ليس المرء محتاجا ليعيش رجباً حتى يرى العجب، كلما تعلق الأمر بسياسات جبهة البوليساريو الإنفصالية، إذ جل شهورها رجب، بكل العجب العجاب الذي يكشفه أمام الملأ. يراه الناس، قريبهم وبعيدهم، لكنه محجوب فقط عن الجبهة ومن يساندونها، لهذا السبب أو ذاك. ولعل آخر انكشاف لهذا الواقع الغريب المفارق قد حل بكيان الجبهة في أكثر من مكان، وفِي وقت واحد، تقريبا، ما جعلها تضرب أخماسا في أسداس لمواجهة الموقف من خلال سياسات خرقاء لا شيء يجمع شتاتها ولا حجة راسخة تبدو في قاعدتها.
انفجار الوضع تحت الأقدام
فمن جهة أولى، انفجر الوضع الأمني تحت أقدامها في معسكرات تيندوف، حيث تحرك المحتجزون المغاربة في عمليات نضالية ترمي إلى كسر الحصار المفروض عليهم والأجواء البوليسية الصارمة التي ما فتئت تحصي أنفاسهم وتحول دون التمتع بأي حق من حقوق الإنسان الأولية في مجالات حرية التعبير والتنقل والحركة بين المخيمات أو مع محيطها. إذ لم تجد جبهة الإنفصال ما تقدمه من جواب على مطالب السكان غير مزيد من الحصار والقمع، تم فيه استخدام العربات المسلحة والذخيرة الحية، لعلها تخمد حركة جماعية ليس هناك ما يدعو إلى الإعتقاد انها ستتبخر، إسوة بمآل كل الأوهام التي سوقها الانفصاليون حول ما سموه قضيتهم الأولى. وذلك لسبب بسيط، هو أن ساكنة معسكرات الاحتجاز بتندوف قد أصبحوا متيقنين أن عليهم أخذ زمام المبادرة والتحرك لفضح ممارسة سجانيهم أمام من قد تكون قد انطلت عليهم حقائق ما يجري على الأرض، جراء بروباغاندا الانفصاليين أو الذين اعتقدوا أن الجبهة حصان قوي وقد يكون رابحا في الرهانات الإقليمية والدولية المرتبطة بالنزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية منذ عقود طويلة.
وعلى هذا المستوى يمكن القول، وبكل تأكيد، إن القناع قد سقط بشكل نهائي، وليس هناك حتى من بقايا أوراق التوت ما يكفي لستر ما انكشف وتبين للقاصي قبل الداني حول طبيعة الجبهة الإنفصالية والكيفية القمعية التي تدير بها معسكرات تندوف.
القرار الصفعة القوية
انجلى غبار البروباغادا التهويلية التي قامت بها وسائل إعلام البوليساريو ومناصريها حول القرار المتوقع لمجلس الأمن الدولي حول التمديد لبعثة المينورسو وانكشف حقيقة ذلك القرار بندا بندا جاءت كما لو كانت تفنيدا منهجيا لتلك البروباغاندا.
هكذا بدل الترويج لكون مشروع القرار الأممي(2468) يتضمن توسيعا لصلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، أكد القرار إشادته بلجان المجلس الوطني لحقوق الإنسان في الصحراء المغربية والجهود التي تبذلها في الرفع من شأن هذه الحقوق
وهكذا، بدل استمرار البوليساريو في زعم ان النزاع هو حصري بينها وبين المغرب، أعاد قرار مجلس الأمن التأكيد بما لا يدع أي مجال للشك، أن أطراف هذا النزاع الإقليمي هي المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليساريو. ورغم كل ذلك فإن تصريحا للجبهة الانفصالية عقب القرار الأخير لمجلس الأمن لم يتوقف عن إشاعة كذبة ان الصراع هو بين طرفين فقط وتمت محاولة نسب الكذبة إلى مجلس الأمن وقراره الأخير بالذات.
وبطبيعة الحال فإن عدم إشارة بيان البوليساريو من قريب أو بعيد إلى الأطراف التي سماها القرار ودعاها الى العمل على إيجاد حل سياسي واقعي ومتوافق عليه والإكتفاء بالحديث عن المغرب والبيولساريو، تزوير حقيقي ملموس الغرض منه الإيحاء أن كذبة كون المشكل هو بين المغرب والبوليساريو التي تم الترويج لها خلال عمر هذا النزاع الإقليمي المفتعل هو ما يُؤْمِن به المجتمع الدولي ذاته. وهذا مناف للحقيقية، لأن هذا الأخير قد أدرك أن هذا البعد الإقليمي المفتعل هو بالذات ما حال دون إيجاد الحل المنشود، ولهذا تمت تسمية الأطراف بشكل حصري ودقيق وتمت دعوتها إلى لعب الأدوار البناءة في اتجاه الحل وليس باتجاه عرقلته.
في مضمون الحل
يزعم بيان البوليساريو أن الحل الوحيد العادل والواقعي والدائم للنزاع هو تمكين “الشعب الصحرواي” من ” تقرير المصير والاستقلال” وهي قراءة غريبة لقرار مجلس الأمن الذي تحدث عن الواقعية والبرغماتية والتوافق كما أعطى مكانة سامية لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب أرضية للتفاوض وهو ما يناقض تماما كل المزاعم التي ترمي إلى العودة بالنزاع إلى مربع قديم فشل فشلا ذريعا وأعلن وفاة خطة الأمم المتحدة حول الاستفتاء منذ عام 2004 عندما دعا مجلس الأمن الدولي إلى اعتماد حل سياسي للنزاع.
البوليساريو تكذب نفسها بنفسها
وأخيرا لنفرض جدلا أن القراءة السياسية التي قدمتها البوليساريو للقرار الأخير من حيث استجابته إلى تطلعاتها إلى آخر المعزوفة، فلماذا تعلن عن أسفها الصريح والواضع في بيانها الرسمي عقب التصويت على التمديد لبعثة المينورسو؟.
يقول البيان الذي أدلى به ممثل للانفصاليين في نيويورك ما يلي:
“فإننا نأسف لأن مجلس الأمن قد أضاع فرصة كبيرة للمضي قدما في التزامه بوضع حد للوضع القائم ولمطالبة المغرب بإنهاء احتلاله غير الشرعي للصحراء الغربية.
إن عدم قيام مجلس الأمن بالإدانة الصارمة لأعمال المغرب المزعزعة للاستقرار وجهوده الكثيرة التي تنم عن سوء النية لن يساهم إلا في تشجيع قوة الاحتلال المغربية على الاستمرار في عنادها مما يقوض العملية السياسية التي ماتزال هشة”.
إن الحرص على نقل هذه الفقرة بحرفيتها رغم كل ما تقوم عليه من مفردات تتنافى مع حقيقية واقع تواجد المغرب في صحرائه، الذي هو التعبير الحقيقي عن تقرير المصير باعتباره أساس استكمال الوحدة الترابية جنوبا، إن هذا الحرص هو لتبيان مدى الصدمة التي شعرت بها الجبهة الإنفصالية من قرار مجلس الأمن الذي قوض مرة أخرى أطروحاتها وأوهامها على عكس ما تعلنه هنا أو هناك من أن القرار استجاب لدعاواها.