وفق بعض الدراسات العلمية المتعلقة بالطاقة سيكون القرن الحالي قرن الغاز الطبيعي، كما كان القرن العشرون قرن النفط. وقد اطلق على الغاز لقب صديق البيئة، لنظافته، إلا ان هذا الوصف يبقى نسبيًا لأنه ليس نظيفًا تمامًا ولكنه أقل تلويثًا للبيئة من مصادر الطاقة الاحفورية الاخرى مثل النفط.
مع نمو الطلب على الغاز بدأ منتجوه يتجهون إلى ايجاد إطار يجمعهم ويحمي مصالحهم، فهل يشهد العالم نشوء «كارتيل الغاز» أو «أوبك الغاز» كما يسميها البعض؟
مقدمات
الغاز الطبيعي هو أحد مصادر الطاقة البديلة عن النفط (البترول)، وهو من المحروقات ذات الكفاءة العالية القليلة الكلفة والقليلة الانبعاثات الملوثة للبيئة، ويعتبر من موارد الطاقة المهمة للصناعات الكيماوية.
تم تسييل الغاز (تحويله من حالته الغازية إلى السائلة) لأول مرة في القرن التاسع عشر. ولم تبدأ الاستفادة منه في المجالات الصناعية بشكلها المعهود اليوم سوى في الستينيات من القرن الماضي، وتحديدًا العام 1961 حينما وقّعت بريطانيا عقدًا مدته خمسة عشر عامًا مع الجزائر لتزويد الأولى نحو مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويًا. وبدأت عملية التصدير الأولى العام 1965 وتوقفت في بداية السبعينيات مع بدء عمليات إنتاج الغاز الطبيعي في بحر الشمال.
الاحتياطي العالمي من الغاز الطبيعي
يُعرَّف الاحتياطي المؤكد من البترول أو الغاز الطبيعي لحقل ما، بأنه الكمية القابلة للاستخراج على مدى عمر الحقل في ظل التكنولوجيا والاعتبارات الإقتصادية السائدة. ووفق تعريف مجلة «البترول والغاز» الأميركية المتخصصة، يتم تعريف الاحتياطي المؤكد من الغاز الطبيعي بأنه: «الكميات التى يمكن استخراجها في ظل ما هو معروف حاليًا من الأسعار و التكنولوجيا». أما هيئة «سيديغاز» (Cedigas) الفرنسية فتُعرِّفه بأنه: «الكميات المكتشفة التى يتأكد بقدر معقول من اليقين إمكان إنتاجها في ظل الظروف الاقتصادية والفنية السائدة».
ويُعدَّ التعريف الأول أكثر تحفظًا لذا نجد أن احتياطيات الغاز الطبيعى العالمية أوائل العام 1999 وفق تقدير مجلة «البترول والغاز» تقل بنسبة 7% عن تقديرات «سيديغاز»، وكلا التعريفين يخضع للتقدير الشخصي أكثر منه لمعايير موضوعية ثابتة يمكن قياسها بدقة. لذلك نجد أن بعض الدول قد يلجأ الى المبالغة في تقدير ما لديه من احتياطيات – ويسميها بالمؤكدة – لأسباب كثيرة سياسية أو اقتصادية، كالرغبة في الاقتراض بضمان ثرواتها البترولية والغازية. كما أن شركات البترول العالمية تميل أحيانًا إلى المبالغة في التقديرات بهدف تقوية مراكزها المالية أو لتبرير أمرين: قيامها بالإنتاج بوفرة، أو إمكان التصدير إلى خارج الدول المنتجة. يصل إجمالي احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم، وفق أرقام العام 2005، إلى حوالى 135تريليون قدم مكعب، و أكبر احتياطي للغاز الطبيعى في العالم يوجد في روسيا الاتحادية (47 تريليون و860 مليار قدم مكعب)، تليها إيران (25 تريليون) ثم قطر (18 تريليون قدم مكعب). وهذه التقديرات تتغير وفق الإكتشافات الجديدة، وآخرها اكتشاف الحوض الشرقي للبحر المتوسط ما بين تركيا وسوريا وقبرص ولبنان وفلسطين، والذي ما زال مثار جدل وربما نزاع حول كيفية اقتسامه ما بين هذه الدول.
انتاج الغاز واستهلاكه
يستخرج الغاز الطبيعي من آبار شبيهة بآبار النفط، وهناك تجمعات غاز كثيرة تقع على مسافة من الشاطئ، ويتم نقل الغاز بالأنابيب من منصات الانتاج المشاطئة إلى نقطة تجميع على الشاطئ ومنها إلى معمل تكرير حيث ينقّى.
ووفق كتاب حقائق العالم للعام 2009، فإن انتاج العالم من الغاز الطبيعي بلغ حوالى 3 تريليونات من الامتار المكعبة (1تريليون= الف مليار)، تقاسمتها الدول العشر الآتية: روسيا، الولايات المتحدة الاميركية، الإتحاد الاوروبي، كندا، إيران، النروج، الجزائر، هولندا، المملكة العربية السعودية، الهند والصين.
واستنادًا إلى المرجع نفسه، فإن استهلاك العالم الغاز الطبيعي كان مساويًا لكمية الانتاج العام نفسه، ولكن الفرق هو في ترتيب الدول المستهلكة، فقد احتلت الولايات المتحدة الاميركية المرتبة الاولى، تلتها دول الإتحاد الاوروبي كمجموعة، ثم روسيا فإيران، فاليابان فإلمانيا وكندا، وبريطانيا وبعدها إيطاليا والمملكة العربية السعودية ثم الصين.
الاحتياط العالمي من الغاز
يبلغ الإحتياط العالمي المؤكد من الغاز، وفق المرجع المذكور نفسه حوالى 170تريليونًا و400مليار م3 (تقديرات مطلع العام 2008)، وتتصدر روسيا الاتحادية دول العالم باحتياط يبلغ حوالى 44 تريليونًا و650مليار متر مكعب تليها إيران باحتياط يبلغ 26 تريليونًا و850 مليار م3، وبعدها دولة قطر باحتياط يبلغ 25 تريليونًا و630مليار م3. وتحتل المملكة العربية السعودية المركز الرابع باحتياط قدره حوالى 7 تريليونات م3، ثم دولة الإمارات العربية المتحدة بحوالى 6 تريليون م3، بعدها تتوالى الولايات المتحدة الاميركية (6 تريليون)، ونيجيريا، وفنزويلا ثم الجزائر فالعراق في المرتبة العاشرة باحتياط قدره حوالى3 تريليونات من الامتار المكعبة.
يتضح من هذه الارقام ان الشرق الاوسط يحتوي على أكثر من40% من الاحتياط العالمي من الغاز، وأن الدول العربية تحتوي على ثلث الاحتياط العالمي تقريبًا ودولة قطر وحدها تمتلك حوالى 14%من الاحتياط العالمي، وهي الدولة الاولى المصدرة للغاز المسيّل في العالم.
الغاز في السياسة والاقتصاد الدوليين
ازدادت أهمية الغاز الطبيعي في العلاقات الاقتصادية الدولية بسبب نمو الطلب عليه. ويرى منتجو الغاز أن عدم وجود إطار أو مظلة تجمعهم وتحمي مصالحهم، يضعهم تحت رحمة احتكار المستوردين.
وتأسيس «كارتيل الغاز» بات فكرة مطروحة بقوة فالغاز، إنتاجًا وتسعيرًا، لا يدخل ضمن اختصاصات منظمة الأقطار المصدرة للنفط «أوبك»، وقد وجدت الدول الرئيسة المصدرة للغاز أن مصلحتها تستوجب التشاور وتبادل المعلومات في ما بينها حول صناعة الغاز، ولذلك قررت في اجتماعها الذي انعقد في طهران (أيار 2001) تأسيس منتدى خاص بها باسم منتدى الدول المصدرة للغاز (Forum of the Gas Exporting Countries FGEC).
جمع المنتدى 15 دولة منتجة للغاز، من بينها أكبر خمس دول وهي ايران وروسيا وقطر والجزائر وفنزويلا، والتي تمتلك 73% من احتياطي الغاز في العالم كما تؤمن 42% من اجمالي إنتاجه.
ويدعم رغبة هذه الدول بإنشاء هذه المنظومة التنسيقية، حقيقة أن المخزون المؤكد من الغاز لديها يبلغ أكثر من 60% من الاحتياطي العالمي، وهي نسبة تقترب كثيرًا من نسبة حصة «أوبك» من احتياطي النفط العالمي والتي تبلغ حوالى 68% تقريبًا. وقد ركز المجتمعون في القمة الاولى لدول منتدى الغاز الذي عقد في قطر (منتصف شهر تشرين الثاني 2011) على ما يأتي:
– حماية مصالح مصدري الغاز أسوة بما تلقاه صناعة الفحم والنفط من حماية ودعم من أطراف متعددة.
– المطالبة بأسعار غاز معادلة للنفط والعمل بجميع الوسائل لتحقيق هذا المطلب.
وقد أوضح المجتمعون أن المنتدى لا يسعى إلى تحقيق ما يطالب به عبر التحكم بالإنتاج أسوة بمنظمة «أوبك»، وإنما عبر وسائل أخرى كتطوير ودعم التقنيات التي تزيد من مجالات استخدام الغاز وتعزيز مناصرة استخدامه في المحافل الدولية والإقليمية، والتأثير على القوانين التي تدعم استخدامات الغاز والعمل على إصدار أخرى تأخذ بعين الاعتبار مزاياه البيئية، وتبادل المعلومات عن الأسواق والمساعدة الفنية والمالية والترويج لتطوير أسواق جديدة.
كذلك بحثت القمة في مسألة وضع آلية لتسعير الغاز بشكل عادل عبر ربطه بالنفط مما يسمح بوضع حد للتفاوت بين أسعار مصدرين أساسيين للطاقة. كما بحثت أيضًا مسألة الاستثمارات البينية والتعاون التقني بين دول المنتدى.
من المحتمل أن تدرس منظمة «أوبك» بعناية الآثار التي قد تلحق بها وبالتجارة الدولية للنفط من جراء إنشاء منظمة دولية خاصة بالدول المصدرة للغاز، وهذا الأمر قد يضغط عليها باتجاه آخر متاح أمامها وهو توسيع اختصاصاتها بحيث تشمل شؤون الغاز، إنتاجًا وتسعيرًا، من خلال ضمّ دول رئيسة مصدرة للغاز إلى عضويتها، لضمان تنسيق السياسات وتحقيق التوازن في المصالح بين الدول المصدرة للنفط والدول وتلك المصدرة للغاز.
ومما قد يدعم احتمالات هذا الخيار هو أن الدول الرئيسة المصدرة للغاز مثل روسيا وإيران هي أيضًا دول رئيسة مصدرة للنفط، وليس من مصلحتها حدوث تضارب في المصالح بين مصدري النفط ومصدري الغاز.
الأمر قد يكون مرهونًا إذًا بمدى قدرة الغرب و«أوبك النفط» على مراعاة مصالح روسيا وإيران خصوصًا، فخلاف ذلك، سيؤدي أو يدفع أقطاب الغاز للسير قدمًا نحو مزيد من التحدي، عبر «أوبك الغاز».
ختامًا تسير السياسات العالمية وفق مصالح الدول والكبرى منها على وجه التحديد، وهذه تتأثر بقوة بمصالح الشركات الكبرى وبخاصة تلك المنتجة للطاقة او المصدرة لها. فهذه الأخيرة تشكل عصب الحياة الاقتصادية والصناعية ومصدرًا للثروة والقوة. ومن هنا يمكن فهم ما يجري من صراع ما بين دول الموارد ودول الاستهلاك ودول خطوط الانابيب لتأمين وصول هذه الطاقة بسلام الى المستهلك بأسرع الطرق وأرخصها، وهذا ما يستدعي رسم سياسات ووضع استراتيجيات يشهد العالم فصولها، وبخاصة دول المنطقة الغنية بالغاز والنفط.
معلومات حول الغاز الطبيعي المسال
– يتحول الغاز الطبيعي إلى مادة سائلة عند درجة حرارة تصل إلى 162 درجة مئوية تحت الصفر من الضغط الجوي العادي (76 ملم زئبق).
– لا لون للغاز ولا رائحة، وهو غير سام.
– حجم الغاز المسال أصغر بستمائة مرة من حجم الغاز في حالته الغازية.
– وزنه أخف من الهواء ويتبخر مباشرة عند إطلاقه فيه مشكلاً سحابة دخانية.
– لا يشتعل إلا حين يتكثف بمقدار خمسة إلى خمسة عشر بالمائة.
– يعتبر مادة خطرة بالتحديد حينما يكون في حالة بخار، حيث يمكن أن يحترق عند إطلاقه في الهواء مسببًا الإختناق وقد يؤدي إلى احتراق الأنسجة الجلدية للإنسان, ولكن مع تراكم الخبرات في صناعات الغاز الطبيعي المسال بات من الممكن السيطرة على تلك المخاطر.
– يتكون الغاز الطبيعى من العوالق (Plankton)، وهي كائنات مجهرية تتضمن الطحالب والكائنات الأولية التي ماتت وتراكمت في طبقات المحيطات والأرض تحت ضغط طبقات رسوبية، مما أدى إلى تحويلها إلى غاز طبيعى. ولا يختلف الغاز الطبيعي في تكونه كثيرًا عن أنواع الوقود الأحفورية الأخرى، فالبترول والغاز الطبيعي يتكونان في الظروف الطبيعية نفسها، وعادةً يوجدان معًا في حقول تحت الأرض أو الماء، وبخاصة في الطبقات الرسوبية العضوية المدفونة في الأعماق.
ارقام ومعادلات
يقع بعض المصادر في خطأ الخلط ما بين استخدام المتر المكعب والقدم المكعب عند تقدير حجم كمية من الغاز، ولتوضيح الفرق بينهما فإن كل 1 متر مكعب يساوي 35,31 قدمًا مكعبًا, أي ان كل قدم مكعب يساوي0.0282 من المتر المكعب.
المراجع:
• www.wikipedia.org
• www.google.com
• www.cia.gov
• Oil & Gas Journal No. 47