ليس يمكن غير مباركة ما أنجزه حراك الشعب الجزائري السلمي من خطوات، في أفق تحقيق طموحه في بناء نظامه الديمقراطي المتحرر. وليس هذا لكوننا نؤمن بأن المستقبل للديمقراطية الحقة فحسب، بل أيضا، لأن كل تقدم يحصل لدى جيراننا في الشرق، في أي مجال من المجالات هو بمثابة تقدم، بالقوة، بالنسبة إلى بلادنا بانتظار أن يصبح كذلك بالفعل.
ولأننا نؤمن بالمستقبل المشترك بيننا وبين إخواننا الجزائريين، فإننا لن نجد فرصة أسنح من فرصة هذا الحراك الجزائري لنعرب عما نراه متناسبا مع هذا الحدث الكبير، في أفق بناء المغرب الكبير باعتباره تطلعا مشتركا للشعبين المغربي والجزائري كما بالنسبة لشعوب تونس وموريتانيا وليبيا.
ولعل أول بند على جدول أعمال الشعبين المغربي والجزائري هو إزالة العقبات التي تعرقل التنسيق بين البلدين، وفِي مقدمتها انعدام الثقة بين مسؤوليهما لإطلاق ديناميكية جديدة وإعطاء دفعة حقيقية لعوامل التعاون والتنسيق في مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل على السواء.
وهنا على قادة الجزائر القطع النهائي مع سياسة شيطنة المغرب واعتباره العدو اللدود للجزائر، إذا كان مسؤولوها يؤمنون، حقا، ولو بالحد الأدنى من ثقافة حسن الجوار واحترام اختيارات الشعوب.
لقد برهن المغرب الرسمي في مختلف مراحل الحراك السياسي الذي عرفته وتعرفه الشقيقة الجزائر على مستوى عال من احترام الشعب الجزائري، من خلال عدم التدخل في شؤونه الداخلية، إيماناً من المملكة المغربية بأن هذا الشعب يملك من الكفاءات وبعد النظر ما يجعله قادرًا على تقرير مصيره بنفسه دون أي تدخل خارجي.
ورغم هذا الموقف الصريح والواضح من وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة الذي ترجم توجهات ملك المغرب محمد السادس بأمانة تجاه الشعب الجزائري، فقد كانت تبرز، بين الفينة والأخرى، أصوات، رغم كونها باهتة، تحاول حرف أنظار الشعب الجزائري عن أهدافه من حراكه، بالتلويح باستفادة ما أو محاولة تدخل ما من المغرب في الذي يجري داخل الجزائر من حراك شعبي أصيل. لكن كل ذلك دون جدوى، لأن يقظة الشعب الجزائري كانت أقوى، وإرادته كانت أقدر على جعله لا ينخدع بكل الدعاوى، الأمر الذي سمح له بتحقيق خطوات جبارة في مجال تحقيق مطالبه بدءاً من إفشال خطة العهدة الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة مرورا بفرض استقالة هذا الأخير، وصولا إلى رفض كل محاولات الالتفاف على حراكه السياسي الديمقراطي بغاية إجهاضه وتكريس حكم من كانوا يحركون كل شيء وراء ستار النظام المدني بالجزائر من خلال زعم كونهم يستمدون الشرعية الْيَوْم من حركة الشعب الجزائري.
وليس هناك شك أن محاولة أطراف تخدم استمرار اعتماد استراتيجية شيطنة المغرب لتبرير احتواء الحراك الشعبي الجزائري هي التي وراء إشاعة أن المغرب قد دخل على خط استفزاز الشعب الجزائري عبر ما أسمته قيام الجيش الملكي المغربي بأضخم مناورات عسكرية في تاريخه على الحدود المغربية الجزائرية في محاولة يائسة أخيرة عن ثني الشعب عن مواصلة طريق التغيير الديمقراطي الجذري الذي يهدف إليه.
وفِي الواقع فإن نظام الجزائر لم يتوقف قط عن استفزاز المغرب وتهديده في أمنه واستقراره الوطني. ولا ينبغي ان نتغافل عن ان كل المناورات التي قامت بها القوات العسكرية الجزائرية خلال السنوات الأخيرة كانت تضع نصب عينها مواجهة عدو افتراضي هو المغرب. فهل هذا ليس استفزازا للمغرب وعلى أي مبرر يقوم في الأصل؟
كما ان كل المناورات العسكرية التي أشرفت عليها أو اشتركت فيها الجزائر مع مليشيات جبهة الانفصال، كانت ترمي إلى تهديد المغرب بشكل مباشر من خلال ما رافقها من تصريحات لقيادات الانفصال. فماذا يعني هذا إن لم يكن تهديدا للمغرب بشكل مباشر ودون أي مساحيق للتستر على مراميه؟
وفِي كل الأحوال فإن هذه حيلة بليدة جديدة تلجأ إليها القوى المناهضة للتغيير لن تنطلي على شعب أبان عن قدرة فائقة على كشف الحيل ووأدها في المهد منذ نزل إلى الشارع لحسم أمور السلطة، انطلاقا من وعيه الذاتي بقدراته الفعلية في صنع الأحداث وإدراكه أن خصمه الحقيقي هو من حاول فرض الهيمنة عليه من خلال إطلاق فزاعات التهديد الخارجي في كل مرة يريد فيها إحكام السيطرة عليه ولجم طموحاته في التحرر الحقيقي والديمقراطية
إنها فرصة الشعب الجزائري للقطع مع كل السياسات التي تحاول حرف أنظاره عن التحديات الحقيقية التي عليه مواجهتها وسياسات افتعال الأزمات مع الجيران والعمل على منعهم من ممارسة سيادتهم على ترابهم الوطني، حينا، ومن خلال العمل على تمزيق، أو منع استكمالهم لوحدتهم الترابية وإيواء المليشيات والعصابات الانفصالية المسلحة وتقديم كل أنواع الدعم العسكري والسياسي والدبلوماسي لها دون مراعاة لسياسة حسن الجوار وللاتفاقات التي تم توقيعها من أجل بناء فضاء مشترك لدول المغرب الكبير.
لقد آن أوان تفويت الفرصة على قوى التفتيت لاستئناف خطوات التنسيق والتعاون بين المغرب والجزائر باعتبارهما محورا أساسيا في كل عملية بناء للمغرب الكبير لأن ما يجمع بين الشعبين الشقيقين من أواصر الأخوة ووحدة المصير أقوى بكثير من سياسات المجموعات المناهضة للتوجهات الوحدوية.
إن الشعب المغربي الذي لم يتردد في تضامنه مع الشعب الجزائري في مختلف مراحل نضاله التحرري، وفِي هذه المرحلة الحيوية من ذلك النضال، يتطلع إلى إشارات من أشقائه في الجزائر لطي صفحة التوتر المفتعل والنزاع الإقليمي المدمر حول الصحراء المغربية وفتح حوار جدي ومسؤول حول مختلف قضايا الخلاف بين الشعبين بحسن نية وإرادة سياسية قوية تقوم على ما يجمع وتركز على المستقبل المشترك والمصير المشترك.