بقلم: طالع السعود الأطلسي
ضيعت قيادة الجزائر على نفسها وعلى المنطقة المغاربية، فرصة “لم شملها” مع المغرب… من معبر القمة العربية… حين “وفرت” كل الشروط ليغيب الملك محمد السادس عن القمة، “لأسباب إقليمية”، كما قال وزير الخارجية المغربية ناصر بوريطة.
فريق الترتيبات العملية والبروتوكولية الملكية المغربية، كان قل حل بالجزائر، قبل أسبوع من موعد القمة. وباشر التحضير لمشاركة الملك، شخصيا، فيها… تقديرا من العاهل لمبدأ المصالحة ولم الشمل وممارسته له، عربيا وإفريقيا… وانسجاما مع مبادرته بسياسة ونداءات “اليد الممدودة” نحو الرئاسة الجزائرية في عديد مناسبات…
القيادة الجزائرية، بدت غير مستعدة لاستقبال ملك المغرب… هي تحدثت عن لم الشمل العربي، وفي عمقها تستثني من ذلك المغرب… هي تعاديه وتستعديه وتسعى لشحن علاقاته معها بكل ما تملك من حشوات العداء… لأن القيادة العسكرية المستبدة بالجزائر جعلت من عدائها للمغرب مكون أساس من مكونات بنياتها ووجودها… وهذا قبل أن تحشر نفسها في القضية الوطنية المغربية وتشعل النزاع حول الصحراء المغربية، وتنمي فيه الورم الانفصالي الذي ترعاه منذ قرابة نصف قرن… الدعوة الرسمية للقمة، لم توجهها الرئاسة الجزائرية إلى الملك، إلا بعد تنبيهات من أمانة الجامعة العربية بأن القمة تنظمها الجامعة، وليس للبلد المضيف الحق في انتقاء ضيوفه من بين أعضاء الجامعة… وحتى حين وصل وزير العدل الجزائري إلى الرباط، حرص على التصرف بما يوحي بأن هذه الدعوة هي على مضض… صادا كل مجاملات الترحاب المغربي… سلم الدعوة وعاد مهرولا إلى المطار، ليتوجه منه إلى المطار العسكري في الجزائر الذي انطلق منه…
“الأسباب الإقليمية” التي قال ناصر بوريطة أنها سبب غياب الملك عن قمة الجزائر، تعني أن لا أسباب شخصية لدى العاهل لعدم حضوره القمة، لا صحية ولا انشغال طارئ…. السبب سياسي، خارج عن إرادة الملك وفي الجوار الإقليمي للمغرب… وهو الجزائر… وفقط في الأيام الثلاثة قبيل القمة “أبرقت” القيادة الجزائرية إلى المغرب بأنها ستحيط الحضور المغربي في القمة بمعاملات “استثنائية”، بما يعني أنه غير مرغوب فيه… خارطة الوطن العربي المستفزة للمغرب، والتي جرى سحبها والاعتذار عن زلتها، بعد احتجاج الوفد المغربي… منع الجزء الأكبر من الوفد الإعلامي المغربي من مغادرة مطار الجزائر وإرغامه على العودة إلى باريس، رغم أن طلبات الاعتماد الصحفي لذلك الوفد سلمت إلى القنصلية الجزائرية في الرباط، منذ بداية شهر أكتوبر… فضلا عن مواصلة العمل من جهة القيادة الجزائرية بقطائعها المغرب، وفي مقدمتها إغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الطائرات المغربية… وهل يصح “لم شمل ما” بدون تواصل وبدون رفع موانع الانسيابية الحركية في الحدود الفاصلة بين البلدين، برا، جوا وبحرا… وكان في ذلك الرفع، لو تحقق، ما يؤشر على إرادة فتح مسار جديد في العلاقات الجزائرية المغربية، ويعطي لقمة الجزائر ملموسة إجرائية لشعارها، الذي ملئ الدنيا وإن لم يشغل الناس. شعار لم الشمل العربي… وحري بمطلقه أن يبدأ في مد الجسور مع جيرانه.
الملك، صادق في مبادرته بمد يد الأخوة إلى الرئاسة الجزائرية… مبادرة تندرج عنده في مشروع استراتيجي، بأبعاد تنموية مغاربية، عربية وإفريقية… وفي منطلق ذلك المشروع جاء مقترح الحكم الذاتي، ومن بين مراميه انتشال القيادة الجزائرية من حالة إدمانها العداء للمغرب، والإصرار على تأجيج منازعتها في مغربية الصحراء… واستمر ذلك المشروع الاستراتيجي في إلحاح الملك على نداء القيادة الجزائرية إلى الحوار وإلى تغليب واجبات الأخوة على “دواعي” العداء… ولعل الملك لم يشارك في قمة الجزائر حرصا منه على صون فرص الحوار والمصالحة، ومنعا لاحتمالات أن تنتج مشاركته ما قد يزيد من توترات القيادة الجزائرية ضد المغرب… والعاهل مصر على نجاح سعيه للم الشمل المغربي-الجزائري… وزير الخارجية المغربية ناصر بوريطة، يقول في تصريحات صحفية، بان “الملك وجه دعوة للرئيس عبد المجيد تبون بزيارة المغرب” وعلى قاعدة الحوار المفتوح، الذي ألح عليه العاهل في خطابات متعددة له… وفي هذا تفسير واضح لخلفيات غياب الملك عن قمة الجزائر… لم تكن القمة، في أجواء التوتر الجزائري ضد المغرب، هي المناسبة لخدمة أفق المصالحة والحوار بين الدولتين… وقد يحدث فيها ما يزيد من اتساع الجروح بينهما…
ولهذا يتبين لكل من يعنيه الأمر، أن ملك المغرب لم يحضر القمة غصبا، إنما ليوفر عليها تبعات توتر هو عبئ على الأمة العربية… وها هو يعود إلى فتح مسار للأخوة وللمصالحة مع الرئاسة الجزائرية بهذه الدعوة المفتوحة للرئيس الجزائري… وإذ، ما صادفت الدعوة استجابة جزائرية، وهو المأمول، فستكون هي الإجراء الفعلي والهام الذي ستحققه قمة لم الشمل… ومن خارجها… وسيحسب لها، ولو أنه أطلق على هامشها…