لا ضفاف للمهزلة. هذا ما يمكن قوله، في البداية والنهاية، عند التعرض لما يدعى الانتخابات الرئاسية الجزائرية. إذ ليس هناك انتخابات، في الواقع، وليس هناك، بالتأكيد، رئيس واقعي أو محتمل للجزائر، في الزمن المنظور.
إنها لعبة اللغة، لا غير. لأن المسرحية الهزلية لا تحتمل غير هذه اللغة. والأنكى في الأمر أن البروباغاندا الإعلامية الجزائرية حريصة، كل الحرص، على استخدام مجمل مفردات القاموس السياسي والدستوري، لإضفاء نوع من المعقولية على واقع سوريالي، هجين ولا معقول.
هكذا تم استدعاء مفردات الدستور والإلتزام الحرفي بمقتضياته، باعتباره النص المقدس للديمقراطية الجزائرية الفذة، كما تم اللجوء إلى مفردات الأحزاب السياسية والحياة السياسية، للتغطية على ما ليس منها من قريب أو بعيد. إذ ان الكل يعلم أن كل شيء قد فصل على مقاس القيادات العسكرية، التي تمسك بزمام الأمور ومن قبلها، هي بالذات، حيث ذكرت المؤسسة العسكرية من يحتاج إلى التذكير بأنها كاملة الجهوزية للسهر على الإنتخابات الرئاسية، وأنها لن تترك أي فرصة لمن يرغب في التلاعب بها. يا سبحان الله. كنّا نعتقد أن الدولة الجزائرية دولة مدنية تحكمها قوانين مدنية ولديها دستور مدني متقدم على غيره من دساتير العالم كما تم التسويق لذلك خلال السنوات الأخيرة. لكن ها نحن نكتشف أن لحظة مفصلية من كل العمليات الديمقراطية في مختلف جمهوريات العالم، وهي لحظة الإنتخابات الرئاسية، تكشف لنا الحقيقة الساطعة بأن وراء الستار ما وراءه، وأنه لا ينبغي الإعتقاد بما يعاكس حقيقة لم تتراجع، بشكل كبير، في الواقع الرسمي الجزائري، منذ انقلاب الراحل هواري بومدين عام 1965.
لكن يجب الإعتراف، لمن يحركون خيوط المسرحية، من مكان ما، في الجزائر، بكونهم، هذه المرة على الأقل، قد اعترفوا عبر الرسالة التي دبجوها باسم السيد عبد العزيز بوتفليقة بأن هذا الأخير مريض، وإن شفعوا ذلك بقولهم: إن كل واحد معرض للمرض وبالتالي، فلا استثناء هنا يدعو إلى القلق، ما دام السيد بوتفليقة يمتلك الإرادة الصلبة في مقارعة تحديات التنمية، كما جابه، في السابق، تحديات الوئام المدني والمصالحة الوطنية التي أنتجت نعم الإستقرار بالنسبة الجزائر.
ولعل ذروة المهزلة تكمن في أن محركي خيوطها يعتقدون أن الشعب الجزائري غر، وستنطلي عليه الحيلة. لكن من يلقي نظرة، ولو سريعة، إلى أسماء ” المرشحين” المنافسين وسيرهم الذاتية، وما أعلنوا إنها برامجهم لهذه العهدة، يتأكد له، دون أدنى ارتياب، أن الشعب الجزائري قد كشف اللعبة، وعرف تفاصيلها، فقرر أن يذهب بالمهزلة إلى حدودها القصوى. وكأن لسان حال هؤلاء يقول؛ نعم نحن لسنا في مستوى الترشح إلى الرئاسيات، لأن الشعب الجزائري يستحق من هم أكفأ منا وأقدر، ولأن التحديات التي يواجهها الشعب الجزائري تستحق أن ينظر إليها بكل الجدية الضرورية في مختلف المجالات، لكننا لسنا نرى أمامنا، في هذا الكرنفال، ما يدعو إلى أخذ الأمور بجدية، إذ ليس هناك أدنى قدر ممكن منها في الذي يجري أمام مرأى ومسمع الشعب الجزائري، والرأي العام الإقليمي والدولي.
بل وكأن لسان حالهم يقول: نحن أكثر جدية مقارنة بما يحدث على المسرح السياسي الجزائري، لأننا على الأقل حاضرون لحما ودما ويمكن للإعلام أن يتحدث إلينا كما يمكن للشعب أن يكون فكرة ملموسة عنا، وعن الكيفية التي ننظر بها إلى الأمور، بينما يحاول من يمسكون بخيوط المهزلة تكريس الطابع الشبحي للرئاسيلت والرئاسة، في بلد المليون شهيد.
الشعب الجزائري يستحق أن يتعامل معه باعتباره شعبا ناضجا وليس كما يتعامل مع القصر والأغبياء.
وعلى كل حال، فالأغبياء هم فقط الذين يعتبرون الشعوب أغبياء. وهذا ما حول الرئاسيات الجزائرية إلى هذا الشكل من المهزلة المفتوحة على المجهول.