…عدت للمنزل فرحا وأنا أمسك بيد “بنات أفكاري” وعلى إيقاع أغنية “يا بنات يا بنات” أداعبهم وألعب معهم على أمل أن يخلق هذا الجو الرائع بيني وبين “بنات أفكاري” مشروع يعود علي بالنفع والبركة صعدت إلى غرفتي وإذا بأمي تناديني وأنا مازلت لم أفق بعد من التفكير في كلام المجرمين الغبيين “عبدالواحد لينكوص” و”ميمون صعصع” سمعتها تنادي بأعلى صوتها “خالد أجي أولدي أجي بالزربة ” فقلت مع نفسي ماذا هناك ألن ينقضي هذا اليوم الغريب من مفاجأته وألاعيبه لبيت نداء أمي وذهبت عندها سائلا إياها “الوالدة ما كاين باس” فقالت “والو أولدي غير هاذ السيدة و ولدها الصغير جايين لعندك” أجابتني أمي بكل بساطة استغربت من قدوم هذين الضيفين وأنا الذي لم يسأل في حتى أعز أصدقائي تزاحمت الشكوك والوساوس في رأسي هل بعث “عبدالواحد لينكوص” أمه لتستفسر وتبحث عن أحوالنا؟ أم تريد مني هذه الأم أن أعطي إبنها دروس الدعم لم تكن أفكاري مرتبة ومنظمة بل راودتني فكرة في رأسي زادتني شيبا إلى شيب رأسي بأن يكون هذين قادمان بالفعل من العالم السفلي وأن زوجتي جنية جاءت لتطلب نفقة إبنها كما قال الفقيه النصاب…
اتخذت قراري بسرعة لكي أزيل عن حياتي غبار الرتابة والملل وأدخل عليها بعض الحماس وبعض الإثارة فقلت لأمي بحماس “سوف أنزل عندهم في الحال” دخلت الصالون وأنا أشجع نفسي وأحفز حواسي وذكائي للعمل فإذا بي أجد إمرأة في منتصف العمر والدموع في عينيها متشحة بالسواد وفي يديها دجاجتين بلديتين مصحوبة بإبنها الذي يبلغ من العمر عشر سنوات شاحب الوجه ضعيف البنية يداه ترتعشان بلا سبب هالني المنظر توترت قليلا فبادرت المرأة مرحبا ومشجعا “مرحبا ألالة كيدايرة لباس عليك” أجابتني الأم وهي تتحسر ترحب بيك الجنة أولدي ” راه كاين الباس أسيدي وجينا عندك قاصدين والمقصود الله” أصابتني حيرة من هذه الكلمات التي قالتها هذه السيدة وإزدادت حيرتي وصدمتي أكثر عندما تدخلت والدتي في الموضوع وهي تجيب السيدة لا عليك يا أختي قصدتي الدار الكبيرة وولدي يقضي ليك الغرض غير خاصك تهلاي فيه ألالة إلتفتت إلي أمي وأنا مقطب الحاجبين وأنا أعاتبها بنظراتي ثم عدت للمرأة قائلا سيدتي هناك خطأ ما أو أنك غلطت في العنوان فأنا لا أعالج أحد وليس لدي لا بركة ولا يحزنون أجابتني المرأة وهي تكاد أن تبكي لا تقل هكذا يا ولدي فقد إنفضح سرك وعلم الجميع أنك رجل مبارك وذو كرامات…
هالني بحق ما ذكرته هذه السيدة وقلت لها مدافعا عن نفسي يا خالتي إنها مجرد إشاعات لا أقل ولا أكثر أنا رجل بسيط وعادي لا أنفع ولا أضر (وقلت في نفسي لو تعلمين يا سيدتي حجم معاناتي لفكرتي ألف مرة قبل أن تطلبي العون من غريق) أجابتني وهي تصرخ وهل أكذب جارتي السعدية التي رأتك تسلم على رجل عجوز يمشي على كرسي متحرك وتربت على رأسه وبعض نصف ساعة من رحيلك عاد الرجل يمشي على قدميه أمنت أمي على كلامها وهي تقول صادقة يا أختي صادقة ونظرت إلي بحدة وهي تقول أو الحاج الفطواكي الذي لم يسمع خبر عن إبنه المهاجر بإيطاليا لأزيد من سبع سنوات وشكى لك ذلك وأنت أكدت له أنه سيتلقى خبر مفرح وما هي إلا أيام قليلة وإذا بإبنه يرجع من غربته وهو سالم غانم أجبتها وأنا أتكلم بروية محاولا أن أهدأ نفسي وأتمالك أعصابي خالتي هاته الأمور كلها صدفة مجرد صدفة لا جمل لي فيها ولا ناقة أجابتني الأم وهي مصرة على طرحها وكيف تفسر ما قالت لي صديقتي عائشة قلت لها بنفاذ صبر وماذا قالت لك خالتي عائشة حكت لي أن إبنها كان دائما ما يرسب في الإمتحان وأنها أرسلته عندك لتساعده قليلا في الدراسة ولمجرد ساعة من الزمن وبعدها عاد الولد من أنبغ أقرانه في المدرسة… هنا لم أكن مستغرب مما تقوله السيدة فهذه الأمور وقعت بالفعل وكلها لها تفسير منطقي فالعجوز الذي يمشي على كرسي متحرك كان متسول محترف وكان سليما معافى ليس به أي مرض في رجله وإنما كان يتصنع ذلك للتسول والإحتيال أما الرجل العجوز الذي عاد له إبنه فقد تأثرت من منظر العجوز يبكي فقد إبنه وحاولت أن أزرع في قلبه الأمل وأحيي حب الحياة والتفاؤل فيه وكانت الصدفة أن عاد إبنه بعدها أما الصبي الذي عاد نابغة فالولد كان يصارع أن يصبح مجتهدا وناجحا في دراسته وكانت لديه الرغبة والهمة أي أتى عندي وهو كله حماس ونشاط فما كان مني إلا أن وجهته إلى الطريق الصحيح وأعطيته البرنامج الخاص بي الذي كنت أعمل به أيام الدراسة فكانت نتائجه منطقية ولكن الأمر الذي أستغرب منه أن تؤثر الإشاعة والصدفة والجهل والخرافة على هذه العقول البسيطة في زمن سرعة الضوء ونسبية إينشطاين وسلطة الأنترنت بدى لي الأمر غريبا جدا جدا…
وهنا قالت أمي مؤكدة على كلامها حتى أنا تفاجأت من هذا الأمر ولكن عندما سمعنا ابن حليمة “عبد الواحد لنݣوص” يقسم بأغلظ الأقسام ويؤكد ويقول أنه رأى جني يحمي ابني من الوقوع في القادوس ويحمله على جناحه متخطيا القادوس وينزله بسلام في جهة المقابلة لم يعد لنا ما ننكره هنا أكدت السيدة على كلامها وهي تتابع سرد القصة ألم ترى الرعب الذي كان فيه “ميمون صعصع” وهو يقسم كصاحبه ويؤكد أن قطة سوداء إعترضت طريقهما وهما يحاولان سرقته وتكلمت معهما وأمرتهما بالرجوع ولم يسمعا كلامها حتى نالا جزائهما إلى هنا لم أجد تفسير لكلام “لينݣوص والميمون” وإطلاقهما لهذه الإشاعة أم أن المخدرات والأقراص المهلوسة التي يستعملونها جعلتهم يتصورون أشياء لا تمس للواقع بصلة وعادت أمي إلى أسطوانتها ليست القديمة بل هذه الحديثة التي سجلت عليها كرامات إبنها وبركته التي عمت الحي فجأة بين عشية وضحاها “ها العار أولدي إلا ما عاون هاد السيدة راك زعما شريف ولد الشرفا ما تردهاش بلاش” كأنما السيدة الزائرة كانت تنتظر هذه الجملة فقط لتبدأ بالبكاء والنحيب “ها العار أشريف قصدناك والمقصود الله بغيناك إلى ما تشوف فهاد الوليد ديرو بحال خوك الصغير” بدأت أقلب هذه الأحداث الجديدة في رأسي وفجأة برزت في رأسي فكرة جهنمية مفاجئة أعجبتني وبدأ دم الشباب يعود إلى عروقي من جديد…يتبع