جدد الملك محمد السادس، التزام المملكة المغربية بحل الخلافات التي يمكن أن تنتج عن تلاقي نقاط تداخل المياه الإقليمية بين إسبانيا والمغرب بكيفية سلمية وعبر أسلوب الحوار الهادئ المستند على مبادئ قانون البحار كمرجعية حاكمة؛ بعيدا عن فرض الأمر الواقع من أي طرف على الأخر.
وينسجم التوجه مع روح التعاون والشراكة القائمة بين البلدين الجارين في مجالات شتى ومنذ عقود من الزمن،تجاوزا بسبهاكثيرا المشاكل وساء العالقة أو الطارئة.
وورد التأكيد في الخطاب الذي وجهه الملك إلى الأمة في الذكرى 45 للمسيرة الخضراء،في معرض إشارة جلالته إلى الانتهاءمن ترسيم المجال البحري للمملكة وجمعه في إطار منظومة القانون المغربي، في التزام تام بمبادئ القانون الدولي.
واختار الملك محمد السادس،الإعلان عن هذه الخطوة، في سياق استعراضه للجهود التنموية في الإقليم الجنوبية للمملكة،والآفاق الاقتصادية الواعدة التي ستفتحها في المستقبل المنظور،لتستفيد منها المنطقة وكذا الدول الإفريقية الصديقة؛كون الموانئ المغربية الكبرى المشغلة أو التي في طريق الإنشاء،ستشكل بوابة للتبادل والنشاط التجاري مع القارة السمراء، والتي ستصبح معبرا في نفس الوقت للمبادلات الإسبانية بل الأوروبية اعتبارا للقرب الجغرافي من أفريقيا.
ويبدو من الإشارة الملكية أن إسبانيا والمغرب،قد هيئا أرضية مشتركة للحوار والتفاوض،جرى إرساء معالمها في المدة الأخيرة،على اثر قيام المغرب بتحديد مجال مياهه الإقليمية،ما استوجب تكثيف المشاورات والاتصالات بين البلدين وإعلان التزامهما الاحتكام إلى القانون الدولي، نافيين سعيأي منهما نحو تأزيم الوضع أو فرض الأمر الواقع.
وكانت إسبانيا أكدت،من جانبها،في وقت سابق ،اتفاقها المبدئي مع المغرب على تبني نفس المقاربة،من خلال تصريحات ومواقف متكررة، لوزيرة الخارجية التي زارت المغرب عقب الإعلان عن ترسيم حدود مياهه الإقليمية، سواء أمام الصحافة او البرلمان
وعادت رئيسة الدبلوماسية الإسبانية، من زيارتها للرباط متفائلة بنتائج المحادثات مع المغرب.
ولجأ المغرب إلى حقه في بسط سيادته على مجاله البحري،بغاية قطع الطريق على مزاعم متكررة لجبهة البوليساريو الانفصالية،التي شرعت في ترويج خرافة أن مياه المحيط في على امتداد الشواطئ الصحراوية،غير مشمولة بالسيادة المغربية،بل ما فتئت تطالب إسبانيا والأمم المتحدة القيام بمنع المغرب من إدراج الشواطئ الجنوبية ضمن اتفاق الصيد البحري بين الرباط وبروكسيل والذي يستفيد منه بالدرجة الأولى، أسطول الصيد في الأندلس.
وقام الانفصاليون بمساعي قضائية يائسة لدى المحكمة الأوروبية،أمام تشبث المغرب بحقوق السيادة على مجاله البحري.
وتدرك الرباط،أن التفاهم ممكن مع جارته الشمالية،رغم تعقيدات الحسم في الحدود المائية، مع دولة بحرية عريقة مثل إسبانيا،ويستحيل الكلام مع كيان وهمي اعتاد المروجون له ومساندوه ،السباحة في المياه العكرة.
ويسجل مراقبون حرص الرباط ومدريد،لأسباب عملية ومصالح متداخلة،على معالجة ملف المياه الإقليمية بما يلزم من الهدوء،خاصة وأن تحريك ذات الملف يؤجج صراعات في الوقت الحاضر بين دول متجاورة في مناطق أخرى،لما كثر الحديث عن وجود ثروات في أعماق البحار؛حركت شهية الدول المشاطئة، وكذا أطماع قوى خارجية عمدت إلى التدخل بإشكال عدة في النزاعات.
وتأبى الطبيعة أحيانا، إلا أن تساهم في إقناع أطراف بمزايا فضيلة الحوار كوسيلة لفض الخلافات الناتجة عن التداخل بين حدود المياه الإقليمية والتي لا يمكن حلها إلا بالتوافق والتنازل المتبادل ومراعاة منطق الطبيعة
ومن المؤكد أن التفاهم الإسباني المغربي،بشأن المياه الإقليمية،سيلقي بظلاله الإيجابية على ملفات ثنائية عالقة بين البلدين لم يتم الحسم فيها ؛ مع الإشارة إلى أن كفة المصالح المشتركة ستتغلب على التباين في وجهات بين البلدين؛ فبعض المشاكل موروث عن حقبة الاستعمار؛ مثل مطالبة المغرب باسترداد سبتة ومليلية وباقي الثغور المحتلة في شمال البلاد.
وكان المغرب، اضطر المغرب منذ حوالي سنة إلى فرض، حصار جمركي على البضائع المهربة من المدينتين وهي تكلف اقتصاده الناهض خسارات مالية كبرى.
وقوبل الإجراء المغربي،احتجاج المستفيدين الإسبان من تجار ومهربين، مدفوعين بتأييد وشحن من أحزاب اليمين الإسباني التي ترفض أعادة حقوق المغرب في ترابه الوطني. معلوم أن الحكومات الاشتراكية الحالية والسابقة لا تساير صراحة وكلية دعوات أحزاب اليمين وحالت دون توتر الأجواء مع المغرب.
وقد يتيح الحصار ضد التهريب، الفرصة للسلطات الإسبانية للتفكير الموضوعي في عواقب استمرار احتلالهاسبتة ومليلية،وقد أصبحتا عبئا ماليا على حكومة مدريد، بعد أن فقد الثغران المحتلان الأهمية العسكرية والإستراتيجية.
ومن جهته سيضطر المغرب لتنمية المناطق الحدودية،بإطلاق مشاريع عاجلة تجري الآن دراستها،لخلق نشاط اقتصادي وفرص العمل في المناطق المتضررة من وقف أنشطة التهريب.
جدير بالذكر،أن المغرب أرجأ تحريك ملف سبتة ومليلية إلى حين التوصل إلى حل نهائي ودائم لنزاع الصحراء.
وأسكتت التهدئة من الجانب المغربي الضجيج الإعلامي المعادي له في إسبانيا بعدما تبين للحكومة الاشتراكية وقطاعات من الرأي العام الإسباني حقيقة النزاع في الصحراء.
إلى ذلك شجعت المكاسب الدبلوماسية المتوالية التي أحرزها المغرب أخيرا في نزاع الصحراء، الجانب الإسباني لإعادة النظر في تعاطيه مع ذات النزاع والذي اتسم في الماضي بحياد ملتبس.
وفي سياقصلة بتطور الملف،شقت دول افريقية عصا الطاعة على الجزائر، وعادت إلى المغرب الذي استقبلها بصدر مفتوح واستعداد لتعاون غير مشروط دون استعلاء،تاركا لها حرية اكتشاف الخطأ القديم الذي جرتها الجزائ إليه؛ إلى أن تطور لسحب الاعتراف بالجمهورية الصحراوية الافتراضية وفتح قنصليات افريقية في حاضرتي الصحراء: العيون والداخلة استعدادا لمستقبل مزدهر.
ضمن هذا الإطار،يجب النظر إلى خطاب الملك محمد السادس الأخير، في ذكرى المسيرة.مفاده أن مسلسل التعاون الوثيق مع افريقيا قد انطلق بخطوات حثيثة ستسرعها تنميةالمحافظات الصحراوية.
وسيكون من مصلحة إسبانيا الالتحاق بالقافلة ،ليكون لها موقع قدم اقتصادي في دول القارة السمراء، بشراكة وتحالف مع المغرب باعتباره نقطة عبور ومرور إجبارية؛ تستوجب فسح المجال البحري وطي ملف حدوده، بين الرباط ومدريد.