أثير جدل سياسي على نطاق واسع حول طبيعة القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي، الذي مدد لستة أشهر إضافية لبعثة المينورسو. وهو جدل مكمل لذلك الذي أثير قبيل اجتماع مجلس الأمن للبت في مشروع القرار الأمريكي حول الموضوع، لجهة طبيعته السياسية والإستراتيجية، ومدى استفادة هذا الطرف أو ذاك من القرار، وإلى أي حد يمكن اعتباره قرارا متوازنا أو منحازا وعلى أي أساس؟
المغرب لم يخف ترحيبه بهذا القرار بينما كان موقف جبهة البوليساريو أقرب إلى الإستياء منه إلى أي شيء آخر. فعلام يستند الموقف المغربي المرحب بالقرار؟
قراءتي لا تنحصر في النصوص، بل تتعداها إلى ما وراءها، أي إلى إيحاءاتها تارة، وإلى ما لم يتم التفكير فيه، أحيانا، لكنه قد يتحول إلى عنصر واقعي ملموس ضمن شروط محددة.
وكمبدأ عام، على أطراف النزاع التعامل مع نص القرار باعتباره محصلة موازين قوة بين الأطراف التي بلورته، وطبيعة علاقتها بالنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وبالتالي، فإن تحولا ما في موازين القوة بين الأطراف إياها، سيؤدي، بصورة شبه حتمية، إلى تحول في بلورة نصوص القرارات التي يتم اتخاذها في سياقها وبتأثير منها.
وفِي اعتقادي، فإن هناك عددا من الألغام رافقت دوما تطور مسار النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، وأثرت في مفرداته بقوة، وخاصة في بدايات رعاية الأمم المتحدة للتسوية. وليس مستبعدا أن يعود لها بعض الزخم في المستقبل، ما لم يتم التعامل معها بالجدية الضرورية، بهدف تحييدها وإزالتها من طريق الحل السياسي المنشود للنزاع.
وفي سياق الجهود الضروري بذلها في هذا المجال، العمل على ترسيخ مفردات الحل السياسي التوافقي، الواقعي والمتوافق عليه من قبل أطراف النزاع خاصة بعد تحديد مجلس الأمن لهذه الأطراف بالإسم، حيث تبرز الجزائر ضمن قائمتها الأساسية.
وهناك مداخل أساسية في هذا الاتجاه.
أولا، بعثة المينورسو
وهنا ينبغي العمل على تجريدها من مهمة تم تجاوزها بقرار من مجلس الأمن الدولي. وهي مهمة المساهمة في تنظيم أو تطبيق خطة الأمم المتحدة لاستفتاء تقرير المصير. ذلك أنها أصبحت غير ذات موضوع منذ عام 2004 عندما تم التأكيد على فشل الخطة من خلال مفردات البحث عن الحل السياسي.
وبهذا المعنى يمكن التحرك ضمن أفق تغيير اسمها لمواكبة واقع صلاحياتها العسكرية الأمنية والتخلي عن مهام خيالية كانت موكولة إليها، ليست تملك إمكانيات تحقيقها فحسب وإنما تم تجريدها منها بحكم الأمر الواقع بعدما وقف مجلس الأمن الدولي عند تعقيدات خطة وضعت دون إدراك حقيقي لطبيعة الصراع ورهاناته والخلط الذي رافق أدوار الكثير من الدول الإقليمية التي كانت تتدخل، مباشرة أو من وراء ستار، لإطالة عمر الأزمة ومنع دول المغرب الكبير من تجاوز ذيول وتبعات نزاع إقليمي مفتعل، ما كان له أن يندلع أصلا، لو تم احترام إرادة الشعب المغربي في تقرير مصيره واستكمال وحدته الترابية بعد المسيرة الخضراء وجلاء الاستعمار الإسباني عن أقاليمه الجنوبية.
ثانيا، الموقف الروسي
التركيز في المستقبل على التعامل مع الموقف الروسي باعتباره موقفا وازنا، لأن الاتحاد الروسي عضو في مجلس الأمن الدولي وبالتالي لا بد للمغرب من بذل كل الجهود الممكنة لإخراجه من واقع تقليدي موروث عن صراع الشرق والغرب أيام الحرب الباردة حيث كانت ليبيا معمر القذافي والجزائر هي نافذة روسيا إلى المنطقة.
وهنا يمكن تسجيل التحول في الدبلوماسية المغربية واستراتيجية الشراكة الإستراتيجية التي وضع الملك محمد السادس والرئيس بوتين أسسها الرئيسية خاصة بعد زيارة الملك إلى موسكو.
وهنا لا بد من الإشارة إلى محاذير سياسية دقيقة تحيط بالأمر أهمها حساسية واشنطن المفرطة تجاه كل دولة ترغب في تحسين وتطوير علاقاتها مع روسيا خارج مظلة واشنطن التي أصبحت أكثر ضيقا مما كانت عليه قبل مجيء الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض.
لكن لا مناص من كسب روسيا لصالح موقف المغرب في حده الأدنى إذ ليس هناك ما يدعو إلى ترقب الوصول إلى تطابق بين الموقفين نظرا للإرث التاريخي من جهة، ولطبيعة المصالح التي تجمع بين روسيا والجزائر من جهة أخرى.
ومن الواضح أن المغرب قد أعطى إشارات واضحة على أنه متحرر من سياسات محاور لا ناقة له فيها ولا جمل، وخاصة بخصوص القضايا التي تنخرط فيها بعض القوى الإقليمية أو الدولية التي يبدو أنها لا تعير كبير اهتمام للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة خاصة عندما ترى ان مصالحها مهددة هنا أو هناك. والحال، إن هذا التهديد كثيرا ما يكون مفتعلا تماما، لأنه انبنى على مصالح افتراضية ليس هناك في الواقع ما يبررها، فأحرى أن يدعمها لتصبح مقياس التمييز بين الأصدقاء والأعداء.
ثالثا، مخيمات تندوف
تطوير سياسة المغرب تجاه ساكنة مخيمات تندوف من حيث التعاطي الدائم معهم باعتبارهم مواطنين مغاربة، فرضت عليهم ظروف خاصة رافقت استرجاع الأقاليم الصحرواية النزوح القسري ضمن استراتيجية إقليمية مناوئة لاسترجاع المغرب لتلك الأقاليم.
وإذا كان الملك الراحل الحسن الثاني، قد رفع شعار “الوطن غفور رحيم” وفي إطاره العام تمت عودة الكثيرين إلى أرض الوطن خلال العقود الماضية، فإن تعميق هذا الشعار من خلال السياسات التنموية المتبعة في أقاليمنا الجنوبية، في عهد الملك محمد السادس وسياسة اليد الممدودة التي نهجها وينهجها تجاه الجارة الجزائر قد وضعت أسسا متقدمة لبناء واقع جديد يجعل من عودة محتجزي تندوف إلى أقاليمهم في سياق تطبيق خطة الحكم الذاتي، قفزة نوعية في بناء مغرب الجهات المتطور الحقيقي.
وهذا إسهام جوهري في بلورة الحل السياسي المنشود للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. وما عداه ليس غير سباحة ضد تيار المنطق والمصلحة الوطنية والإقليمية المشتركة.