة بالتوصل إلى حل سياسي يراعي المصالح الفعلية لسكان الأقاليم الجنوبية ويمكن المحتجزين في مخيمات تندوف في ظروف لا يمكن تصور مداها في السوء والمعاناة من بيئة ملائمة للعودة إلى ديارهم ورفع سيف القمع المزدوج المسلط على رقابهم من قبل جبهة البوليساريو الانفصالية ومن طرف المخابرات العسكرية للدولة التي ترعاها وتوجهها وتتحكم في مصيرها. كما لا ينتقص من سيادة المغرب على كامل ترابه في الأقاليم الجنوبية بما يسمح بانطلاق مرحلة متقدمة من مراحل التنمية لمختلف جهات وأقاليم المملكة في ظل الجهوية المتقدمة التي تمت بلورتها كشكل من أشكال التنظيم الديمقراطي المجالي والتنموي والسياسي في آن معا.
وفِي هذا السياق طرح المغرب مبادرة الحكم الذاتي منذ عام 2007 وما زال يعتبرها أساس الحل الحل السياسي الممكن الذي بإمكانه تحقيق تلك الغايات التي تظل الهدف الأسمى للسياسة المغربية.
وتجري الْيَوْم المشاورات على قدم وساق بين أعضاء مجلس الأمن الدولي حول التمديد لبعثة المينورسو في الصحراء وطبيعة صلاحياتها حيث حاولت الولايات المتحدة الأمريكية إعادة إحياء مشروع توسيع صلاحيات البعثة إلى مراقبة وضع حقوق الإنسان في أقاليمنا الجنوبية وفِي مخيمات الاعتقال للمواطنين المغاربة في تندوف.
وهي مبادرة أعلن المغرب رفضها كما سبق له أن رفضها في السابق وليس ممكنا القبول بمثل هذه “المقترحات” التي تبدو محايدة في حين أنها تحاول تقويض مصداقية المغرب في تدبيره لشؤونه الداخلية في أقاليمه الجنوبية. وهو ما يصب الماء في طاحونة الانفصاليين وأعداء وحدتنا التربية.
وينطلق المغرب في هذا من أجواء التشكيك والارتياب التي أثارتها بعض التقارير الدولية حول حقوق الانسان او الحريات في المغرب بدءاً من تقرير وزارة الخارجية الأمريكية مرورا بتقارير منظمة العفو الدولية وهيومان رايت واتش وصولا إلى مراسلون بلا حدود وهي تقارير تكاد تركز على جوانب لا يمكن أن تكون وليدة الصدفة ونوع من الاعتباطية بل هي أقرب إلى حملة منظمة أكثر منها إلى شيء آخر خاصة أنها تكرر اتهامات سبق للمغرب أن فندها ودحضها بالأدلة الدامغة. وتتصرف كما لو انها لم تر ولَم تسمع.
وعلاوة على كل ذلك فإن توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مسألة حقوق الإنسان أو الدفع بخلق آلية خاصة بهذا الشأن ينطوي على عدد من المغالطات غير المقبولة في تناول قضية حقوق الإنسان من هذه الزاوية. وفِي مقدمتها إقامة نوع من التماثل المزيف بين ممارسة الدولة المغربية لسيادتها وتدبير شؤونها الداخلية حيث يحظى الجانب الحقوقي بالأهمية القصوى وحيث تتولى هذا الملف مؤسسة دستورية مستقلة ( المجلس الوطني لحقوق الإنسان) اعترف لها مجلس الأمن الدولي بالأدوار الإيجابية التي تضطلع بها من جهة وبين ممارسات ميليشيات تحتجز المواطنين المغاربة دون وجه حق في معسكرات لا تتوفر على أي ضمانات حول حقوقهم بما في ذلك حياتهم وسلامتهم الجسدية. بل إن المجتمع الدولي مدرك تماما ان الجزائر تمنع الأمم المتحدة من إجراء إحصاء للاجئين باعتباره خطوة أولية للتعرف على طبيعة حقوقهم وحاجياتهم خصوصا بعد فضائح المتاجرة المادية والسياسية بهذا الملف التي كشف عنها الاتحاد الأوروبي وغيره من المنظمات والجهات المعنية بهذه القضايا والتي أصدرت تقارير واضحة في هذا الشأن.
ومهما يكن من أمر بخصوص نتائج المناقشات والمناورات التي يعرفها الْيَوْم ملف القضية الوطنية داخل أروقة الأمم المتحدة وخارجها، فإن ما ليس قابلا للتغافل بالنسبة للمغرب، وعلى كل من له يد مباشرة أو غير مباشرة في إطالة عمر هذا النزاع الإقليمي المفتعل إدراكه بوضوح، هو أنه بقدر ما ينهج سياسة مرنة إلى أبعد الحدود بخصوص مختلف المقترحات التي يمكن أن تصدر عن هذه الجهة الإقليمية أو الدولية، فإنه مصمم على موقفه المبدئي بعدم المساس بوحدته الترابية وفقا لميثاق الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية.
ولن يغير من هذا الموقف أي شكل من أشكال المناورات والضغط لأنه يدافع عن حقه غير القابل للتصرف ولأنه حق المغرب دولة وشعبا على عكس ما عليه حال خصوم الوحدة الترابية الذين يصدرون عن محاولات قلب الحقائق وإشاعة صنوف من انعدام الأمن والاستقرار في المنطقة خدمة لأجندات مناهضة للشعوب أولا وأخيرا.