يستحق السياسي الإسباني، خوصي لويس ثباطيرو، الأمين العام الأسبق للحزب الاشتراكي العمالي،شكر وامتنان المغاربةعلى مواقفه الايجابية التي طالما أكدها، بخصوص المقاربة الدبلوماسية لملف الصحراء.
وما زال الزعيم الاشتراكي يتمتع بنفوذ معنوي بين رفاقه في الحزب،القدامى والمحدثين،بعدما ترك سفينة القيادة إثرغرق بلاده في أزمة مالية عميقة، فقد الحزب على إثرها السلطة بهزيمته في انتخابات تشريعيةأعادت الحزب الشعبي إلى قصر”لامنكلوا”حيث ظل ماريانو راخوي،إلى أن أطاح به ملتمس رقابة، ليشكل الاشتراكيون حكومة أقلية برئاسة”بيدرو سانشيث”.
وليس، ثباتيرو،من طينة السياسيين المتقاعدين الباحثين عن الشهرة والمال عندما يتبنى المرافعة السياسية عن قضايا يرى أن له دورا ممكنا فيها.. هكذا قام بمساعي حميدة في أزمات سياسية أو حقوقية،بأميركا الجنوبية،مثل فنزويلا، وفيها تأزم الوضع بين حكومة “مادورو” والمعارضة الليبرالية؛ رغم اتهامه من طرف أحزاب اليمين الإسباني بمناصرة الاستبداد والانحياز لنظام ديكتاتوري أسسه الرئيس الراحل “هوغو شافيث”.
تجدر الإشارة في هذا السياق،إلى أن، ثباطيرو،المناضل الشاب في الحزب الاشتراكي،وقع في نفس خطأ التحليل الذي وقع فيه أتباع اليسار الإسباني،حين ظللتهم الدعاية الجزائرية وجرتهم لدعم انفصال الصحراء عن المغرب؛ وربما كسبت ود بعضهم لقاء مكافئات مادية وعينية
والحقيقة،أن الاشتراكيين الذين ساندوا الجزائر،لاعتبارات إيديولوجية،اكتشفوا مع مرور الوقت وتطور ملف الصحراء،حقيقة الورطة التي أوقعهم فيها النظام الجزائري،وبطلان ادعاءات جماعات البوليساريو الناشطة فوق التراب الإسباني، مستغلين عواطف اليسار وغيابا كليا للمغرب من ساحة العراك الإيديولوجي.
تغيرت نظرة الاشتراكيين، إلى المغرب في ظل زعامة وحكم أمينهم العام، فيليبي غونثالث، وخاصة خلال سنوات حكمه الأخيرة ،حين اكتشف بالملموس،على مدى ثلاث ولايات، أن جار بلاده الجنوبي جدير بالثقة وليس بمثل الصورة السيئة التي تروجها عنه الدعاية الجزائرية؛ بل إن الزعيم الاشتراكي البراغماتي، سيتفق إلى حد كبير مع الملك الراحل الحسن الثاني، فتطابقت نظرتهما للعلاقات الثنائية والدولية.
سيتوقف الوئام بين مدريد والرباط ،بمجيئ زعيم الحزب الشعبي “خوصي ماريا أثنار” إلى قصر(لا منكلوا) حاملا أجندات وسياسات مغايرة لنهج الاشتراكيين؛ إما انتقاما من فترات حكمهم الطويلة،أو حرصا من حزبه اليميني على تغيير السياسات العمومية وضمنها العلاقات مع المغرب.
وبالتالي أصبح حتميا اندلاع أزمات بين البلدين؛ نتج بعضها عن تضارب في المصالح كالخلاف بشأن الصيد البحري؛ وبعضها افتعلته مدريد قصدا بغاية إضعاف المغرب؛ ولا سيما وأن رئاسة أثنار للحكومة تزامنت مع تسلم الملك محمد السادس مقاليد الحكم في المغرب.
وبدل أن تستقبل حكومة اليمين الإسباني، العهد الجديد في المغرب، بما هو مفروض من ترحيب وحسن نوايا، فإن أثنار، ناصبه العداء، لأن الملك الشاب،افهم الزعيم اليميني الإسباني منذ اللقاء الأول، أنه أقوى وأصلب مما يتصور.
ومن دون سبب معقول افتعل، اثنار، أزمة جزيرة ليلى (بيريخيل) التي كادت أن تؤدي إلى نزاع مسلح ،ترتب عنها تشدد في مواقف الطرفين على خلفية اتفاق الصيد البحري.
رفض المغرب اشتراطات أثنار،المتوهم أن إرادة المغرب يمكن كسرها،ناسيا القوة الهادئة الممثلة في وجود ملك شاب طموح، وحكومة ائتلافية تحظى بتأييد شعبي لشخص ذي مصداقية وطنية ودولية: الراحل عبد الرحمن اليوسفي.
في ظل أزمة الصيد وتهديدات أثنار؛ أقدم لويس ثباطيرو، على زيارة المغرب،باعتباره زعيم اكبر حزب معارض لاستكشاف وجهة نظر الحكومة المغربية والاستماع مباشرة إلى رأي الملك ورئيس الحكومة، اللذين استقبلاه كل على حدة، إضافة إلى لقاء مع وزير الخارجية محمد بن عيسى ؛ علما ان الزيارة تمت بدعوة من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية متزعم الإتلاف الحكومي .
غضب “أثنار” ولم يجد صفة ينعت بها غريمه المعارض قبل وأثناء الزيارة، سوى عبارة”الخائن ” تراييدور” رددتها وسائل الإعلام الموالية لحكومة اليمين وكأنها أغنية جديدة ناجحة.
وإمعانا في التصعيد،رخص، أثنار لشركة “رابسول” العملاقة التنقيب عن النفط والغاز في الشواطئ الكنارية المواجهة للمغرب على مسافات قريبة.
ومثلما افترى،أثنار، على المغرب وصوره بالغازي المحتل لصخرة مهجورة جرداء، واقعة على مرمى بصر من الشاطئ المغربي؛ كذلك ارتكب في بلاده جرما مماثلا لما الصق تهمة تفجيرات مدريد عام 2004 بمنظمة” إيطا” الانفصالية؛ بينما كانت من فعل متطرفين إسلاميين أغلبهم مغاربة.
كانت إسبانيا على أهبة الانتخابات التشريعية وفوز اليمين فيها محسوم. لم يتصور أثنار، أن يأتيه العقاب من خلايا تنظيم القاعدة ،عقابا له على تعلقه بأذيال الرئيس الأسبق الأميركي جورج بوش الابن، لغزو العراق.
اكتشف الأسبان الحقيقة بسرعة وصبوا نار غضبهم على حكومة اليمين .هتفوا ضد رئيس حكومتهم في مظاهرات ضخمة ووصفوه بالقاتل، ثم صوتوا لصالح الاشتراكيين بزعامة ثباطيرو.
عالج السياسي الإسباني الوافد،بحكمة تداعيات الهجوم الإرهابي الذي خلف حوالي مائتي قتيل وأكثر من ألف مصاب. ورغم أن أغلب المتهمين مغاربة، لم يتخذ الاشتراكيون أي إجراء عقابي ضد بلدهم.
وبخصوص الإجراء الأحادي بالتنقيب عن النفط في مياه الأطلسي،أكد أن حكومته الاشتراكية، تسعى لأن تجعل من المياه المشتركة،بحيرة تعايش وسلام وأمن وتعاون مع المغرب.
صحيح ،لم تخل فترة حكم ثباطير،من أزمات مع المغرب، أكبرها زيارة ملك إسبانيا السابق خوان كارلوس،لمدينتي سبتة ومليلية المغربيتين المحتلتين؛ وهي الأولى التي قام بهام سؤول إسباني رفيع ؛استوجبت استدعاء السفير المغربي من مدريد.
كذلك انزعجت الرباط، من أسلوب معاجلة مدريد للمسرحية التي افتعلتها الناشطة الصحراوية أمينتو حيدر، حين اعتصمت في “لاس بالماس” زاعمة أن المغرب منعها من العودة إلى مدينة العيون.
والحقيقة أن جريمة “كديم إيزيك” شكلت الدليل الأقوى ،لكي يبتعد ثباطيرو،عن جبهة البوليساريو، فقد توصل بتقارير الاستخبارات وبصور المذبحة التي ارتكبها الانفصاليون، وراج حينها أنه ألقى عرضا في اجتماع حزبي مغلق وخاطب رفاقه قائلا: على الاشتراكيين أن يبذلوا جهدا كبيرا لمراجعة قناعاتهم بخصوص ملف نزاع الصحراء.
نأى ثباطيرو، بنفسه ،عن مزاعم الانفصاليين وتأمل بعمق في حقيقة النزاع، فأصبحت مواقفه المتتالية متفهمة لوجهات النظر المغربية.
ولما ترك السلطة بإرادته واستعاد حرية القول والحركة، وجد فيه المغرب صوتا صديقا مناصرا للحق، وهو الداعم من قبل لحوار الحضارات.
ثباطيرو، واحد ضمن كوكبة القادة الاشتراكيين الذين حموا، من واقع مسؤولياتهم ومواقعهم علاقات البلدين من الانهيار.
يستحق فعلا امتنان المغرب.