…نظرت إليه بغضب شديد حتى كاد الرجل أن يهرب من نظراتي ولكنني تجاوزت عنه على الأقل لحبي لهذه الكائنات الجميلة التي لا تستطيع التعبير عن أحزانها وألامها كالإنسان وتكتفي بالإنزواء والإنغلاق على نفسها حتى تخرج روحها وأنا لن أترك هذا الببغاء يموت هكذا ببساطة فأنا من عشاق الطيور فسطح البيت مليء بأنواع الحمام والطيور لذلك لن أجد صعوبة في التعامل مع هذا الطائر وفجأة سقط الببغاء من على يدي المدير مغشيا عليه وهو يخرج أصواتا غريبة وريشه يرتعش بشدة في هذه اللحظة أمسكت أعصابي بصعوبة وبدأ دماغي يشتغل بسرعة كحاسوب جديدة عالي الكفاءة وهنا دخلت إبنة المدير الصغرى وهالها منظر الببغاء وهو مغشي عليه فبدأت تصرخ وتبكي بابا أنقد “ريكو” أرجوك لا أريده أن يموت أرجوك همس في أذن إبنته بصوت خافت وهو يقول إهدئي يا إبنتي فعمو “دوبل طيط” هذا سيعالجه إهدئي نظرت إليه بطرف عيني وأنا أتوعده وأقول سأكافئك على إستهزائك هذا إنتظر فقط أن أعالج الطائر إبتسمت له إبتسامة باهتة ونهرته قائلا “واسي دوبل فورمة” “نود حل داك الشرجم وهوي البيت شوية” نهض البدين على عجل وهو يفتح النافدة على مصراعيها وهنا قمت بالإسعافات الأولية اللازمة لإنعاش قلب الببغاء فبدأت أدلك صدره في مواقع أعرفها جيدا وأقوم بضخ الهواء في منقاره عبر فمي هي نفس العملية والمراحل التي نقوم بها مع البشر إلا أن هناك إختلاف بسيط وطفيف جدا وهو أثناء الدلك يجب الدلك بليونة ونعومة حتى لا تكسر القفص الصدري للطائر لأن هيكله العظمي خاصته حساس جدا بعد عدة محاولات عادت الحياة إلى الببغاء وبدأ يدير رأسه في المكان وينشر جناحيه مستقبلا الحياة من جديد…
نظرت بغضب وأنا أسأله بخشونة متى أخر مرة أطعمته وسقيته أجابني وهو حائر لا أذكر يا سيدي أنا أضع له الطعام والماء وأمضي إلى عملي قلت له وأنا أنهره هكذا إذن ترى الطائر مكتئب ومريض وأنت لا تعطيه أدنى إهتمام من وقتك ولا تطعمه بيدك ولا تسقيه نظر إلي مصدوم وهو يقول مدافعا عن نفسه إني أحضر له أفخر أنواع الطعام وأجودها ولا أبخل عليه بشيء قاطعته وأنا أقول أوا تدري يا “سي دوبل فورمة” لو تعطيه خبز الدار فقط والماء وتطعمه بيدك وتداعبه أفضل له من أن تأتيه بأفخر الطعام أنظر جيدا كيف تعامل هذه الكائنات الرائعة وبدأت أداعب الببغاء وأحك له رأسه بلطف ورفق وأعطه الطعام بيدي وأنا أقلد صوت الببغاء فأنا أجيد تقليد الأصوات كما تعلمون وبدأ الطائر يأكل بنهم ويرفرف بجناحيه والمدير الأقرع يتعجب من ردة فعل الببغاء وإبنته تناديه “ريكو ريكو” أنا هنا أنظر إلى الأسفل يا “ريكو” أعطيت الطائر الماء وسقيته بيدي حتى إرتوى ثم عاد وإنزوى في ركن القفص كأنه متخاصم معنا ولا يكلمنا ها هي الفرصة جائت لأنتقم من هذا المدير الأبله الذي لا يعرف شيئا عن فن التعامل مع الناس ولا حتى الأداب والأخلاق التي يلقنها للأطفال…
نظرت إليه بعمق وأنا أقول له لقد أنقدنا الببغاء من الموت بأعجوبة ولحقناه في أخر فرصة وهذا لا يكفي فالمرحلة القادمة هي التي ستجعله يعود إلى قوته ونشاطه وإلى الحياة أول مرة ينظر إلي المدير بنظرة معبرة وهو يقول بامتنان منذ أن قدم ريكو إلينا قد أصبح واحدا من العائلة لا يمكن أن نستغني عنه أبدا نظرت إليه بمكر وأنا أقول له وهل أنت مستعد لفعل أي شيء من أجل أن يشفى “ريكو” ويتحسن نظر إلي بتحد وهو يقول أرأيت هذه الطفلة الصغيرة محبتي لها تكافئ محبتي لريكو حتى أن رفاقي يلقبونني بأبو ريكو أيها الماكر لهذه الدرجة لنرى الأن صدق كلامك سنحتاج لمبلغ مهم لعلاج الببغاء أسرع المدير في الإجابة وهو يقول أطلب ما تشاء أسي الفقيه فأنا لن أبخل بشيء على ريكو واصلت لؤمي معه وأنا أقول له سنحتاج إلى مليونين من السنتيم لعلاجه نظر إلي الأبله وهو يفتح فمه كفرس النهر وهو يتمتم ويقول ماذا مليونين هذا مبلغ كبير وأنا موظف فقير وأوزع راتبي بين فواتير الكراء والماء والكهرباء والمصروف اليومي “وزيد وزيد” وزوجتي مريضة بالسكر وأنا أعاني من البواسير والمعيشة حارة أسي الفقيه…
نظرت إليه بتشف وأنا أعلم أن كل كلامه هذا دجل في دجل فكراء المدرسة بمائها وكهربائها على حساب الدولة وأن التلاميذ يقومون بإحضار الوجبات اليومية للمدير بشكل دوري وأن زوجته موظفة إطار في الدولة وها هو يجحد نعم الله ويدعي الفقر والعوز ويشكي ويبكي كأن الصدقة تجوز له مع العلم أن راتبه لا ينقص منه سنتيم واحد وسترى ماذا سأصنع لك يا “دوبل فورمة” قلت له بصرامة هذين المليونين ما هم إلا دفعة أولى لإزالة السحر المدفون في بطن الفكرون أما السحر الأخر فهو معلق في رجل الحمام يحتاج إلى ثلاثة ملايين أخرى وهذا ما عندي السي “دوبل فورمة” وأنت تعلم ما يريحك أمسك رأسه وهو يتأوه وكاد أن يغمى عليه لما سمع هذه الشروط وطلب من الخادمة أن تحضر له كأس ماء وهو يردد ويولول “واش باغي تقتلني أسي الفقيه ببغاء يتقام عليا بخمسة مليون ونذبح يماه ونحطو في كوكوت وندردر عليه الزيتون ونتغذى بيه” قاليك “ريكو” بحال واحد من ولادي وأيييه فصرخت في وجهه قائلا أنت لا تهتم حتى بأبنائك فكيف يمكنك أن تعتني بهذا الطائر المسكين إسمع إن لم تحضر لي المبلغ المطلوب وتنقد روح هذا الطائر فاعلم أن ذنبه سيبقى معلقا في رقبتك إلى يوم القيامة ولن تستطيع النوم بتأنيب الضمير وستطاردك الأشباح الشريرة طوال حياتك نظر إلي مستهزئا وهو يقول لن يصيبني شيء مما تقول فسأذهب عند شيخ أفضل منك إنه الشيخ “بوعزافة” ولن يطلب مني هذا المبلغ الكبير وسيحميني من قوى الشر كلها أجبته وأنا أقول له بثقة كاملة إذهب عند من تريد ولكن لا تجعل الببغاء يموت بسبب غباءك وعندما تفشل أنت وشيخك “سي بوعزافة” لا تتصل بي إلا والمبلغ على المائدة نظر إلى الببغاء المنزوي في ركن القفص وتنهد بعمق وهو يقول لي “ريكو” سيعيش إن شاء الله “فسي بوعزافة” يجلس وهو محاط بأنواع الحيوانات الأفعى تلتف على عنقه ولا تؤذيه العقرب تلعب معه ولا تلدغه والضبع يسمع كلامه سيجد حتما علاجا “لريكو” أجبته وأنا أستعد الرحيل سي المدير سير قوليه يعطيك “شي قنفود ربيه راه مزيان لكلاخ ودوخة الراس” وانسحبت إلى الباب مغادرا ولمحت عند مغادرتي دموع الطفلة الصغيرة وهي تنهمر على عينيها بشكل غير عادي حينها تأكدت أن هذا المدير المعتوه سيعاود الإتصال بي مرة أخرى…يتبع