رجعت إلى البيت وأنا ألاحظ حركة غريبة أصبحت في الحي وخصوصا قرب منزلنا وأمام الدار بالضبط فقد أصبح موسم بمعنى الكلمة إزدهرت تجارة الأضرحة والأولياء فهذا يضع أمامه شمع وخبز الدار ويصيح “قرب قرب” شموع لزيارة الشريف وخبز خارج من دار الشريف وأخرى تضع أمامها ديوك ودجاج بلدي بمختلف الألوان وتصرخ بأعلى صوتها زيد ألالة زيد أسيدي ها الضحية ديال السي الشريف ها الذبيحة الشريفة زيدو قربوا ورجل عجوز يضع أمامه حلوى “غريبة” و “سُلُو” ويصيح بأعلى صوته يا صحاب الزيارة ها “الباروك ديال درب المهابيل ماترجعو فحالكم حتى ديوه معاكم بركة ليكوم ولولادكم”….
بصراحة لم أهتم بهذه الأمور كلها رغم أنها فاجأتني إلا أني قلت مع نفسي المهم أن يستفيد أبناء الحي من هذه البركة التي حلت علينا فجأة وأنا أداعب نفسي رغم أنهم يبيعون الوهم للناس إلا أنهم لا يؤدون أحد ولا يؤدون أنفسهم وبالنسبة لي كان هذا ربح كبير ولم أقم بمنعهم أو تشجيعهم أو أخذ نصيب من تجارتهم كما يفعل البعض من الدجالين بل تركت الأمور تسير على طبيعتها بل ما أقلقني هو أخي نعم “سي دوبل طيط” الصغير فقد بدأ يحتال على رفاقه وترك بيع “الديطاي” والبالونات في السوق وإشتغل في الإحتيال على الأطفال والشباب من سنه يدعي أنه هو الأخر ورث البركة من جدي مولاي “دوبل الطيط” الأكبر وأنه يستطيع فك السحر والنحس وإبعاد التابعة بل حتى يمكنه أن يضمن للشباب النجاح في الباكلوريا وأن يجعلهم مرغوبين ومحبوبين من الفتيات الحسناوات لو كان عند هؤلاء الشباب ذرة من العقل للاحظوا أن أخي وحيد وليست له علاقة مع أي فتاة أو حتى معزة عرجاء وما أثار ضحكي وسخريتي هو أن “عبد الواحد لينݣوص” و “ميمون صعصع” لم يدع الفرصة تمر من بين أيديهم دون أن يستفيدوا أو يكون لهم نصيب منها فكانوا يملؤون قنينات فارغة بالماء العادي ويبيعونها للناس على أنها مياه مباركة من عين توجد في دار السي الشريف خرجت فجأة كرامة له وبركة لتبطل السحر وتشفي الأمراض وكانوا يبيعون بعض النباتات المعروفة المنتشرة في الحدائق العمومية على أنها نباتات سحرية مقطوعة من حديقة السي الشريف الخاصة المهم أن الكل إستغل هذه الشهرة التي نلتها بالصدفة والحظ ووجد طريقا للكسب والإسترزاق فكانت بحق منفعة على أصحاب الحي والدرب الذي كان إسمه في السابق درب “المهابيل” أصبح “المهابيل” الذين يسكنونه عقلاء وشرفاء ويرزقون من عند “المهابيل ديال بصح” فأصبح إسمه درب الشرفاء ويكفي أن تقول لأحدهم أنك من أبناء درب الشرفاء حتى يضعك فوق رأسه ويكرمك أخر كرم وهو يسألك عن كرامات السي الشريف…
في خضم هذه التغيرات والأحداث المتسارعة التي طرأت في الحي إلا أن قلبي كان في جسدي كعصفور مسجون في قفص يحب الحرية والهواء الطلق وأشعة الشمس والتحليق في السماء كيف يشاء إلا أن القفص يمنعه من الحركة ومن أشعة الشمس ورؤية السماء كنت عاجزا تماما رغم حدة ذكائي وكثرة حيلي إلا أنني أمام الحب والغرام طفل صغير أعجز عن رؤية السعدية وإشباع عيني وإشتياقي من رؤية عيناها الغجريتان كنت أقف لمدة طويلة أمام صالون الحلاقة الذي تشتغل فيه وأنا أتصنع أنني أستمع لشكاوي وحديث أهل الدرب إلا أنني في الواقع أنتظر أن تخرج ولو لبضع لحظات لأراها وأشفي قلبي العليل أما هي فكانت تنظر إلينا باستحياء وخجل ثم تسرع في العودة إلى الصالون حينها أنهي أنا الإجتماع مع أبناء الحي وأصعد إلى خلوتي إما للقاء زبون أو لقراءة كتاب ولاحظت أمي بعينها الخبيرة وبمعرفتها الكبيرة بأسرار إبنها التغيير الذي طرأ علي منذ قدوم الجميلة السعدية ولم يعجب أمي هذا الحال ولم ترضى به فانتظرت الفرصة المناسبة لتقرص أذني كما تشاء…
ففي إحدى الليالي كنا جالسين على مائدة العشاء وبعد ما نهض سي “دوبل طيط” الصغير وصعد إلى غرفته نظرت إلي أمي وهي تتفحصني وسألتني فجأة إلى متى ستظل هكذا فوجئت بسؤال أمي وأجبتها وأنا أتلعثم إلى متى ماذا يا أمي لم أفهم أجابتني بحدة وهي تقول حالك لم يعد يعجبني لم تعد تأكل كما كنت نظرت إلى أمي مستغربا وأنا أقول لما متسائلا ماذا حدث يا أمي هل قصرت معك في شيء أو مع أخي نظرت لي وهي غاضبة وأخذت نفسا عميقا كأنما تزيح التوتر عن صدرها وهي تقول بل قصرت مع نفسك أرجل مثلك وفي مكانتك وكل الناس ينادونه سي الشريف ويعظمونك وأنت تضعف وتسقط في غرام فتاة تشتغل خادمة في صالون لا تساوي حتى ضفر قدمك يا للأمهات تكبر حتى تكبر وتظل طفلا في عيون أمك فهي تعرف من نظراتك ماذا تريد أن تقول وتحس من حركاتك ماذا يحزنك وماذا يسعدك فعلا يا للأمهات أردت أن أنكر أمامها وأن أدافع عن نفسي فقلت محتجا أمي إبنك هو إبنك وسيظل إبنك المخلص وسيد الرجال ولن أضعف أمام أي أحد مهما كان أجابتني أمي وهي غاضبة لا تنكر أمامي فعينيك فضحتك وشرودك الطويل وأنت تنظر من النافذة ووقوفك أمام محل عملها بالساعات بماذا تفسر كل هذا أم أنك نسيت أني أمك التي ولدتك كانت خطتي للزواج من السعدية لم تكتمل بعد لهذا كان علي أن أواصل الإنكار حتى لا تفسد أمي أي شيء بعد ذلك أجبت أمي وأنا أحاول أن أجد لي مخرجا ينقدني من نظرات أمي وشكها لا تقلقي يا أمي فإبنك هو إبنك وهذه الأمور التي تحدث أمور عادية وربما حدثت بالصدفة فأنت تعلمين يا أمي أن العمل كثر علي هذه الأيام وقد بدأت أحس ببعض الإرهاق والتعب وهنا تغيرت أمي المسكينة فبعد ما كانت تستجوبني ها هي تواسيني وتلومني على عدم الإهتمام بنفسي لا أولدي لا خاصك ترتاح شوية وديها فراسك ماشي تعالج الناس وتمرض أنت وفجأة دخل أخي علينا وهو يقول مالكم مكتسمعوش السعدية الكوافورة كدق عليكم الباب وانتوما ماجيبين لدنيا خبار عندها أحسست بالدوار وكأن قلبي سقط من مكانه…يتبع