بقلم: طالع السعود الأطلسي
القيادة الجزائرية، بمُحركها العسكري وبمُلحقه المدني، تواصل “بحماس”، عُدوانيتها ضد المغرب… وهي فيها مُتأصلة ومُسَوِّغ وجود… في حرِكيَّة لا تثير إلا الغبار، و”تَتَنَطَّط” في المجْرى العكسي للتاريخ… حركيَّة تقادمَت مُوَجِّهاتها وحالت ألوانها لسنوات خلت…
في ماذا تَصْرف القيادة الجزائرية كل جهودها حاليا؟ تصرفها في مُحاولة إنقاذ القمَّة العربية، المقررة في الجزائر، من التأْجيل أو الإلْغاء. ويهُمها أن تنجح في عقدها… وليس ″حُبّا″ في القمة ولا في الجامعة العربية… القيادة الجزائرية تتمنى عقْد القمة العربية لكي تُسجِّل نقاط ضد المغرب… وحتى وإن كانت تلك النقاط غير ذات مفعول، ولن تُحتَسب في مُحصلة مُنازعتها للمغرب في حقوقه… المهم لدى القيادة الجزائرية، في حالة عقد القمة العربية، هو إثبات قُدرتها على الشَّوْشرة والمُشاغبة ضد المغرب… لَعِبُ عِيَّال، يعني… وحالة مرضية، صالحة لعرضها على مختصين في طب النفس السياسي… إذا وجدوا…
القِمَّة العربية، لذاتِها، باتَت غير ذات جدوى للقيادة الجزائرية… ولن تُحقق لها ما كانت “تحلم” به من قرارات، قابلة للتسويق السياسي، وخاصة ضد المغرب… الجامعة العربية واصلت تجاهل التباكي حول ما تصفه، القيادة الجزائرية، “بالقضية الصحراوية” وأحكمت إغلاق موصلات ذلك العَويل إلى القمة العربية… هذه واحدة من مزايدات الجنرالات والتي تبخرت، فور النحيب بها، بعيدا عن “كيان” الجامعة العربية… ثاني المزايدات التي اختال بها مصرحو القيادة الجزائرية، وعدهم بأن تكون القمة نقلة نوعية في تطورات القضية الفلسطينية… حبَّذا لو كان ذلك ممكنا…
الرصيد الجزائري الضعيف في الموضوع والواقع العربي مضافا إليهما حالة الوضع الدولي، كل ذلك يؤشر على استحالة أن تقول القمة في الجزائر غير ما قالته قمم سابقة عليها في القضية الفلسطينية… والمُحتمل والأرجح، أن تطوف القرارات حول خط “الدولتين”… دعما، استغرابا، شجبا وإدانة… ولن تستطيع القيادة الجزائرية منع القمة من مساندة الرئاسة الفلسطينية، بقيادة أبو مازن، بالرغم من أن الرئيس الفلسطيني قال في الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن الشعب الوحيد المحتل في العالم حاليا هو الشعب الفلسطيني… وكان محقا في قوله، وطبعا ليس ذلك ما “تعزفه” القيادة الجزائرية منذ قرابة خمسين سنة… ولكن تلك القيادة بلا وزن في الوضع العربي، ولم يسبق لها أن قدمت، لا نظريا ولا عمليا، ما يُؤهِّلها بأن يكون لها رأي مسموع، في الشأن الفلسطيني… وأكثر ما يُغيظها، أن تعلو عليها المكانة المميَّزة لملك المغرب رئيس لجنة القدس، في منظمة التعاون الإسلامي، والفاعل سياسيا واجتماعيا، واقعيا وعمليا، في الوضع الفلسطيني… والمحترم فلسطينيا، عربيا ودوليا… مكانة تعلو عليها في كل المقاربات وفي قياس الاعتبار… أما ثالث المزايدات التي سوَّقت بها القيادة الجزائرية استضافتها للقمة العربية، فقد كانت عودة سوريا لموقعها في الجامعة العربية… مزايدة تحملت القيادة السورية، بحكمتها، فكها وتلفيفها في اعتذار سوري، أو ترفُّع، عن انشغال القمة بها…
القمة العربية في الجزائر، إذا ما توفرت شروط عقدها، لن تتميز عن سابقاتها بما قد يحفظ لها ذكر في التاريخ… المُتوقع، أن تُرَدَّد نفس نوتات القمم السابقة عليها، مع ما يصاحب الإعادات، في حالة المعزوفات المكرورة، من نفور وملل المستمعين… ولن تُحصِّل القيادة الجزائرية منها، لا فضْل ولا سبْق، ولا على ما يسمح لها بقرع طبول “الشماتة” من المغرب… كما كانت ترجو… إذن، ما الذي تتوخاه القيادة الجزائرية من عقد قمة “بيضاء” في بلادها… يجيبني على السؤال، قيادي سابق في “الأفَلان”، تقاعد عن العمل السياسي ويرغب أن يبقى في الظل حين يُفضي برأيه في التدبير السياسي الداخلي للجزائر. سيقول لي في حديث هاتفي: “صديقي، هل كنت صدَّقت أن جنرالات الحكم عندنا حريصون على أن تكون القمة العربية، هنا، مدخلا لتقويم واستنهاض الفعل العربي في مواجهة تردي الأوضاع العربية… إنهم يخططون لجعل تلك القمة فقرة من بين فقرات احتفالات ذكرى “الفاتح” من نوفمبر… يريدون لتلك الاحتفالات أن تعلو “أهازيجُها” على هُتافات التدمُّر الشعبي من التردي المتواصل للوضع المعيشي… يريدونها تنفيسا، ولو سطحي لاختناق الوضع الساسي… وجيِّد أن تكون بمشاركة عربية، يضيف مخاطبي. و خارج القمة و جلساتها، تخطط القيادة الجزائرية لإقامة احتفالية دولية، يشارك فيها القادة العرب وضيوف الشرف في القمة، من رؤساء وأمناء عامين لمنظمات وهيئات دولية، وطبعا، يضيف صاحبي مع رنّات ضحكة، “هذا سيهمك”… الجنرالات سيُقحمون “رئيس” البوليساريو، غصْبا، في تلك الاحتفالية، و يوفرون له أفضل الفُرص، لالتقاط أكبر حُزمة من الصور وإجراء أكثر عدد من المصافحات، خاصة مع القادة العرب… بما يُوفر له نوعا من “المشاركة” في القمة، و لو “مُطلا” عليها من النافذة ومن موقع المتفرج… فقط لاستفزاز المغرب، وفقط لمُشاكسته، عبر لا حدث، وعبر مفرقعات لعب أطفال… وستكون شوشرة بدون أثر لها على مجرى الصراع حول الصحراء المغربية، وبدون فائدة، لا قريبة ولا بعيدة، على الجزائر…”
نفس المشاغبة ضد المغرب والانشغال بمعاكسته، تابعناه، مؤخرا، وبأثر واضح للمخابرات الجزائرية، في التحرك والمناورة داخل بياضات الانتقال في الدولة الكينية، بعد الانتخابات الرئاسية، لكبح انحيازها للمغرب… ولاحظنا انحشارها لتوجيه طيش الرئاسة البيروفية وتدافعاتها الداخلية، ضد المغرب… كما تابعنا التحرش بوفد دولة جنوب السودان، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في محاولة فاشلة لاستنطاقه ضد المغرب، وبما لا تقوله دولته في جوبا…
المدّ السلمي الذي أطلقه المغرب، بمقترح الحكم الذاتي، حين بادر به الملك سنة 2007، و فيه منسوب عالي من الحكمة و من استقراء المستقبل، و مع توالي الأحداث و السنوات يحوز التبني الدولي له… و قد بات يسري في أوصال البوليساريو، و يخصب أسئلة المستقبل الحارقة لدى قواعدها و أطرها في تندوف و في لاس بالماس…ذلك المد، يزعج قيادة الجزائر، ويدفعها إلى انفعالات، تزيد من عماها السياسي… المغرب متحسس لمجرى التاريخ… ومجرى التاريخ، ينبذ هذه الصراعات المفتعلة والمرتبطة بالقرن الماضي، من نوع المنازعة الجزائرية حول الصحراء المغربية… قالها بدرو سانشيز، رئيس الحكومة الإسبانية في نيويورك، “العالم مَلَّ من هذا الصراع المتصل بالقرن الماضي”… المغرب اقترح مُضادا حيويا قويا للدّمل الانفصالي، في شكل حقنة واحدة من “الحكم الذاتي”… وهو ما نمَّى المدّ العالمي المستند عليه لإقرار الحل السلمي لنزاع مُزعج للعالم… لا بل سرى مفعول ذلك المقترح في مجلس الأمن، ليشكل خلفية قراره للسنة الماضية، وبدون اعتراض أحد من أعضائه… دليل التملُّك الدولي لثقافة التعاطي مع النزاع، مغايرة لثقافة نشأته في القرن الماضي… القيادة الجزائرية تتجاهل كل ذلك، وتواصل المكابرة ضد المغرب، وضد العالم وضد مصلحة شعبها، لأن العمى السياسي استشرى فيها… ويشُل قُدرتها على الانتقال لتدبير مصلحة الوطن الجزائري، والتوقُف عن خدمة التحكم العسكري فيه وامتصاص خيراته… وهي الآن منشغلة بمشاكسات كسيحَة المدى والأثر… في الوقت بدل الضائع وعلى هامش التاريخ… بينما المد السلمي المغربي منساب، ويرتفع منسوبه في انسجام مع مجرى التاريخ…