الرباط: مشاهد24
على الرغم من بداهة القول بخطأ التعميم تجاه أي حكم على ظاهرة معينة، أو إطلاق أوصاف وأحكام قيمة على ظاهرة أخرى، إلا أن تكرار سلوكيات معينة من طرف جماعة معينة، أو اشتراك مجموعة ما في صفات وسمات محددة، يجعل الناس تتجاهل البديهية السابقة، وتطلق أحكاما تحمل صفة التعميم، إن لم تنطبق في جميع الحالات، فهي تنطبق في معظمها.
مناسبة الحديث، هو التناغم الأخير الذي أبداه فصيلان “إسلاميان” (أو هكذا يصفان نفسيهما) مع التيار الرئيسي في نظام الحكم العسكري في الجزائر، عندما دعيا إلى تفعيل منظومة اتحاد المغرب “العربي” من دول الجوار الثلاث: تونس والجزائر وليبيا، وإقصاء المغرب بحجج أوهى من بيت العنكبوت. ونتساءل هنا: هل هي محض صدفة أنه من بين عشرات الأحزاب المغاربية، بأطيافها الأيديولوجية المختلفة، أتت دعوات التفرقة ومعاندة الوحدة الترابية للمغرب، من قبل أحزاب “إسلامية” في تونس والجزائر، وليس من غيرها؟؟!!! ولو وسعنا دائرة التساؤلات، هل تملك هذه الأحزاب “الإسلامية” إجابة واضحة على الأسئلة التالية: لماذا خرجت هذه الأحزاب لتعبر عن دعواتها المشبوهة والمسمومة في هذا التوقيت بالذات، متساوقة مع “السعار” الذي تبديه أروقة الحكم العسكري المختلفة في الجزائر، تجاه النجاحات الدبلوماسية المغربية الأخيرة؟! لماذا لم تتذكر هذه الأحزاب جمود هذا الاتحاد المغاربي طيلة العقود الثلاثة الماضية بسبب إقفال الحدود الجزائرية مع المغرب، وقطعها للتواصل بين تونس وليبيا من جهة، والمغرب وموريتانيا من جهة أخرى؟! لماذا لم تتجرأ هذه الأحزاب على الجهر بحرمة تقسيم وتجزئة أراضي دولة إسلامية عريقة، أم أن وحدة البلاد والعباد ليست من بين مقاصد الشريعة المعتبرة وفق معتقداتهم؟! لماذا لم تحترم هذه الأحزاب مرجعيتها الإسلامية التي -وخلافا للمرجعية الدولية- تعتبر أن “البيعة” الثابتة شرعيا وقانونيا وتاريخيا بين شيوخ الصحراء المغربية بشقيها الغربي والشرقي وملوك الدولة العلوية، وحتى قبلها، هي “رابطة سيادية” بل وتكاد البيعة أن تكون الرابط السيادي والقانوني والشرعي الوحيد الذي يربط الحكام بالمحكومين في مختلف بقاع الإسلام؟!
إن وضع هذه الأحزاب المسماة، زورا، “إسلامية” لنفسها في خدمة أنظمة استبدادية، وانخراطها في مشاريع انفصالية أو مشاريع فيها تفريط بالسيادة الوطنية، هي ظاهرة تستدعي التوقف عندها دون الخوف من الاتهام بالتعميم. لقد كان هذا سلوك إسلاميي نظام الرئيس المخلوع حسن البشير تجاه قضية انفصال جنوب السودان، وانخرطوا بحرارة في حملة دفع الجنوبيين للاستقلال عن وطنهم الأم بحجة اختلافهم في العقيدة!! وكان هذا موقف السلفيين المصريين تجاه قضية تيران وصنافير وإنهاء السيادة المصرية عليها، لصالح المملكة العربية السعودية!! وهو كذلك موقف الكثيرين من “الإسلاميين”، سنة وشيعة، الذين يدورون في فلك النظامين التركي والإيراني، ضدا على مصالح أهلهم وأوطانهم، فهل يعقل أن تكون جميع هذه الحالات هي مجرد صدفة؟؟!!!
ولأن موضوعا بهذا العمق لا يمكن أن تناقشه مقالة سريعة، فإن الغاية هنا هي مجرد وضع الأصبع على الجرح، ولفت الانتباه إلى قضية نحتاج من قادة الرأي والمختصين في بلادنا العربية والإسلامية أن يمعنوا فيها النظر، حتى نحاصر التأثيرات الكارثية لهذه الأحزاب الموجودة دائما في خدمة “من يدفع أكثر”، ونمنع استثمارها لرصيد “الإسلام” الذي كان ولا زال، موضع جذب ونقطة التقاء تلتف حولها جموع المواطنين، عاطفيا على الأقل، وتعلي لذلك من شأن المنتسبين إليه، من شيوخ ودعاة ومفكرين وحركات وسياسيين.
إن الوحدة المغاربية أو وحدة أقطار المغرب “الكبير”، هي قضية مركزية تحتل مكانة خاصة في وجدان جميع المنتمين إلى هذه الجغرافيا. ولقدسيتها، لا يمكن أن تترك مهمة إدارتها فريسة بين أنظمة استبدادية وأحزاب سلطوية تعمل في خدمتها “تحت الطلب”. كما أن استحالة الجمع بين رسالة “وحدة” الأقطار المغاربية، ورسالة “تقسيم” هذه الأقطار، هو أمر لا يخفى على كل ذي بصر وبصيرة.
ختاما، يجب أن يحدد كل حزب أو تنظيم أو هيئة، حكومية كانت أم أهلية، موقفه ما بين المناداة بالوحدة قطريا وإقليميا، وما بين تبني التقسيم قطريا وإقليميا، إذا يستحيل نظريا وعمليا أن يؤمن أحد ما بالرسالتين في نفس الوقت. كما أن سيف التقسيم الذي يحسن الغرب رفعه والتلويح به ابتزازا، ليس مسلطا على رقبة المغرب فقط، بل هو كذلك فيما يخص الجزائر (القبايل) وليبيا (الأقاليم الثلاثة)، وعلى كل من يقول إنه ينتسب إلى رسالة وحدة المغرب الكبير أن يضع نفسه في خدمة الوحدة الترابية لكل من المغرب والجزائر وليبيا. عدا ذلك، فكل المواقف التي تسهل أو تساند أو تبرر أو تتفهم التقسيم في أي من أقطار العرب والمسلمين، هي مواقف مدانة ومجرّمة، أيا كان غطاؤها وأيديولوجيتها.