يعد السادس من نونبر منذ أكثر من أربعة عقود محطة سنوية لاستخلاص العبر من الحدث التاريخي المؤسس لمغرب اليوم، مغرب الوحدة الوطنية والديناميكية الديمقراطية الحداثية المتواصلة، حدث المسيرة الخضراء لاسترجاع الأقاليم الجنوبية وإحباط محاولة الإستعمار الإسباني خلق كيان قزمي تابع له في جزء كبير من المناطق الصحراوية الجنوبية المحتلة ضمن عملية استعمارية متعددة الأبعاد والجهات.
ويعتبر الخطاب الذي ألقاه الملك محمد السادس يوم الأربعاء تخليدا للذكرى الرابعة والأربعين للمسيرة الخضراء خطاب الاستراتيجيات المتعددة المتكاملة القائمة على رؤية شمولية لطبيعة موقع المغرب والتحديات التي عليه رفعها والرهانات التي على البلاد استحضارها والانخراط الجماعي في سبيل ربحها. وتتجلى هذه الإستراتيجيات في القضايا المترابطة التالية:
أولا، تكريس انتماء الأقاليم الجنوبية للمملكة واعتبار الحكم الذاتي الترجمة الفعلية الصادقة الوحيدة لإرادة المجتمع الدولي ممثلا في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي الداعية إلى إيجاد حل سياسي للنزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية.
وبهذا الصدد جاء في خطاب المسيرة:
” لقد ظل المغرب واضحا في مواقفه، بخصوص مغربية الصحراء، ومؤمنا بعدالة قضيته، ومشروعية حقوقه.
وسيواصل العمل، بصدق وحسن نية، طبقا للمقاربة السياسية المعتمدة حصريا، من طرف منظمة الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن، من أجل التوصل إلى حل سياسي واقعي، عملي وتوافقي.
وهو الحل الذي تجسده مبادرة الحكم الذاتي، نظرا لجديتها ومصداقيتها، وصواب توجهاتها؛ لأنها السبيل الوحيد للتسوية، في إطار الاحترام التام للوحدة الوطنية والترابية للمملكة”.
ثانيا، استراتيجية التنمية في ظل تصور متطور للجهوية المتقدمة. يقوم على إعادة النظر في الأبعاد الجغرافية للكيان المغربي انطلاقاً من طبيعة امتداده شمالًا وجنوبًا شرقًا وغربًا وفي سياق تحقيق التكامل والتعاون بين جهات المملكة بما يضمن تنمية حقيقية وعدالة ضرورة لبناء مغرب المستقبل الذي تستفيد جميع جهاته من إمكاناتها ومن توزيع عادل للثروات المختلفة التي تزخر بها البلاد
يقول الملك محمد السادس:
” لقد مكنت المسيرة الخضراء، من استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية.
ومنذ ذلك الوقت، تغيرت خريطة المملكة؛ ولم نستوعب بأن الرباط صارت في أقصى الشمال، وأكادير هي الوسط الحقيقي للبلاد.
وليس من المعقول أن تكون جهة سوس ماسة في وسط المغرب، وبعض البنيات التحتية الأساسية، تتوقف في مراكش، رغم ما تتوفر عليه المنطقة من طاقات وإمكانات.
(…)
” فالمغرب الذي نريده، يجب أن يقوم على جهات منسجمة ومتكاملة، تستفيد على قدم المساواة، من البنيات التحتية، ومن المشاريع الكبرى، التي ينبغي أن تعود بالخير على كل الجهات.
والتنمية الجهوية يجب أن ترتكز على التعاون والتكامل بين الجهات، وأن تتوفر كل جهة على منطقة كبرى للأنشطة الاقتصادية، حسب مؤهلاتها وخصوصياتها”.
ثالثًا، استراتيجية البناء المغاربي التي يترجمها تحديد طبيعة العدو المشترك لدول وشعوب المنطقة وبالتالي عدم اضطراب تصويب بوصلة التوجيه في مختلف المجالات الحيوية.
يقول جلالة الملك:
“إن حرصنا على تحقيق تنمية متوازنة ومنصفة بكل جهات المملكة، لا يعادله إلا التزامنا بإقامة علاقات سليمة وقوية مع الدول المغاربية الشقيقة.
فالوضع الحالي بالمنطقة وبالفضاء المتوسطي يسائلنا جميعا، ويدعونا للتحرك الإيجابي، نظرا لما يحمله من فرص وتحديات.
- فالشباب المغاربي يطالبنا بفضاء منفتح للتواصل والتبادل؛
- وقطاع الأعمال يطالبنا بتوفير الظروف للنهوض بالتنمية؛
- كما أن شركاءنا، وخاصة الأوروبيين، يحتاجون إلى شريك فعال؛
- وإخواننا الأفارقة جنوب الصحراء، ينتظرون مساهمة بلداننا في البرامج والتحديات الكبرى للقارة؛
- وأشقاؤنا العرب يريدون مشاركة المغرب الكبير في بناء نظام عربي جديد.
إن الآمال و الانتظارات كبيرة، والتحديات كثيرة ومعقدة. وما يبعث على الأسف هو أن البعض لا يتعامل معها بجدية.
والحقيقة أن عدونا المشترك هو الجمود وضعف التنمية، التي تعاني منها شعوبنا الخمسة.”
رابعًا، استراتيجية الربط الدائم بين عمليات بناء المغرب واستراتيجية الانخراط المسؤول في البناء الأفريقي.
ولا يتعلق الأمر هنا بالعمل على تطوير استراتيجية نوعية في التوجه إلى أفريقيا منذ تولي الملك محمد السادس للسلطة في البلاد، قبل أكثر من عقدين من الزمن، وما شهدته من زيارات واتفاقات شراكة مختلفة مع الدول الإفريقية فحسب، وإنما أيضا في جعل تنمية أفريقية متوازنة ضمن تلك الإسترتيجية بما يحقق لإفريقيا نموًا اقتصاديًا واستقرارًا وأمنًا على مختلف المستويات.
وقد جاء الخطاب الملكي واضحًا وصريحًا في هذا السياق عندما قال بالحرف الواحد:
“إن الصحراء المغربية تشكل بوابة المغرب نحو إفريقيا جنوب الصحراء.
وقد جعلنا قارتنا، منذ اعتلائنا العرش، في صلب سياستنا الخارجية. فقمنا بالعديد من الزيارات لمختلف دولها، وتم التوقيع على حوالي ألف اتفاقية تشمل كل مجالات التعاون.
وقد كان لذلك أثر ملموس على مستوى مكانة المغرب الاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية داخل القارة.
وإننا عازمو ن على جعل المغرب فاعلا أساسيا في بناء إفريقيا المستقبل.
ويتوقف تحقيق هذه الأهداف على وفاء المغرب بالتزاماته، وعلى مواصلة ترسيخ حضوره في إفريقيا”.