أخيرا، تدعّم صف المناهضين لمخططات وزيرة التربية الوطنية الجزائرية نورية بن غبريط، ومن يقفون وراءها داخل القصر الرئاسي، والرامية إلى تعميم اللغة الفرنسية في مختلف أسلاك التعليم، بانضمام هيئة ذات ثقل تاريخي ملموس، هي “جمعية العلماء المسلمين الجزائريين”، التي أدلت بدلوها في ما أصبح يصطلح عليه محليا “فرنسة التعليم الجزائري“.
الجمعية، وفي بيان صادر عن مكتبها الوطني بتاريخ السادس عشر من أغسطس، حرصت على طرح موقفها دون لبس يحتمل التأويل، مما أسمته “ضبابية الرؤية والتسيير، وتوجهات مبهمة في الاستشراف والتخطيط” لن يسهما إلا في استمرار السياسات التربوية “التي أنتجت هذا الوضع البائس”، معتبرة أن مستويات التعليم في جميع مراحله بالجزائر قد أصبحت متدنية، تنتج حملة لشهادات علمية هي مجرد وثائق لا تعبر عن درجات معرفية أو مستويات فكرية، وبالتالي فهي ليست قادرة على تحقيق الإقلاع التنموي، على حد تعبير البيان.
وقسّم العلماء بلاغهم التحذيري إلى سبعة مستويات، يتعلق أولها بالمناهج والبرامج، حيث سجلت، وبقوة، أن “انفراد فئة ذات خلفية إيديولوجية غريبة عن الخلفية الحضارية للشعب الجزائري، أمر يتعين وطنيا وحضاريا العمل على تغييره” وهي إشارة غير مألوفة في مثل هذا الشأن، وتحمل دلالات هامة، توحي بفتح المعركة بين المدافعين والمناهضين عن النفوذ والهيمنة الفرنسية على مختلف المستويات بالجزائر. في ارتباط مع ذلك، جاءت مسألة اللغة العربية ثانيا، حيث شدد البيان على ضرورة “احترام الوضعية الدستورية لهذه اللغة”، مطالبا بتعميمها- بدل محاربتها- على جميع مستويات التعليم، وخصوصا في المستوى الجامعي والبحث العلمي، بما يقتضي تعريب المواد العلمية في مستوى ما بعد البكالوريا، على اعتبار أن “التاريخ الحديث والقديم لم يشهد نهضة لأمة أو شعب بغير لغته، ومن حاول ذلك من خلال لغة دخيلة فإنه يظل يئن تحت وطأة التخلف ويعاني تبعاته”.
وفي ما يخص اللغات الأجنبية، انتصر البيان للغة الإنجليزية كلغة ثانية على اعتبار أنها “لغة التواصل والنشر العلميين”، من الضروري تعلمها للحاق بركب الحضارة. وفي هذه النقطة بالذات، ندد البيان باعتماد اللغة الفرنسية وحدها كلغة للتفتح على العالم والعلوم والتكنولوجيا، معتبرا هذا الأمر “هو الانغلاق بعينه والتبعية”، مؤكدا في لهجة شديدة، موجهة مباشرة للوزيرة بن غبريط وداعميها، أنه لا يحق للمسؤولين عن شأن التربية والتعليم “أن يحكموا على أبنائنا بالعزلة العلمية والفكرية، ويجعلوهم مجرد مجترين لما تتفضل به علينا المؤسسات والدوائر الفرنسية من ترجمات لم يعد من الممكن اليوم أن نواكب بها سرعة التطور العلمي والتكنولوجي، وتداول المعلومات”.
وبنفس الحماس، دافع البيان عن ضرورة الاهتمام بتدريس مادتي التربية الإسلامية والتاريخ في جميع مراحل التعليم، وإعطائهما مكافئا مهما، والامتحان فيهما في جميع المراحل، معاكسا بذلك جميع الخطط التي ترعاها بن غبريط ومن يدعمها، معتبرين أن هاتين المادتين أساسيتان للتماسك الأسري الذي بانهياره تنهار باقي قلاع المجتمع تباعا.
وختم البيان بالمطالبة بالاستثمار في الإنسان عبر الاهتمام بالتكوين المهني وتوفير جميع الوسائل والتجهيزات العلمية، ووضعها رهن إشارة الطلاب، من أجل تمكينهم من تعليم وتربية راقيين. وأفرد البيان مكانة خاصة للتعليم في رياض الأطفال، داقا ناقوس الخطر في هذا المجال على اعتبار أن هذه المؤسسات “تعتمد في أنشطتها اللّغة الفرنسية وتعامل الأطفال بها، وما تقدمه من برامج ترفيهية بعيد في مضمونه ولغته عن واقع بيئتنا”، مطالبا بالعمل على تغيير هذا الأمر.
دخول هيئة بمثل رمزية “جمعية العلماء المسلمين”، وإن حاجج البعض بفقدانها للتأثير الفعلي، من شأنه أن يكسب معركة مناهضة “فرنسة التعليم الجزائري” زخما كبيرا، لما لكلمة الهيئة من وقع لدى المواطنين وأولياء التلاميذ، لاسيما أنها لم تكتف باجترار المواقف التقليدية المحافظة، بل تعدته إلى تشريح الواقع، وتبيان ما اعتبرته مواطن الخلل في الانتصار للغة يعتبرها جميع مناهضيها “ميتة” ونقصد الفرنسية، في مقابل لغة العلم والتواصل الإنجليزية، والتي تهدد جديا الفرنسية في عقر دارها.
وفي انتظار الأسابيع القليلة التي تفصلنا عن الدخول المدرسي والاجتماعي، يبدو الأمر مرشحا لمزيد من التصعيد، لاسيما إذا اختارت وزيرة التربية “الفرانكوفونية” بن غبريط الاستمرار في “معركتها”، واختار من يرعونها الاستمرار في دعمها بدل التضحية بها خلال التعديل الوزاري المرتقب.