تقول الأنباء بأن لقاء الطاولة المستديرة حول قضية الصحراء ستنعقد أواخر شهر مارس الحالي، بحضور أطراف النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية. وليس يخفى على أحد حيوية هذا اللقاء الثاني لمائدة مستديرة غايتها بحث سبل الإنخراط في مفاوضات جدية باتجاه طَي صفحة النزاع حول الصحراء المغربية المزمن، والحابل بكل أسباب التوتر والتهديد بإشعال فتيل حرب شاملة في المنطقة، لن تكون في صالح دولها وشعوبها ولا في صالح الأمن والإستقرار الدوليين.
صحيح أن درجة إدراك طبيعة هذا الخطر تختلف من طرف إلى آخر من أطراف النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية، بدليل استمرار بعضها، ونعني القيادة الجزائرية، في نهج أساليب المناورة والمراوغة في التعامل مع هذا الملف من خلال زعم عدم كونها طرفا معنيا مباشرة فيه تارة، وهو يعني محاولة الدفع بجبهة الإنفصال إلى الواجهة بقوة، حيث يتم الإيعاز إليها وأمرها بإطلاق تصريحات التهديد والوعيد، والدخول في ممارسات استفزازية على الأرض، بشكل دوري، وخاصة عندما يكون العالم على موعد مع استحقاق إقليمي أو دولي، ومن خلال التستر على طبيعة ما يجري من مشاورات تارة أخرى، حيث يتم التعتيم الكامل في إعلامها الرسمي على انخراطها فيها، مكرهة، كما جرى في اللقاء الأول في جنيف الذي قدمته بعض تلك الوسائل وفِي مقدمتها موقع الإذاعة الوطنية الجزائرية على أنه لقاء ثنائي بين المغرب وجبهة الانفصال، دون أن تذكر الجزائر ولا موريتانيا بالإسم أو بالإشارة، وهو تزوير كبير للحقائق يبدو أنها لم تتخل عنه بعد، نظرا لتكتمها الكامل حول لقاء وزير خارجيتها عبد القادر مساهل مع المبعوث الشخصي للامين العام للأمم المتحدة مؤخرا في ألمانيا، مع ما رافق ذلك من التهليل بلقاء هورست كولر بممثلين عن جبهة الإنفصال تحضيرا للمائدة المستديرة الثانية في جنيف.
ومع اقتراب موعد هذا اللقاء الجديد يصبح مفيدا طرح بعض الأسئلة برسم المائدة المستديرة باعتبارها أسئلة لا مناص من التعامل معها، بشكل مباشر أو غير مباشر، وهي أسئلة أربع في مجملها: أي سؤال المغرب أولا، وسؤال الجزائر ثانيا، وسؤال موريتانيا ثالثا. والسؤال الأممي رابعا.
أولا السؤال المغربي
سؤال المغرب واحد، في جوهره، وإن تعددت المداخل إلى طرحه، وتنوعت التصورات حول الإجابة عليه، بل ورغم اختلاف درجة حدته وملحاحيته، من فترة إلى أخرى، نظرا لسياقات طرحه بالذات، على مستوى الداخل كما على مستوى الخارج الإقليمي أو الدولي على حد سواء.
ويمكن صياغته كالآتي: متى يغلق ملف هذا النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، لينكب المغرب على مشكلات التنمية بمختلف مجالاتها وفِي مختلف أقاليمه بغض النظر عن موقعها الجغرافي وخصوصياتها الممكنة ثقافيا واجتماعياً ومشارب سياسية أو إيديولجية؟
وهو سؤال يحمل المجتمع الدولي، وعلى رأسه مجلس الأمن الدولي، مسؤولية الدفع برعايته لملف النزاع المفتعل هو الصحراء إلى مداها البعيد، وهو السهر على بلورة الحل السياسي الدائم والإستفادة من مبادرة الحكم الذاتي الموسع التي تقدم بها المغرب في سياق البحث عن هذا الحل المنشود، دون أن يوضع أمام المجلس أي مشروع آخر للحل يمكن اعتماده في هذا الاتجاه.
ثانيا، السؤال الجزائري،
ومفاده: كيف يمكن عرقلة مساعي المغرب لمنعه من الوصول إلى جوابه في ما هو جوهري من سؤاله، وهو إغلاق ملف النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء خارج تحقيق الأهداف المتوخاة من افتعال النزاع في الأصل، وهو فصل أقاليم الصحراء المغربية عن الوطن الأم وإقامة كيان قزمي تابع للجزائر في مختلف المجالات، بما في ذلك حياته، ككيان هزيل لا يد له في أي مجال من المجالات باستقلال عن استراتيجية التوسع والهيمنة الجزائرية، حيث يشكل إضعاف المغرب الحلقة الأولى الدائمة منها، على اختلاف الأشكال التي قد تأخذها، بين تفتيت الوحدة الترابية للبلاد وبين الحيلولة دون تحقيق تطلعاته في التنمية الشاملة.
وهو سؤال لا ينم عن فهم حقيقي لتطورات الأوضاع المحيطة بالملف وخاصة دعوة مجلس الأمن الدولي إلى اعتماد الحل السياسي واعتبار الجزائر طرفا أساسيا من أطراف النزاع علاوة على فهم مغزى طرح المغرب لمبادرة الحكم الذاتي الموسع، باعتبارها خشبة نجاة للجزائر أساسا لإخراجها من ورطة استراتيجية لا مخارج لها لأن المغرب لن يتخلى عن أقاليمه الصحراوية مهما كلفه ذلك من ثمن. وهو قرار يحظى بإجماع وطني لا شك في قوته واستمراره.
ثالثا،السؤال الموريتاني:
وهو سؤال ذو أبعاد مركبة إلا أنها تصب في اتجاه واحد. وهو كيف يمكن الوصول إلى حالة استقرار وأمن إقليمي يجنب البلاد مخاطر التأثر من أي نزاع ساخن بين المغرب والجزائر على حدودها، خاصة أن إحدى أدوات هذا النزاع هي جبهة البوليساريو الإنفصالية التي قاعدتها الواسعة من المنحدرين من موريتانيا والذين يحتفظون، إلى حد الآن، بعلاقات القرابة مع جزء هام من سكان البلاد، وهو وضع يمكن استخدامه، عند الحاجة، للنيل من استقرار البلاد ذاتها، وليس فقط تغذية عدم الاستقرار في جوارها القريب جدا. خاصة أنها عرفت سابقة خطيرة في هذا المجال، في السنوات الأولى من اندلاع النزاع المفتعل حول الصحراء عندما ركزت استراتيجية التدخل الجزائري على موريتانيا باعتبارها الحلقة الأضعف داخل أطراف اتفاقية مدريد حول الصحراء، وقد بلغ الحد بذلك التدخل محاولة إسقاط النظام الموريتاني بقوة السلاح عندما تم تنظيم هجوم عسكري واسع النطاق على العاصمة نواكشوط بقيادة الأمين العام الأسبق لجبهة البوليساريو مصطفى الولي الذي قتل في الهجوم. ولَم تتوضح بعد ظروف مقتله؛ هل هي نتيجة للمعركة التي انخرط فيها، بوعي وسابق إصرار أو هي نتيجة مؤامرة مدبرة، لتصفيته الجسدية لإفساح المجال واسعا أمام العناصر الأكثر انقيادا لتوجهات وخطط الدولة الراعية للجبهة الانفصالية والتي ليست دولة أخرى غير الجزائر. إذ ليس ممكنا نسيان أن من كان مكلفا بقيادة العملية العسكرية ضد موريتانيا هو ابراهيم غالي رئيس الجبهة الانفصالية الحالي والذي تذرع حينها بمرض ألم به لا يسمح له بتنفيذ المهمة فتكفل بذلك الوالي فذهب إلى حتفه.
رابعا،السؤال الأممي:
وهو سؤال معقد يتراوح بين ما هو مرتبط بالقانون الدولي وضرورات مراعاة الشرعية الأممية وبين ما هو مرتبط بالمصالح الإستراتيجية الإقليمية للدول العظمى منذ انطلاق النزاع في ظروف الحرب الباردة، إلى الواقع الراهن، الذي لا يختلف، في عدد من أبعاده، عن الإرهاصات الأولى باتجاه إعادة الحياة إلى ظروف وسياقات الحرب الباردة، وإن اتخذت أشكالا أخرى، وظهرت بعناوين ليست بالضرورة تكرارا للعناوين القديمة.
وهنا يمكن القول إن طريقة تعامل مجلس الأمن الدولي والدول دائمة العضوية فيه مع ملف الصحراء والنزاع الإقليمي المفتعل حولها بمثابة اختبار فعلي على مستوى المنطقة، على أقل تقدير، لمدى خروجها النهائي من منطق الحرب الباردة، واستقطاباتها الإقليمية، أو كونها تعود إليه من جديد من خلال إطالة أمد هذا النزاع إلى ما لا نهاية.
السؤال الثاني مكرر
وهو موقف جبهة الانفصال
ومفاده: انظر الموقف الجزائري أعلاه، لأنه أصدق تعبير عن استراتيجية دولة لها اليد العليا، على كل شيء بالنسبة للجبهة الانفصالية ومؤسساتها التي ليست غير جيوب ضمن كيان اسمه الجزائر، السياسية الاستراتيجية الدبلوماسية وغيرها. والحكمة تكمن في عدم الإعراب، لأن في بعضه تناقضا أو هفوات لم يعد مجالا للشك في كون العقاب عليها في مستوى الردع أو حتى التصفية الجسدية. فمن يجرؤ على التحدي؟