لم يلقى قرار الحكومة الجزائرية بإدراج اللغات العامية في المدارس، ترحيبا في صفوف الجزائريين، والذين اعتبروه إحياء لمخلفات الفترة الاستعمارية الفرنسية، والتي تسعى إلى طمس اللغة العربية الفصحى.
جاء قرار وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط ليعمق الجدل القائم حول المشاكل التي يتخبط فيها التعليم الجزائري منذ فترة، حيث يرى بعض المهتمين بالشأن المحلي أن مشكلة التعليم أعمق من ذلك، نظرا لارتباطها بفشل السياسات التعليمية المتعاقبة التي تفتقر إلى الرّؤية الواضحة المتكاملة للعملية التعليمية بالبلاد.
إدراج وزارة بن غبريط للغة العامية في التدريس بالسنتين الأولى والثانية، كان بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، حيث خلف القرار ردود فعل واسعة لدى الرأي العام الجزائري، خاصة في صفوف المدافعين عن اللغة العربية من أحزاب إسلامية وجمعيات حقوقية محافظة، باعتبار أن قرار الوزارة جاء بناء على توصيات من حاشية بن غبريط “المفرنسين”، الذين يجسدون في نظر هؤلاء الفكر الكولونيالي، والذين يسعون إلى طمس هوية وثقافة الشعب الجزائري المبنية على أسس لغة القرآن.
ووجه منتقدو القرار، على رأسهم الإسلاميون، أصابع الاتهام لبن غبريط، بدعوى سعيها إلى إعادة الجزائر خطوات نحو الوراء، وإحياء الفكر الاستعماري الفرنسي، ما سيقود البلاد نحو تقويض اللغة العربية تحت راية الإصلاح.
ويتهم بعض المنتقدين على غرار أحمد بن نعمان، الكاتب والباحث اللغوي الجزائري، من أسموهم بـ”الكولون الجدد”، بالوقوف وراء مخطط القضاء على اللغة العربية في الجزائر ، مشيرا إلى أن اللغة العامية لا تمكن من تقريب المعاني كما ادعت بن غبريط، بل جاء القرار لـ”حاجة في نفس يعقوب الفرنسي” حسب بن نعمان.
وأضاف الباحث الجزائري أن قرار وتوصيات الوزيرة، التي تتلعثم في الحديث بلغة الضاد، يدخل في خانة الكلام الإيديولوجي الكولونيالي الصرف، على اعتبار أن العامية التي تسعى الوزيرة إلى إقرارها في الصفوف الدراسية هي لغة الأمهات الأميات، وبالتالي فإن الاستناد على العامية للتدرج في تعلم العربية الفصحى يعد مبررا واهيا وعاريا من الصحة.
وفي نفس الإطار، أكد الزبير دندان، أستاذ اللغويات في جامعة بلقايد أبو بكر في مدينة تلمسان، أن العامية أو الدارجة هو مصطلح عام يشمل العديد من اللهجات، والتي من الصعب حصرها في قالب ممنهج من أجل إدراجها في التدريس، مشيرا إلى أن لهجة تلمسان مختلفة جدا عن لهجة وهران، وقس على ذلك، ما يجعل من تطبيق القرار أمرا شبه مستبعد.
وتساءل البعض عن مدى نجاعة قرار وزارة بن غبريط في الرفع من جودة تعلم اللغة العربية الفصحى، والذي كان حريا به أن يقترح إدراج اللغة العامية لتعلم اللغات الأجنبية كالفرنسية على سبيل المثال.
وفي حوار مع صحيفة “الشروق” الجزائرية، أكد الباحث المغربي محمد الحناش، الخبير الدولي في مهارات الاتصال باللغة العربية، أن إدراج العامية في التدريس لن يجنب الطفل الصدمة النفسية التي تحدثت عنها بن غبريط، بل سيعمق من حدتها، خاصة وأن هذا القرار لا يستند على براهين علمية تربوية، إلى جانب افتقار العامية للقواعد والضوابط اللغوية كما هوالشأن بالنسبة للغة العربية.
وفي حديثه عن نجاعة العامية في حفظ الرصيد الاجتماعي للطفل، علق الحناش على ذلك بالقول “الرصيد الاجتماعي لا علاقة له علميا وتربويا بلغة الطفل”، مشيرا إلى أن اللغة بريئة من مراكمة الطفل لخبرته الاجتماعية.
وأكد الحناش أن الهدف من التراكم المجتمعي ليس التخزين وإنما قدرة الطفل على استرجاع بياناته حول المجتمع بطريقة سليمة.
إقرأ المزيد:الجزائر: اتهام “الطابور الخامس الموالي لفرنسا” باستهداف اللغة العربية
هذا ويبقى الجدل القائم حول قرار وزارة بن غبريط مستمرا، في ظل تنبؤ البعض بدخول مدرسي ساخن بسبب ردود الفعل المتباينة بين أتباع بن غبريط ومعارضيها من المحافظين .