…رجعنا من رحلة مراكش عدنا والعود أحمد عدنا من شمهروش بخفي حنين بالنسبة لي وبالنسبة للواليدة حفظها المولى عز وجل لي وجعلها تاج فوق رأسي فأمي المسكينة كانت تظن أنها ستتخلص من زوجة إبنها المنحوسة وترتاح من وجود الجن في بيتها ومن أحفادها العفاريت فكنت أمازحها ونحن عائدون “صافي عفطت على الكبدة ديالك وبغتي تجري على حفايدك” فتجيبني بجدية المسكينة “ما عندي ما ندير بها هي جنية كحلة ولكن ولادك كيبقاو فيا أولدي كدت أن أنفجر من الضحك وأنا في الحافلة مع أمي وبقية المسافرين إلا أنني حاولت أن أرغمها على الإبتسام قليلا فقلت لها صافي الوالدة مرة أخرى “نت لي غتختاري لي جنية لغادي نتزوج بيها أجابتني أمي وهي ترتعد من الخوف وتبصق في صدرها وتقول تف تف تف بسم الله الرحمن الرحيم اجبدنا السمن ولا العسل أولدي أش داك تݣول هاد الهدرة ياكما ولفتي عشرة جنون ضحكت بصوت منخفض وقلت لأمي واييه الوالدة ومنكدبش عليك هادي شي شهر وأنا كنشاطي مع واحد جنية ألمانية و صافي نضيت معاها الشغل فالصيف غاتصوبلي الوراق استشاطت أمي غضبا وقرصتني في فخدي الأيمن وهي تقول بإنفعال ياك الخانز علاش ما ݣلتيهاش لسي فقيه كون هناك منها بركا علينا غير وحدة…
وهنا ضحكت ضحكة عالية مجلجلة صاخبة فقد أحببت أمي للأشياء عديدة لن أجدها في امرأة أخرى أبدا أو حتى عفريته من الجان كما تدعي أمي فالوالدة عندي قلبها يضم رحمة العالم وبراءة الأطفال جميعا أظن نفسي سأرغمها على الضحك هذه المرة فقلت لها أمي جنية بعدى ما تكلفني والو لا صداق لا عرس لا برطمة لا مولاي بيه كتسكن غير في لقنات ديال الدار وراها ما طامعاش فيا وما باغا حتى ريال” أجابتني أمي بجديتها البريئة ومالها أولدي فين غتلقى فحالك في الزين والطول والتجريدة ما شاء الله عليك أولدي وخلاص دائما ما تصدمني أمي بهذه الكلمات التحفيزية تمنيت لو أن كل نساء العالم يروني بعين أمي ولكن أمي ليست ككل نساء العالم تحسست أذناي الطويلتان وجبهتي الواسعة عن الحد وقلت في نفسي هذه علامات الجمال تظل تميزني عن الأخرين كيف لا وأنا حتى بنات الجن سقطوا في غرامي وهواي وبالتأكيد من أمي والسي الفقيه بنفسه وضحكت ضحكة ساخرة في نفسي من ما أقول فأنا أعي إمكانياتي وقدراتي جيدا حتى اينشتاين لم يكن وسيم المظهر ولكن كان أذكى رجال في تاريخ البشرية منذ عهد أدم إلى يومنا هذا فالرجال لا تقاس بالشكل وإنما تقاس بأعمالها وأفكارها…
قطعت أمي عني تسلسل أفكاري وهي تربت على كتفي بلطف ولدي “فين سرحتي أجبتها وندمت على إجابتي بعدها والو الوليدة غير كنضحك معاك وصافي واش كاين شي مرة تقبل عليا أمي لا إنسية ولا جنية لا خدمة لا ردمة لا مشروع لا فلوس لا والو بطالي ربعة وعشرين ساعة على ربعة وعشرين ساعة حتى فلوس القهوة تانخدهوم منك أخر مرة شريت فيها قميجة كانت ست سنين هادي وعاد باق تقبل بي شي وحدة الوليدة وهنا أخرجت إلى السطح الأم المكلومة التي تكتم في صدرها وتخبي وتحمل في صدرها ما يعجز عن حمله الجبال والبحار أخذت أمي تولول وتبكي وتقول الله يا ولدي حبيبي لا زهر لا ميمون بحال الناس ولا عائلة كبيرة تهز بيك كل شي حاسدك وتابعك أولدي ما عمرك سقطتي كنت كتجي أنت الأول ولاد العائلة وولاد الدرب كلشي كان حاضيك أولدي الله يا ولدي قاطعتها وأنا أرغبها وأتوسل إليها وأقبل رأسها أمي الله يرحم الوالدين حتى للدار وأري ما تبكي وتخوي لي في صدرك أمي عافاك إلا… قاطعتني هي هذه المرة وهي تصرخ وتقول خليني أولدي أنا دبا ما كيهمني حد الناس هما لخرجوا عليك وتبعوك وعينوك وحطموك ومخلاوني نفرح بيك بحال الناس وهنا كان علي أن أهدأ من حدة الموقف وأجبر أمي على السكوت والهدوء بعض الشيء فقلت لها أمي دخلت عليك بمقام النبي صلى الله عليه وسلم ياك أنت ديما تتحلمي تزوري داك المقام العالي نطلب الله أمي ما يحرمك من ذاك المقام ونديك أنا بيدي لتماك قولي أمين الوليدة بدأت أمي تهدأ رويدا وقالت أمين وهي تمسح دموعها وتصلي على الحبيب عليه الصلاة والسلام حتى نامت وصلنا إلى الدار البيضاء وصلنا إلى المحطة الطرقية ولاد زيان أخذت طاكسي صغيرة بصعوبة فائقة بعد شد وجدب في ثمن التسعيرة وبعدما رفضت أمي أن تركب في الطاكسي وأصرت على أن تأخذ طوبيس الذي يبعد بمسافة طويلة على المحطة رغم تقدمها في العمر والأمراض التي تحيط بها إلا أنها ما زالت كعادتها حريصة على مصروف البيت وعلى إنفاق المال برشاد وهنا برزت في رأسي فكرة لماذا لا يجعلون ميزانية الدولة للأمهات لربما أصبحنا من أغنى الدول بفضل حسن تدبيرهم ورشادهم في الإنفاق المهم أخذنا الطاكسي بعد أن أقنعت أمي بصعوبة واتجهنا إلى البيت بعدما أوصلت أمي إلى المنزل وقمت بإعطائها دوائها الخاص واطمأنت عليها نزلت إلى الحومة لأقتني بعض الجرائد التي تنتشر فيها عروض العمل وكنت غالبا ما أشتري جريدة “le matin” فهي كانت الرائدة في هذا المجال وقفت عند “با الحسين” وطلبت منه الجريدة كالمعتاد وإذا بي أفاجأ بأطفال الدرب يتغامزون ويتهامسون خلفي “ها هو جا تورق راسو كيداير خاصو غݣرن ويولي عمي الغول بلاتي أدراري أنا غنقوليكم أش كاين إقترب الصعلوك الصغير مني على مسافة صغيرة وهو حذر ونظر إلى أسفل من قدمي وصرخ كمن وجد ضالته لا لا أدراري غاضلمتوه راه باقي بنادم هاهو الظل ديالو هاهو نهرهم أبا الحسين وصرخ في وجوههم ابتعدوا أيها الأوغاد ودعوا الرجل عنكم بسلام يكفيه ما فيه نظرت إليه باستغراب وأنا أتساءل عن ماذا جدبي؟…يتبع