بقلم: نوفل البعمري
سنة 2021 صرح راشد الغنوشي، رئيس البرلمان التونسي آنذاك، عن رغبة تونس في بناء تحالف ثلاثي يجمعها مع الجزائر وليبيا يشمل فتح الحدود وعملة موحدة بين هذه البلدان، وهي التصريحات التي لم تحضى باهتمام كبير واعتُبرت أنها صادرة تحت تأثير الوضع الداخلي التونسي الذي انتهى بخروج النهضة من الحكم ووصول قيس السعيد، الذي اتخذ خطوة أكثر تصعيداً من ذلك التصريح اتجاه المغرب، وهي خطوة استقبال المدعو ابراهيم غالي بشكل رسمي تحت مبررات واهية. هذا الإستقبال أعاد للواجهة موضوع بناء تحالف ثلاثي في بعض الصالونات، بل انتقلت مواقع إلكترونية تابعة للبوليساريو تعيد الترويج لبناء مغرب عربي بين البلدان الأربعة مع استثناء المغرب، ويكون هذا التنظيم حاضرا معهم كطرف خامس بدل المغرب.
قد تبدو الفكرة مبالغ فيها، لكن كما يقال لا نار بدون دخان، و هي بالون اختبار للفكرة الأصلية التي عبر عنها الغنوشي، والتي قد تجد لها امتدادا في عهد قيس السعيد، الذي أصبح إعلامه منذ هذه الأزمة يستنسخ خطاب الإعلام الجزائري في مواجهة المغرب بنفس المصوغات “التطبيع”، “تقرير المصير”، “المغرب يجلس مع البوليساريو في الإتحاد الإفريقي”، في تكرار لنفس الخطاب من طرف إعلام قيس السعيد، مع ملاحظة أن راشد الغنوشي لم يخرج بأي تصريح رسمي له حيال استقبال ابراهيم غالي. وقد برر البعض ذلك بأنه قد بكون خل في مفاوضات غير رسمية مع السعيد مع وجود يد فرنسية، و هي نفس اليد التي باتت اليوم تتحرك في المنطقة للضغط على المغرب لتغيير تحالفاته الدولية، خاصة مع إسبانيا، ألمانيا و الولايات المتحدة الأمريكية ثم الصين.
المغرب لا يمكن أن يظل في موقع المتفرج أمام هذه التحركات حتى يجد ليبيا أو موريتانيا وقد انتقلتا من الوضع الحالي الى نفس الوضع التونسي الحالي، خاصة وأن فرنسا التي تحرك دماها في كل من تونس والجزائر عينها على ليبيا بعد أن خسرت مالي. وما قيس السعيد وتبون إلا “بردعة”، ليحاصر بهما المغرب و يبتزه، فما الذي يجب القيام به؟!
المغرب قدره التاريخي أن يكون عمقه المتوسطي والإفريقي والعربي بالشرق الأوسط دائما أقوى من شمال إفريقيا التي تظم دولا هشة، واحدة عسكرية وثانية تسير على خطاها وثالثة وضعها جد مضطرب ومازال السلاح هو الوسيلة لحسم الصراع داخلها، و رغم ذلك فهل يجب أن نستسلم لهذا القدر؟!
المغرب لعب دوراً مهما في ليبيا في طرح مبادرة تحولت من مبادرة مغربية إلى مبادرة أممية ترجمت في اتفاق الصخيرات، وقد كان الوضع قريبا من الحسم نحو إخراج ليبيا من وضعية الفوضى والسلاح التي عادت إليها للأسف، بسبب تدخل أطراف أجنبية خارجية، التي تريد لليبيا أن تظل على وضعها الحالي، وهنا التحرك المغرب يحب أن يعود للساحة الليبية لإعادتها لسكة الحوار الداخلي لأنه الإجابة على أي محاولة لاستغلال هذا الوضع المضطرب لجرها لأي تحالف قد يكون على حساب المغرب ومصالحه. وقد تكون عودة المغرب من خلال آلية إحياء اتفاق الصخيرات وبدفع مختلف أطراف الصراع السياسي للاجتماع بليبيا، كما قد تلعب دولا عربية أخرى اذا ما فُتح معها الليبي تأثير إيجابي على تطبيق اتفاق الصخيرات، وأقصد هنا الإمارات ومصر، اللذين إذا ما تم ربطهما بأي مبادرة، نظرا للمصالح الموجودة لهما في ليبيا، خاصة على مستوى المخاطر الأمنية-الإرهابية، قد يكون لهما دورا في إنهاء حالة الفوضى الحالية، فليبيا مستقرة هو آخر ما يريده العسكر الجزائري.
ثاني ملف محتاج لإعادة الانتباه إليه هو الملف الموريتاني، فالمغرب لا يجب أن يدير ظهره لموريتانيا، و لا أن ينسى خلفيته الثقافية والتاريخية بهذا البلد الشقيق. فموريتانيا لموقعها الجغرافي ودورها في المنطقة، يجب أن يظل المغرب منتبها لها، ودائم التواصل السياسي والمؤسساتي مع مختلف النخب الموريتانية بشكل رسمي أو غير رسمي مع تشجيع التحرك المدني الصحراوي المغربي مع نظيره الموريتاني، نظرا للترابط التاريخي والقبلي والأسري الموجود بينهما، و و امتداد قد يلعب دورا كبيرا في الحفاظ على علاقة متينة، قوية بين المغرب وموريتانيا، مع التشديد على أهمية أن يكون هناك تكامل اقتصادي مع مورتانيا، خاصة من حيث ربطها بالمشاريع التي تفتتح بالأقاليم الجنوبية، وجعل هذه المشاريع ذات بعد إقليمي، عائداتها يستفيد منها البلدين و الشعبين، المغربي، خاصة الصحراوي المحلي منه، والموريتاني.
إن الورقتين الليبية، التي يريدها خصوم المغرب أن تظل مضطربة ليسهل التسلل إليها، والموريتانية التي يسعونا لاستقطابها، هما ورقتين لا يمكن للمغرب أن يتجاهلهما، خاصة في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة، و طبيعة التحركات الفرنسية، التي لا تريد حسم موقفها تجاه المغرب، و هنا يجب القول بأن البلدين يجب أن يظلا كأولوية داخل الأجندة الدبلوماسية المغربية حتى لا نستفيق يوما على خبر تكتل تقوده الجزائر بشمال إفريقيا كل هدفه هو محاصرة وعزل المغرب، تحركه أيادي من خارج المنطقة، أو وقد سحبت منا كل الأوراق في شمال إفريقيا!!