لا يفوّت نظام الجنرالات، مدنيين وعسكريين، في الجزائر فرصة دون أن يكرر عبارة “غبية”، لا يوجد من يصدقها غيره في الجزائر أو العالم، تقول بأن موقفه المعادي للمغرب ووحدته الترابية هو “موقف مبدئي” تجاه قضية “تصفية استعمار”، وأنه “طرف محايد” من هذه القضية!!! وآخرها ما ورد قبل يومين على لسان الرئيس عبد المجيد تبون. الإصرار الغريب على تكرار هذه العبارة المنافية للواقع، من قبل ممثلي النظام العسكري، يستثير عدة أسئلة، ويستدعي بعض الملاحظات.
لكن، وقبل الخوض في تفنيد و”تسخيف” هذه المقولة، نتساءل في البداية: لمن يوجه النظام الجزائري هذه الرسالة “الكاذبة”؟ الأكيد أن المغرب ليس هو الطرف المعني بهذه الرسالة، لأنه أكثر من خبر “لؤم” النظام الجزائري، واكتوى بنيران “حياده”، وعاني من عدائه “المبدئي”! ليتبقى هناك طرفان منطقيان: الشعب الجزائري المغلوب على أمره، والمجتمع الدولي (عربا وأفارقة ومسلمين ومنظمات دولية). وهنا، يحق لنا أن نتساءل “استنكارا” لا استفسارا: هل يعتقد هذا النظام، أن هناك في الجزائر أي أحد -من غير مرتزقة النظام وأتباعه من الأحزاب ووسائل الإعلام- من يصدق كذبة “المواقف المبدئية” للنظام، وحياده المزعوم، وهم المحرومون من زيارة أقاربهم، وصلة الرحم مع أشقاء الكفاح في شرق المغرب منذ ثلاثة عقود؟ وهل هناك أي مواطن جزائري حر، من بين الملايين التي خرجت مطالبة بإسقاط هذا النظام، من يؤمن حقيقة أن لهذا النظام أي مبدأ، غير السيطرة المطلقة على الدولة والمجتمع بأدوات السلطة الغاشمة القمعية منذ الاستقلال! أليس هناك مبادئ أولى أن تؤمن بها هذه الزمرة من جنرالات الجزائر، مدنيين وعسكريين، من مبدأ العداء السافر للجار والأخ والصديق؟ أليس رضى الشعب عمن يتولون مقاليد أمره هو المبدأ الأساس لمشروعية أي حكم؟ أليس مبدأ إعلاء المصلحة الوطنية ووضع مصالح الشعب الجزائري الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومحاولة جسر الفجوات بين العرب والامازيغ، الشاوية والإباضية، الريف والحضر، الشرق والغرب، داخل الجزائر أولى من هدر المليارات على شراء ذمم ومواقف عابرة لنظام هنا أو هناك، في إطار حرب عبثية محكوم عليها بالفشل منذ اليوم الأول؟!
وإذا استبعدنا الشعب الجزائري الصابر من بين المستهدفين بهذا الخطاب، ونظرنا إلى المجتمع الدولي، نتساءل بنفس الاستنكار: هل هناك قرار واحد للأمم المتحدة يؤيد “خرافة” حياد النظام الجزائري تجاه قضية الصحراء المغربية؟ أم أن الواقع يقول بأن جميع هذه القرارات الأممية تطلب دون كلل من النظام نفسه أن يسهم بقسطه في حل هذه القضية، وترفض إعفاءه من حضور مفاوضات الموائد المستديرة. بل إن معظم دول العالم، تطلب من النظام الجزائري أن يجلس مع أخوته في المغرب “مباشرة” لإيجاد حل يراعي مبادئ حسن الجوار، دون توجيه كلمة واحدة لمرتزقة البوليساريو، التي يعلم القاصي والداني أنها لا تملك حتى إيجار غرفة مقرها في العاصمة الجزائرية!
وغير بعيد عن ذلك، يحق لأي منصف أن يتساءل: لماذا لم يمارس النظام الجزائري “هذه المبادئ” تجاه أي قضية تحرر وطني عربيا، وأفريقيا وإسلاميا بل ودوليا؟! هل سبق لهذا النظام، الذي يفتح مخازن أسلحته لعصابة البوليساريو، أن قدم “رصاصة واحدة” للثوار الفلسطينيين -عندما كانت ثورة-، أو لأي من حركات التحرر الأفريقية من الاستعمار الفرنسي أو غيره؟ بل هل تجرأ النظام العسكري في الجزائر، على احتضان حركات استقلال أفريقية مسلحة، كما فعل المغرب، وملوكه المتعاقبين، منذ ثورة الأمير عبد القادر، وحتى ثورة التحرير الوطني الجزائري، ودفع جراء ذلك ولو جزءا يسيرا من الثمن الذي دفعه المغرب جراء هذا الوقوف في وجه المستعمر الفرنسي، من أرضه وثرواته ورجاله واستقلاله؟!! أم أن “النضال اللفظي” والخطابات “الثورية” من على منابر “الأممية الاشتراكية” و”حركة عدم الانحياز” و”جبهة الصمود والتصدي”، تعفيه من النضال الحقيقي الذي يدفع الأحرار الحقيقيون ثمنه غاليا؟! وحتى لو نزلنا بسقف مطالبنا من هذا النظام العسكري إلى مستوى الدعم المادي، وأعفيناهم من الدعم العسكري الذي يحتاج “مواقف رجولية” ليسوا أهلا لها، هل سمع أحد أن أموال الجزائر قد ساهمت في تنمية أي من الشعوب الأفريقية حديثة الاستقلال، بدلا من شراء مواقف الرؤساء الضعفاء، ودفع الفواتير التي يطالبهم بدفعها “ولي نعمتهم” الفرنسي؟! هل ذهب دولار جزائري واحد إلى دعم صمود أهل القدس المرابطين في أي من القطاعات التي لا تجر عليهم غضب إسرائيل والولايات المتحدة، من تعليم وصحة وإسكان، أم أن الواقع يقول إن هذه المهمة، كانت ولا تزال، منوطة بدول محدودة الموارد كالمغرب والأردن، وأخرى غنية كالسعودية والإمارات وقطر والكويت؟! ولا يتسرع أحد بالقول إن هناك دعم يذهب إلى السلطة الفلسطينية، وقبلها منظمة التحرير الفلسطينية، لعلمنا جميعا أن الفرق شاسع بين دعم هاتين الهيئتين، والدعم المباشر لأهالي القدس الصامدين!
لهذا، وإن كان قد بقي في وجه هذا النظام العسكري وأزلامه وأبواقه ذرة من حياء، فليتوقف عن ترداد هذا “الهراء” حول “مبادئه” الداعمة لتحرر الشعوب، وليعفي أبناء الجزائر الرفاء، وباقي العقلاء في العالمين العربي والإسلامي والمجتمع الدولي، من تكرار سماع هذه “الأسطوانة المشروخة”، وليعبر عن عدائه “الأزلي” لجاره المغربي بوضوح ودون مواربة، وليخض حروبه “الرخيصة” بشرف، إن كان لهذه الكلمة من معنى في قاموسه، وليتحمل تبعاتها الكارثية وحيدا، بدل محاولة إفساد ما بين الشعبين الشقيقين من أواصر دم ومودة وتاريخ نضالي مشترك!