ذهبت عند أخي الصغير طالبا منه الاستفسار عن هذه الأمور الغريبة التي تحدت معي في درب المهابيل هذا …وجدت أخي كعادته واضعا عدته من علب السجائر المختلطة بين المهربة و المحلية الصنع وهو يجلس في رأس الدرب قرب عمود الكهرباء بادرته بالتحية ” فين أنوفل كيداير بخير ” نظر إلي بسرعة خاطفة وهو يحسب بعض الدرهم و الأوراق المالية مدخول اليوم و تنهد قائلا ”والو غير كندبرو على بعض الصرف نعاون بيه الدار ” كانت مثل هذه الجملة أن تذبحني من قبل وتسود عيشتي ولكن الكم الهائل من الصدمات التي تلقيتها بحياتي و مرارة الأحداث خصوصا بعد وفاة الوالد جعلتني أتقبل كل شيء ومستعد لأي كارثة سوداء تقع على رأسي فقد لمت نفسي مئات المرات بل الآلاف وجلدتها بسوط العزة و الكبرياء الذي أورثني إياه أبي إلا انه كما يقال ( زمان كي حنث )…
لم أكن أرحم نفسي علاوة على أهل و الجيران و الأصحاب كلهم ينسون ماضيك و نجاحاتك ولا يتذكرون ولا يذكروك إلا بفشلك و انهزامك ولقد كانت هذه هي أمانيهم و أحلامهم من قبل أن يروني في الحضيض وفي قاع الذل و الانكسار فالجوائز التي كنت أحصل عليها أيام الدراسة و النجاح الذي كنت أحققه كل عام على التوالي و النقاط الكبيرة التي كنت احصل عليها وتنبؤات أساتذتي لي بمستقبل زاهر كل هذه الأشياء و غيرها جعلت مني محطة للحسد و الغل الدفينين في نفوس البشر فما إن سقطت حتى كثرت السكاكين و السواطير… فعلا لقد قالها احد علماء المغرب الناجحين في الغرب أثناء محاضرة دولية حينما سأله صحفي عربي عن الفرق الذي وجده العالم بين المجتمع العربي و المجتمع الغربي كان رد العالم آنذاك مفاجئ للصحفي و للحضور ولكن كانت إجابته تختصر حقيقة مجتمعاتنا العربية وتعريها عن بكرة أبيها فقد رد العالم على الصحفي العربي بحكمة بالغة قائلا ” صراحة ما وجدت بين المجتمع العربي الذي عشت فيه سنين و المجتمع الغربي الذي استقبلني سنوات وجدت فرقا شاسعا كفرق السموات والأرض فرقا يمكن أن يحي جيلا بكل عيوبه و نواقصه و هفواته و يمكن أن يقضي على جيل بكل ميزاته و حسناته و إمكانياته ” و هنا سأل الصحفي العالم الجليل ” سيدي يمكن إيضاح أكثر ”أجابه العالم” نعم بكل سرور فالغرب يا عزيزي يتبعون الفاشل و يولونه اهتماما خاصا ويرعونه رعاية محكمة ولا يقصرون من جهدهم إلى أن يصبح ناجحا في حياته و عضوا مفيدا لنفسه أولا تم لمجتمعه و بلده أما عندنا في الوطن العربي فهم يتبعون الناجح و يحبطونه و يضعون عراقيل في مسيرته و حفر مميتة في طريقه كفيلة بردمه طول حياته و يحاربونه بسلاح اليأس و العجز و التحقير حتى يصبح رجلا فاشلا و عضوا يضر نفسه أولا ومن يحيط به تم يضر بالمجتمع بأكمله ”…
فقلت لأخي الصغير و قد بدا راضي بالمدخول الذي حصل عليه اليوم “مزيان أخويا حتى أنا بعت واحد جاكيطة برانية جابت ليا 150 درهم في جوطية ” و قال لي وهو مبتسم “هاديك لبياسة أخويا كون ديتها لقريعة يعطوك ثمن راك عارف جوطية ناقصة شوية ” أجبته وأنا متحمس “المهم اليوم نضربو الكفتة وربي كبير” ثم سألته وقد كنت تذكرت سبب مجيء إليه “قل لي أخي ماذا يحدث في الدرب اليوم فالكل يعاملني معاملة ناقصة “با الحسين” لم يبعني الجرائد المعتادة وقال لي لم تأت اليوم “والبراهش” يتتبعون ظلي كالمجانين ماذا يحصل هنا “انتفض أخي هو الأخر كمن لدغته أفعى ونظر إلى ما تحت قدمي وهو يتحقق من ظلي كالآخرين فلما وجد ظلي الذي عاد مهما هذه الأيام أكثر من وجود الشمس بذاتها تنفس الصعداء وقال لي “لا أخفي عنك أمرا يا أخي فلقد بدأت تروج عنك إشاعة في الحي ” أجبته وأنا مستغرب “إشاعة أي إشاعة هذه يا أخي” قال لي بصوت خافت “يقال يا أخي أنك تزوجت بجنية بنت ملك الجان ” قلت وأنا أحاول أن أخفي ضحكتي “وماذا بعد ” يقال يا أخي أنك رزقت منها بأولاد” ثم التفت يمينا ويسارا كأن شخص ما ينصت علينا أو أنه فار من العدالة وقال بصوت خافت أكاد أسمعه “يقال أنه لما أنجبت منها أطفالا واختلط الدم الإنسي مع الجني فقد أصبحت منهم ” فسألته وأنا غاضب “أصبحت من من أيها المعتوه أكمل” ثم أغلق أخي عينيه وبدا يتلو المعوذتين وبعض الآيات وهو يتلعثم فنهرته قائلا “أنت صلاة ما كتصليهاش ودابا خدام كتعرض عليا فستين حزب أو غير كون كنت حافظ خدام غير كتخربق نطق قولي أش كاين” أجابني وهو يرتعد “زعما وليتي جن أخويا داكشي علاش كانوا دراري صغار كيشوفو واش باقي عندك الظل أو لا ” وهنا صعدت إلى سطح رأسي فكرة إستغلال هذه الإشاعة وقلت مع نفسي “شعال ديال اللعاقة غندبر فيها و ناري غنولي أنا هو بيل غيتس” ثم قلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ما هذه الخرافات و الخزعبلات التي سأسترزق بها ثم نظرت إلى أخي وسألته غاضبا “دابا شفتي الظل ديالي ومالك خدام تتقفقف بحال شي فلوس كابين عليه لما كنت نصحابك كبرتي و ترجلتي ديك الساعة نت باقي غير برهوش مصرفق” سألني أخي وهو مازال غائبا عن الوعي “فين غادي دابا واش غادي طير عندها وتمشي لجزيرة الواقواق باش تغدى مع نسابك” نهرته وأنا غاضب ” شنو أش تتقول ” فقال وهو خائف “امتى غدي ترجع باش نقولها لمي” أجبته وأنا اصرخ “ما راجعش أسي” قال أخي بصوت غير مسموع “صافي غادي راجع عندها ما فيهاش” تركت أخي المعتوه وتوجهت صوب المقهى الشعبي الموجود بالحي ابحث عن بعض التسلية وبعض المتعة جلست في مكاني المعتاد أشاهد التلفاز العملاق وكانت قناة ناسيونال جيوغرافي هي البديل إن لم تكن هناك مباراة كرة القدم جلست أشاهد تزاوج العناكب وكيف يضحي ذكر العنكبوت بحياته كلها لمجرد بضع ثوان من المتعة وأنا غارق في المشاهدة إذا بي اسمع صوتين معروفين عندي بوضوح صوت عبد “الواحد لينكوص” وصوت “ميمون صعصع” يهمس الأول قائلا لثاني “عرفت هاد دوبل طيط” أجابه الأخر “مالو” “راه طاح على واحد جنية بنت ملك الجان مشبعاه فلوس وكنوز ومرجان” فتح “صعصع” فمه كالأبله “أش تتقول أصاحبي” أجابه الأخر وهو يبتلع ريقه “اييه أسي راه جاتني خبارو وشتي راه كيمشي لجوطية وخوه صغير كيبيع الديطاي هاد شي كامل غير غنار باش يحيدو عليهم التابعة راهم غارقبن ذهب ولويز” وهنا برزت فكرة غريبة في راسي……يتبع