نوفل البعمري *
نظم المغرب استحقاقاته الإنتخابية بتاريخ 8 شتنبر التي جددت شريان دماء المؤسسات المنتخبة وطنيا، و محليا و هي الإستحقاقات التي جرت في ظل تحديات كبيرة تتعلق أساسا بمنطقة الصحراء، بالأقاليم الصحراوية التي كانت محط أنظار و متابعة دولية و إقليمية كبيرة نظرا للنزاع المفتعل بالمنطقة من طرف خصوم المغرب. و كانت هذه الإستحقاقات مناسبة جديدة لتأكيد مدى حجم الترابط السياسي و المؤسساتي و الوطني بين ساكنة هذه الاقاليم و نخبها المحلية و بين وطنهم المغرب و مؤسساتهم.
لقد شكلت هذه الإستحقاقات بالنسبة للساكنة الصحراوية المحلية مناسبة ليس فقط لانتخاب ممثلين عنهم لتسيير المؤسسات المحلية/الجهوية،و ممثلين عنهم داخل المؤسسة التشريعية، بل أيضا مناسبة للتأكيد على انخراطها في المسلسل الديموقراطي ببلادنا، و اندماجها في العملية السياسية ببلادنا،و على أنها تنتخب ممثلين عنها ليكونوا ناطقين باسمها داخل مختلف المؤسسات،و قد كانت نسب المشاركة في هذه المناطق دلالة على حجم هذا الإنخراط السياسي و المؤسساتي إذ أنها سجلت أعلى نسبة وطنيا حيث سجلت نسبة مشاركة 58,30٪ في جهة الداخلة وادي الذهب و نسبة 68،65٪ في جهة “العيون الساقية الساقية الحمراء”،مقارنة هذه النسب بالتي جرت سنة 2016 فقد شهدت ارتفاعا ملحوظا حيث كانت أعلاها آنذاك 56٪ بحيث أن نسبة المشاركة ارتفعت بأكثر من نقطتين و هي دلالة سياسية على انخراط الساكنة المحلية في العملية الديموقراطية و في المشروع الديموقراطي الذي اقترحه المغرب لحل هذا النزاع المفتعل في الصحراء.
إن انتخاب الساكنة الصحراوية المحلية لممثلين عنهم بالمؤسسات محلية سواء بالجماعات المحلية أو مجالس الجهات، ثم المؤسسة التشريعية،هو ليس انخراط في عملية سياسية شهدها المغرب بل هو أيضا دليل على كون الساكنة المحلية قد اختارت ممثلين عنها، و قررت مصيرها بشكل دىموقراطي سواء ترشيحا أو تصويتا من خلال هذه المشاركة الواسعة، المكثفة في هذه الإستحقاقات إذ لم تكن بالنسبة للساكنة فقط عملية انتخابية لاستكمال البناء المؤسساتي، بل كانت مناسبة لتقديم تأكيدات واضحة للمنتظم الدولي على كون الساكنة الصحراوية المحلية هي منخرطة في العملية و حضورها أساسي و وازن فيها، و استطاعت أن تنتخب ممثلين عنها في مختلف المؤسسات ناطقين باسمها،و مُعبرين عن مصالحها السياسية و الإجتماعية لتدبير المؤسسات المحلية، و كذلك ممثلين عنها في العملية السياسية التي سبق للأمم المتحدة أن أطلقتها و كان الوفد المغربي الرسمي الذي قاده وزير الخارجية المغربي في جنيف1،و جنيف2 يعرف مشاركة منتخبين محليين، مما يعني أن انتخاب الساكنة الصحراوية لمنتخبيها هو تزكية للمسار السياسي الذي انخرط فيه المغرب مع الأمم المتحدة وفقا للمقترح المغربي الذي قدمه للأمم المتحدة لطي هذا النزاع.
الانتخابات التي شهدتها المنطقة هي ليست فقط لتجديد النخب الصحراوية أو لاختيار الساكنة ممثلين عنها بمختلف المؤسسات، هي أيضا مناسبة للقول بأن ما حدث هو استفتاء لتقرير المصير، الساكنة المحلية قررت مصيرها ديموقراطيا و أعلنت عن انخراطها في المسار الديموقراطي ببلادنا، مؤكدة على تشبثها بالمؤسسات الوطنية المغربية في ظل المبادرة المغربية، و تسجيلها لأعلى نسبة للمشاركة في هذه الإستحقاقات هي رد على كل المزاعم التي ظل خصوم المغرب يحاولون تقديمها للتشكيك في الترابط الحاصل بين الساكنة المحلية و بلدهم المغرب و مؤسساته.
منذ أشهر أطلق المغرب عملية دبلوماسية كبيرة بالمنطقة تمثلت في افتتاح قنصليات و تمثيليات لبعثات أجنبية بالداخلة و العيون، هذه العملية الدبلوماسية أصبحت اليوم مدعومة و مسنودة بالعملية الديموقراطية و بالنتائج التي تحققت سواء على مستوى المشاركة أو على مستوى نسبة ممثلي الساكنة الصحراوية المحلية الأصلية التي وصلت ل 96٪ إذ باستقراء الأسماء التي فازت في هذه الإستحقاقات هي كلها من أبناء الساكنة الصحراوية الأصلية بذلك تنهي مع كل الجدل حول الساكنة المحلية و محاولات التشكيك فيها،إذ أثبتت أنها ليست فقط مُعبر عن الساكنة المحلية و لسان حالها بمختلف المؤسسات المنتخبة بل أيضا منخرطة في المشروع الديموقراطي و عنصر أساسي من العناصر المشكلة للإختيار الديموقراطي الذي أقرته بلادنا في دستور فاتح يوليوز، و رافعة لمبادرة الحكم الذاتي.
استحقاقات 8 شتنبر هي استفتاء قرر من خلاله الصحراويون و الصحراويات مصيرهم بشكل ديموقراطي من خلال اختيارهم لمنتخبيهم بشكل حر، بذلك هم يقدمون ردا على كل محاولات التشويش التي جرت قبل هذه الاستحقاقات من طرف الخصوم، و يقدمون رسالة للأمم المتحدة على أنهم قد طووا هذا النزاع بإرادتهم الحرة،و ما على الأمم المتحدة إلا أن تعلن عن الطي النهائي لهذا النزاع مادامت الساكنة قد حسمته لصالح الإختيار الديموقراطي بالمغرب.
*محامي مهتم بملف الصحراء المغربية