تفشت في العُقود الأخيرة، بشكل متزايد، ظاهرة خطيرة، تتفاقم حدّتُها مع الأيّام. تلك هي ظاهرة خطاب الكراهية، الذي يدعو، في مضمونه وتعبيراته إلى التّأليب والتّمييز والتّحريض على إلحاق الضّرر والعدوانيّة والعنف،ورفض الأخر.
والمثير للجدل أّن هذا الخطاب الذي يندرج تحت مسمّى “حرية التعبير” وحقوق الأفراد والجماعات ومبادئ المساواة؛ وجد ضالّته في الفضاء الإلكتروني واتّساع مدى الانفتاح الرّقمي الذي أسس لحرية مُطلقة ، بلا ضوابط أخلاقية وقوانين رادعة ؛ يتحمس لها نشطاء مغمورون، وإعلاميون مشبوهون، متسترين وراء أقنعة وقنوات ومنصات إعلامية، أنشئت خصّيصًا للتّرويج لأفكار الكراهية وازدراء الأديان والتّطاول على المقدّسات وكذا التعصّب للعرق والجنس والطّائفة والحزب والدّيانة . يتم كل ذلك في خضم حرب إعلاميّة لاقت إقبالًا وتأجيجا من معتنقي ودعاة الكراهيّة، المنتشرين في مجتمعات منغلقة يسودها التزمّت والتعصّب والجهل والفساد.
لكن الملاحظ واللافت للنظر،أنّ الدائرة ما فتئت تتسع لدرجة أنها امتدت إلى صفوف رجال الدّين والسّياسة والمال والفكر والرّياضة والفنّ والعلماء والشّعراء والأدباء بل وحتى النخب المؤثّرة في المجتمع؛ يساهمون بشكل متعمد وحثيث في تأجيج مشاعر الكراهية .
إنه تطورمقلق ؛كان المرحوم الأديب السعودي “غازي القصيبي” أول من تنبّأ به وحذر منه في كتاب له بعنوان “حتّى لا تكون فتنة ” ومما يمكن أن يحدث في بلاده وفي سواها من البلدان العربية ، جراء التقلبات السياسية المتتالية التي عرفتها تلك البلدان في العقود الأخيرة.
وقد يبدو “مصطلح الكراهية” بسيطا ، كموروث أزلي أفرزه الحق في الاختلاف بين البشر؛ لكنه في الحقيقة ، ومع تنامي صوره ،بات مهددا لكيان دول ومجتمعات، ومقوضا لأسس أمنها واستقرارها والتعايش فما بين مواطنيها
إن الدّعوة لمعاداة جماعة داخل مجتمع واحد ، أو مناوءة طائفة في بلدان تتقاسم نفس التاريخ واللغة والعقيدة ؛لتعد( الدعوة) بمثابة قنابل موقوتة ومؤجّلة، من شأنها إن لم يبطل مفعولها، الفتك بالجميع، خاصة إذا ما اُسْتُغِلَّتْ من طرف جِهات تخريبيّة خارجيّة
لذلك، أصبح من واجبنا ،كمجتمع واعٍ بخطورة هذه الآفة ، مراجعة موروثنا الثقافي والقيمي ككلّ ، وذلك بأن لا نقبل ممارسات وأفكارا تبخس القيم الإنسانيّة وتحطّ من قدر الأفراد كيفما كانوا ؛ إلى جانب العمل على ترسيخ ثقافة المحبّة والابتعاد عن التسلّط ،كسلوك لا يفرّق بين أفعال الإنسان والحيوان ؛ في اُنتظار اُستصدار قوانين وتشريعات دوليّة ووطنية رادعة ،تجرّم خطاب الكراهيّة وتعمل على تطوير وتحديث القوانين المتجاوزة التي تملأ الرفوف، دون تفعيلها أو الاهتمام بها ؛ على اعتبار أن خطاب الكراهية بمختلف تجلياته، محكوم عليه بالتراجع التدريجي في أفق الاختفاء النهائي.
قد يتطلب الأمر جهدا وزمنا،، يطول أو يقصر ، تبعا لعزيمة الأفراد وإرادة المجموعات على كافة الأصعدة ؛يقينا منها أن خطاب الكراهية ،في جوهره ومظهره ، يمثل الاستثناء الحضاري البغيض. ولا يمكن اعتباره ، بحال من الأحوال، تعبيرا عن هوية أو مبررا للتشبث بخصوصية متوهمة ، مبالغ فيها وادعاء انتماء لحضارة بذاتها، مقابل إقصاء الأخرى..
*نهى الخطيب
*كاتبة من المغرب