استغربت من كلام الصبية ومن جواب با الحسين ما هذا الفيلم الجديد الذي أتورط فيه نظر إلي با الحسين نظرة مريبة وغمغم قائلا “جنون هادشي لي بقا لينا صافي خاصني نبخر المحال عندي” ثم قال بصوت مرتفع ولدي خالد “هاد نهار مجاوش الجرائد سير بدل ساعة والتفت إلى الصبية الفارين وصرخ غاضبا وهو يقول واخا أولد بوشعيب حتى يجي باك في الليل أونݣليه دوك لبينتات لي كضرب نت وصحابك ورا المدرسة وخا عليك حتى يجي باك استغربت هذه المواقف الغريبة لا من با الحسين الرجل الطيب ولا من صعاليك الدرب فأنا رجل خجول محايد لا أرمي نفسي في المشاكل وأتجنبها إلا أن الكل يعلم أن غضبي مثل نهر الجارف فيمكن أن أحطم عرس بأكمله إن غضبت فقط برأسي رأسي التي كانت تحمل علوم أكثر من عشرين عام من الدراسة وما زالت مرصوصة مصفوفة منظمة في ذاكرتي وتحمل من معاناة و الحسرة ما يكفي لحرق روما من جديد وتحمل من النصب والاحتيال والدهاء ما يمكن أن يجعلني من أثرى سكان البيضاء إلا أن تربية الوالدين والحلال الذي كان يطعمنا منه الوالد وخلفيتي الدينية كلها أمور تمنعني من أذية أحد من البشر كل هذه الأمور التي ذكرتها محاطة بجمجمة أشد صلابة من الحديد…
فرأسي هذه خرجت لها رأس أخرى صغيرة مصاحبة لها وأظن أنها كانت هي السبب في ذكائي المفرط ونبوغي من الصغر وكانت نقمة ونعمة وسلاح ذو حدين فأنا أذكر دائما سخرية الأطفال مني في الصغر وتسميتي بـ “دوبل طيط” كنت في الأول أتعذب من تنمرهم علي وأخاف عند أول مواجهة معهم إلى أن كان يوما رأني أبي وأنا أضرب من طرف بعض الأشرار وألقى أرضا وأنا أبكي لم يتدخل أبي حينها بل مر وكأنه لا يعرفني وفي المساء بالبيت بعد أن عاد من العمل طلب من أمي أن تحضرني إليه وأن تغلق الباب ولا تترك أحدا يدخل علينا وبالفعل كان ذاك ما صنعت الوالدة وقفت وأنا مرتبك أمام أبي وهو واقف أمامي بهيبته وبطوله الفارع وبقبعته التي لم تفارقه يوم ما وينظر إلي نظرة مليئة بالحنان زادت من إرتباكي فبادرني بالسؤال لم كنت تبكي اليوم عند الظهيرة أجبته وأنا أحاول أن اخفي كدمة على وجهي إثر صفعة متنمر وغد لا شيء يا أبي مجرد شعرة دخلت في عيني أزاح أبي يدي التي أخفي بها الكدمة وبدأ يعالجها بيد خبيرة ثم وضع بعض من زيت الزيتون عليها وقال لا تقلق سوف تتحسن عند الصباح لا تخف ثم نظر إلى عيني مباشرة وقال لي لقد رأيت كل شيء حاولت أن أجد حيلة وأن لا أظهر بمظهر الجبان أمام أبي كأن أقول له أني تشابهت له مع طفل أخر فقلت له أبي إني…
وفجأة صفعني أبي على خدي السليم صفعة هائلة وقال وهو يعض على شفتيه من الغضب ليس ابن السي العربي من يتنمر عليه بعض الغلمان المراهقين أنظر لنفسك في المرأة ماذا ينقصك لتدافع عن نفسك ألست رجلا؟ لم أرى أبي في هذه الحالة الهائجة من قبل ولم تكن كلماته جارحة لي مثل اليوم سيكون درسا لي لن أنساه طوال حياتي سألني وهو منفعل أنظر إلي جيدا تمعن في كيف كنجيك نظرت إلى أبي وإلى بذلته الأنيقة وتناسق ألوانها مع الحذاء وقبعته الفاخرة التي لا تفارق رأسه وشعرت بالفخر والإعتزاز وأنا أقول سيد الرجال يا أبي أجابني وهو ما زال في حالته لا “كيفاش كنبان ليك” تأملت والدي بإعجاب فقد كان مثلي الأعلى في الحياة ولا زال فأجبته الكل يخاف منك ويضرب لك ألف حساب فأجابني وفاجأني وهو يقول “يلاه شوف فيا مزيان ثم أزال القبعة التي كانت على رأسه وأراني ما لم أكن أعلم أنه في أبي من قبل وقال لي وقد هدأ قليلا من إنفعاله “ها منين أولدي جبتي دوبل طيط والوذنين مقلشين ولكن ما عمرهم كانوا سبب في الفشل ديالي والإحباط بل بالعكس كانوا هم لكي خليوني نكون ديما كنقلب على المرتبة الأولى في حياتي وما كنتش كنرضى بولد المرة يشوف فيا شوفة ناقصة ولا يطيح مني” في الحقيقة كانت مشاعري مختلطة بين المفاجأة والفرحة فدائما كنت أتصور أبي أوسم رجل على وجه الأرض ولازال وتفاجأت قليلا برؤيته هكذا وفرحت لأن أبي مثلي الأعلى وسيد الرجال طلع مثلي أو أنا من طلع مثله وأن النجاح ليس مرتبط بشكل الإنسان أو لونه بل بإرادته وعزيمته وطموحه ومدى تمسكه بأحلامه وقال لي أبي وهو يخفت صوته قليلا أترى أمك الحسناء هل تعلم لماذا فضلتني على باقي الرجال قلت له في سذاجة لأنك زوجها أجابني لا أيها المغفل بل لأنها تعلم أني رجل بحق رجلا لا يستسلم ويتحمل المسؤولية بكل رجولة ولا ينهزم ثم كأنه تذكر شيء مهم وعاد إلى غضبه وأنت لماذا لم تدافع عن نفسك اليوم أمام أولئك الأوغاد هل ألجمك الخوف منهم أم أنك طفل لين تعود على دلع أمه وحنان أبيه أردت أن أدافع عن نفسي أمامه وقلت له إنهم كانوا أكثر مني يا أبي وأكبر سنا وجائوني من الخلف لو أتوني من الأمام لحطمتهم ضحك أبي رغما عنه وقال لي “سكت يا النصاب راني شفت كلشي هما غير عيروك وأنت عطيتها لبكى وزعمتيهم عليك كون وقفت ليهم عصبة وتحديت الزعيم فيهم كون قدرتي تربحو” أعجبتني فكرة الوالد إلا أنني إعترضت عليه قائلا “وابا وراني ما مطريني ما والو وما عنديش باش نضربهوم خاصك دخلني لاصال هاذ الشهر” أجابني أبي وقد نسي غضبه كعادته “غادي ندخل ولدي لاصال ولكن غادي نوريك واحد السلاح تغلب بيه أي واحد بغا يفهم عليك أجبته بسرعة وأنا أخمن وقال هذا سلاحك الخطير سألته كيف ذلك الوالد قال أنظر وسأبرهن لك تم إتجه إلى الدولاب الخاص به واستخرج منه قطعة خشبية صلبة كنا نستعملها في مناسبة عيد الأضحى وقال لي أنظر جيدا فرفع القطعة إلى الأعلى بكلتا يديه ثم ضربها بقوة على رأسه و كانت المفاجأة أنا العصا انكسرت بسهولة فقال أبي تذكر دائما أن ما تظن أنه نقطة ضعفك ربما هي نقطة قوتك ….يتبع