تغلق واشنطن كل ابواب المنطق بالأقفال الاسرائيلية، ولن يكون في وسع محمود عباس الوصول معها الى تفاهم الحد الأدنى على مشروع القرار الفلسطيني المقدم الى مجلس الأمن، والذي يدعو الى تطبيق قرارات الشرعية الدولية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في غضون ثلاث سنوات.
واشنطن تريد عزل مجلس الأمن عن القضية الفلسطينية لتبقى كالتسوية السلمية جثة في الثلاجة، وعلى رغم انها عجزت تماماً عن إنجاح التسوية إلا أنها لا تتوانى في مطالبة الفلسطينيين بمزيد من الإنتظار، ريثما تتمكن من اقناع حكومة القتلة في تل ابيب، بمعاودة المفاوضات من نقطة ترسيم الحدود ووقف الاستيطان والاتفاق على قضايا الحل الأخرى خلال عام.
واضح ان واشنطن ستستخدم “الفيتو” ضد مشروع القرار الفلسطيني وتطالبهم بانتظار طبخة البحص الاميركية التي توضع على الجليد الصهيوني منذ أن بدأت التسوية قبل ربع قرن، لكن السلطة الفلسطينية التي تحاول اقناع واشنطن بمشروعها، بدء المفاوضات فوراً لترسيم الحدود وانهاء الاحتلال، ستضطر الى التوجه الى المحكمة الجنائية الدولية طالبة محاكمة اسرائيل.
المثير ان واشنطن أصيبت بالحمى مثل اسرائيل، بعد الخطاب الرائع والحازم الذي ألقاه محمود عباس امام الامم المتحدة، عارضاً أحقية القضية الفلسطينية وشارحاً اليأس العميق من الحديث عن العودة الى المفاوضات اذا لم يكن هدفها انهاء الاحتلال وقيام دولة فلسطين على حدود ١٩٦٧ وعاصمتها القدس ووضع جدول زمني لتنفيذ هذا الاتفاق.
واشنطن اسقطت قواعد اللياقة الديبلوماسية و”الشراكة” المفترضة في البحث عن التسوية، عندما اعلنت وزارة الخارجية: “كانت في خطاب عباس توصيفات مهينة وهي في العمق مخيّبة للآمال ونحن نرفضها، انها تصريحات إستفزازية وغير بناءة ومن شأنها ان تجهض الجهود لخلق مناخ ايجابي وإعادة الثقة الى الاطراف”!
هذا بيان مغرق في الفظاظة والإجحاف وتزوير الحقائق، وخصوصاً بعد الفشل الفاضح لعهد اوباما في دورتين في ان يوقف ولو جرافة اسرائيلية واحدة عن هدم بيت فلسطيني او منع قذيفة واحدة من اسقاط سقف على رأس عائلة في غزة.
هل بات تعبير “ابو مازن” عن اليأس من طبخة البحص الاميركية أمراً مهيناً ومخيباً للآمال، وبماذا تأمل واشنطن، في أن يقوم نتنياهو بإلقاء الفلسطينيين في البحر او مواراتهم القبور فلا يعترضون او يصرخون لأن كلامهم وشكواهم من باب الإستفزاز على ما قالت جنيفر بساكي؟
وهل على الفلسطينيين ان يموتوا في صمت وان تهدم منازلهم على رؤوسهم وان يبقوا في التيه، فلا يشكو عباس او غيره، لأن الشكوى تزعج القتلة في تل ابيب وحماتهم في واشنطن الذين يعتبرون تعاميهم عن جرائم اسرائيل جهوداً بنّاءة؟
عن “النهار” اللبنانية