الأزمة الأخيرة التي تسببت فيها الحكومة الإسبانية في علاقتها بالمغرب تثير و تعيد عدة أسئلة مرتبطة بطبيعة العلاقة بين البلدين، ففي الوقت الذي يبدو فيه المغرب ملتزم بحسن الجوار و بدعم إسبانيا اقتصاديا من خلال الأولوية التي أعطاها للمغرب للمقاولات البحرية، التي تشتغل في جنوب إسبانيا للصيد في المياه الإقليمية الأطلسية بالجنوب الصحراوي المغربي، هذه المقاولات التي كانت قد تضررت كثيرا جراء توقف اتفاق الصيد البحري قبل أن يتم تجديده مع الإتحاد الأوروبي، ثم موقف المغرب الواضح اتجاه الانفصال بإقليم كطالونيا، بحيث تعاطى رسميا و شعبيا مع الوضع هناك سياسيا و حقوقيا نتيجة الخروقات و الاٍنتهاكات بشكل أخلاقي و مبدئي مع الوضع هناك، و لم يستغل الاٍنتهاكات الخطيرة التي مارستها الحكومة الإسبانية بهذا الإقليم ضد المطالبين بالانفصال، و لا المحاكمات التي وصفتها المعارضة الانفصالية الكطلانية بأنها صورية، بل ظل موقفه ثابتا و لم يستغل ضعف الدولة الإسبانية في تلك اللحظة و مواجهتها لخطر حقيقي يهددها بالتفكك، خاصة مع تراجع شعبية الملكية الإسبانية التي تم مواجهتها بتنازل الملك السابق خوان كارلوس عن العرش لابنه الملك الحالي فليبي و دفعه لمنفى اختياري خارج إسبانيا….
المغرب إعلاميا رسميا لم يشوش على المرحلة الإنتقالية الصعبة التي عاشتها و مازالت تعيشها إسبانيا و معها الملكية هناك.. بل أكثر من ذلك المغرب عندما حدد مياهه الإقليمية البحرية المنتزة في الأقاليم الصحراوية الجنوبية وفقا لقانون البحار و ميثاق الأمم المتحدة، أعلن عن استعداده للحوار مع الحكومة الإسبانية لتدبير هذه العملية، رغم أن الأمر هو حق مغربي خالص وفقا للقانون الدولي.
و مع ذلك المغرب بعد ترسيم مياهه الإقليمية، أعلن عن رغبته في الحوار مع إسبانيا، ليس من باب الضعف بل لاعتبارات أهمها العلاقة التي يعتبرها المغرب استراتيحية و تاريخية و مشتركة، هذه العلاقة و النظرة المغربية اتجاه الجار الإسباني قابلها في عدة محطات نوع من “الجحود” الدبلوماسي و السياسي، و في كل مرة كنا نجد بعض المبررات لتصرفات غير مفهومة من الحكومة الإسبانية اتجاه المغرب، و نعتبر أن الأمر قد يتعلق بتواجد حكومة هجينة بمكونات متناقضة قد تكون تمارس نوع من الضغط على رئيس الحكومة الإسبانية. و المغرب في ردود فعله، كان يحاول تخفيف هذا الضغط و تجنب اصطدام مباشر دبلوماسي للحفاظ على الاستقرار الحكومي الهش بإسبانيا…
كل هذا دون أن ننسى فضل الأجهزة الأمنية المغربية على إسبانيا التي جنبتها في عدة مرات بفضل المعلومات الاستخباراتية التي ظل المغرب يوفرها لهم بفضل جدية و استبقاية الأجهزة الاستخباراتية المغربية، التي كانت نوفر المعلومات الدقيقة هم إرهابيين و عن عمليات إرهابية كانت تهدد الشعب الإسباني. و كان للمغرب الفضل في تجنيب إسبانيا إراقة الدماء انتصارنا من المغرب لقيم الحياة و حفاظا على الأرواح و لأن المغرب كان و مازال يعتبر أن علاقته بإسبانيا يحكمها المشترك أكثر من بعض التفاصيل التي تريد التشويش على هذا الترابط الإستراتيجي.
هذه المرة، الأمر مختلف، يتعدى احتكاك دبلوماسي، أو تدافع سياسي لتحقيق مصلحة هنا أو هناك، فما قامت به الحكومة الإسبانية من استقبالها لزعيم مليشيات البوليساريو المسلحة، بهوية و جواز سفر مزورين، فيه عدة خروقات حقوقية، قانونية ثم سياسية:
خرق القواعد العامة القانون الدولي الإنساني، لأن هذا القانون بمختلف فروعه يدين ابراهيم غالي الذي حولته إسبانيا لمحمد بن بطوش، لأنه ارتكب جرائم ضد الإنسانية و يكفي العودة لضحايا جزر الكناري الذين يحتجون اليوم على هذا الإستقبال غير المبرر، فالتنظيم الذي ينزعمه المدعو إبراهيم غالي/محمد بن بطوش ارتكب مجازر حقيقية في حق صيادين إسبان تسببوازفي مقتلهم و هناك اليوم حركة مدنية قوية بجزر الكناري مشكلة من أسر ضحايا البوليساريو يطالبون بمتابعة و محاكمة كل من تسبب في مقتل مواطنين إسبان عُزَّل كل ذمتهم أنهم كانوا يصطادون بمراكبهم في المياه المتاخمة للجنوب المغربي.
خرق للقانون الإسباني، هذا الخرق يطرح عدة أسئلة حول الأسباب التي تجعل من الحكومة الإسبانية تقبل استقبال مطلوب للعدالة الإسبانية و هناك شكاية مواجهة ضده تتعلق بالإغتصاب و الاعتداء الجنسي من مواطنة صحراوية تحمل جنسية اسبانية، فالحكومة الإسبانية تتستر على مجرم مطلوب لدى قضاءها في جرائم جنسية!!! جرائم مدانة قانونيا و أخلاقيا، بل الحكومة لم تكتفي بذلك بل قامت بتعطيل العدالة الإسبانية من خلال قبول استقباله بهوية مزورة حتى لا تطالع يد القضاء، و وفرت له حماية سياسية لم توفرها هذه الحكومة لملكها و تركته يواجه السخط الشعبي للحد الذي أدى به للتنازل عن العرش.
خروقات سياسية تتعلق بطبيعة هذا الإستقبال في حد ذاته، استقبال جاء بناء على قرار سياسي من طرف رئيس الحكومة في تكسير غريب لقواعد حسن الجوار، و جعله يتدخل في القضاء الذي جعله اليوم محط شك و تشكيك كبيرين في نزاهته و لم يعد من حق هذه الحكومة أن تُعلق على الممارسة القضائية لبعض البلدان مادامت قد سقطت سياسيا و أخلاقيا.
المغزب وجه أسئلة مباشرة للحكومة الإسبانية ينتظر الجميع الإجابة عليها، و إن كان ما حدث للحكومة الإسبانية يجعلها غير قادرة على الرد و تقديم التوضيحات المطلوبة منها، فقد حدث لها ما يحدث لتلميذ كان يعتقد الجميع أنه مجتهد في النهاية ضبطه أستاذه في خالك غش كشفته و عرَّت حقيقة اجتهاده، و بدل أن تبحث على طريقة لمعالجة الموضوع بتطبيق القانون في حق المدعو المطلوب للعدالة المجرم ابراهيم غالي و تسليمه للقضاء بناء على مذكرة بحث الموجهة في حقه، تعمد الأيادي التي أفتت باستقباله بجواز سفر مزور و بهوية مزورة إلى دفع حرية الموند المعروف خيوط ارتباطها اليمنية الرجعية بفبركة حوار مع ناصر الزفزافي و نسب مواقف لم تصدر عنه فقط لمحاولة الضغط على المغرب.
في النهاية سؤال مفتوح و لو أن المغرب لن يفكر فيه، ماذا لو فكر في استقبال رئيس الحكومة الكطلاني السابق بودجيمون المطلوب للقضاء الاسباني و هو لم يرفع يوما السلاح في وجه إسبانيا كما فعل المدعو إبراهيم غالي، ماذا سيكون موقف إسبانيا و يمينها الرجعي و صحفيو الموندو!!!
نوفل البعمري