صبري الحو*
بعد فوز حزب التجمع الوطني للأحرار بالمرتبة الأولى في الاستحقاقات التشريعية ليوم الثامن من شهر شتنبر الحالي، و في غيرها من الانتخابات الجهوية والمحلية، التي أجريت في تفس اليوم، و بعد تعيين الملك لأمينه العام، عزيز أخنوش، لتشكيل الحكومة، بدأ اهتمام الرأي العام بجميع أطيافه ومشاربه متجها إلى رصد مسار تحركات الأخير وطريقة مفاوضات مع باقي الأحزاب الفائزة لتشكيل الحكومة، و أطرافها؟، طبيعتها؟ و كيفية صياغة التعاقد حولها؟
و على ضوء تتبعنا لمسار إجراء الانتخابات و مفاوضات تشكيل الحكومات في المغرب سواء في اطارها القديم أو الحالي، وخاصة بعد دستور الفاتح من يوليوز 2011، مع تركيزنا على ما رافق تشكيل الحكومتين السابقتين برئاسة حزب العدالة والتنمية من أحداث ووقائع ونقاش، واجراء مقارنة على مستوى الظاهر مع تجارب بعض دول في الجوار.
وبعد استقراء النتائج الحالية التي أعطت فوز حزب التجمع الوطني للأحرار بـ102 مقعدا نيابيا من أصل 395، وحصول حزب الأصالة والمعاصرة على 86 مقعداً، و حزب الاستقلال على 81 مقعداً، و حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على المرتبة الرابعة بـ35 مقعداً، يليهم حزب الحركة الشعبية في المرتبة الخامسة بـ29 مقعداً. وتبوأ حزب التقدم والاشتراكية المرتبة السادسة بـ21 مقعداً، وحزب “الاتحاد الدستوري في المرتبة السابعة بـ18 مقعداً، مقابل 13 مقعداً لحزب “العدالة والتنمية”، بينما وزعت باقي الأحزاب السياسية الأخرى 10 مقاعد.
فان حزب التجمع الوطني للأحرار المعين رئيسه عزيز أخنوش لتشكيل الحكومة يحتاج عنليا وقانونيا الى 96 مقعدا لتوفير الحد الأذنى من نسبة الأغلبية البسيطة التي تسمح له بتشكيل الحكومة وهي 198 مقعدا، وفي ذلك يجد أخنوش نفسه أمام خمس مخرجات ومعادلات أساسية؛
أولاها انسجاما مع ضرورة احترام الارادة الشعبية و ملائمة ذلك مع حاصل نتائج الانتخابات، فإن احتمال الجمع بين الأحزاب التي حصلت على المرتبة الأولى والثانية والثالثة؛ “التجمع الوطني للأحرار 102 مقعد، و”حزب الأصالة والمعاصرة 86 مقعداً، و”حزب الاستقلال 81 مقعداً، وهو ما يمكنه من الحصول على أغلبية 269 مقعداً.
وهي الصورة المحتملة بالنظر الى تعبير أخنوش عن رغبته في تشكيل حكومة قوية، يزكيه بدء المشاورات معها أولا، و يعضده تعبير الأصالة والعاصرة عن استعدادها للدخول في الحكومة الجديدة، وهو نفس الاستعداد الذي تم التداول فيه خلال اجتماع اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، رغم عدم إشارة بيانها صراحة لذلك، والأهم أن التفويض المسبق تم منحه لأمينه العام نزار بركة.
بيد أن صعوبات قد تعترض تحقيق هذا الاحتمال، وهو ما يحعلنا نفترض احتمالا ثانيا باسقاط الأصالة والمعاصرة منه، بالنظر إلى سابق تصريحات أمينه العام عبد اللطيف وهبي في مواجهة عبد العزيز أخنوش، و يزكي هذا التدخل الشخصي لمنع تنفيذ هذا السيناريو تركيز أخنوش الأخير على حكومة منسجمة، وقد يكون في القول موجه ضد عبد اللطيف وهبي الأمين العام للأصالة والمعاصرة.
وعلى ضوء ذلك يمكن استحضار صورة ثانية لتشكيل الحكومة تجمع بين التجمع الوطني للأحرار 102 مقعد ، و حزب الاستقلال 81 مقعداً، و حزب الاتحاد الاشتراكي 35 مقعداً ، بأغلبية 218 مقعداً، وارغام حزب الأصالة والمعاصرة على البقاء في رئاسة للمعارضة.
وقد يفهم من تصريح أخنوش الذي أعقب مباشرة تعيينه من طرف الملك لتشكيل الحكومة مفاده أولويته في البحث عن تحالف يجمع بينهم قاسمها المشترك وغايتهم الموحدة هو رؤية موحدة وبرنامج حكومي طموح، و تكوين أغلبية رصينة؛ أنه يميل الى سابق الأحزاب التي استعان بها سابقا لحصار بنكيران والدخول في حكومة سعد الدين العثماني.
وكانت هذا الائتلاف يتكون من الاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية؛ لكن الحساب لن يسعفه، إذ ناتج التحالف لا يتحاوز 186 مقعدا فهو لا يحقق حد الأغلبية البسيطة لتشكيل الحكومة، في مقابل تشكل معارضة قوية وشرسة، وهو ما يجعل هذا السيناريو مسقطا، ويمكن معالجته بضم حزب الاستقلال اليه واسقاط الاتحاد الاشتراكي من الائتلاف لبقاء الاتحاد الدستوري صاحب نفس الرؤية، والحصول على أغلبية 287، ومن أجل اضعاف حضور حزب الاستقلال من داخل الائتلاف، درءا لاستقوائه بالاتحاد الاشتراكي باعتبارهما من مكونات الكتلة.
وغالبا ما يسيطر هاجس تحقيق العدد الكافي في تشكيل الحكومات في المغرب، لأن رغبة الاستوزار والحقائب هي المتحكمة، وهو الغاية الأولى والأخيرة، و قد يتخذ أخنوش حيلة لمناعة حكومته في إظهار رغبته في الانفتاح على عدة أحزاب، بغية تضخم العدد، درءا لوقوعه أسير ضغط طلبات المفاوضات التي يحكمها الزمن، ومنعا للسقوط رهينة حزب معين، وهو ما يقوي من حظوظ تشكيل الحكومة خارج الثلاثي التجمع الوطني للأحرار و حزب الاستقلال والأصالة والمعاصرة، والاكتفاء بالتحالف مع حزب الاستقلال و ضم الاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري اليها.
وتلكم هي بعض السيناريوهات والتي تبين الخروج وعدم احترام المنطلقات المذهبية والمبادئ الايديولوجية والأولويات في تحالفات و اتفاقات تشكيل الحكومة في المغرب، فترى اليسار مع اليمين والشيوعي مع الاسلامي، إذ لم يسبق التعاقد على أساس برنامج معين ومحدد يجب السعي الى تحقيقه، على غرار الدول العريقة في الديمقراطية، التي تلجأ الى توثيق الاتفاق في وثيقة ووعاء عقدي.
كل الأنظار متجهة الآن نحو الوظائف الوزارية و على رئاسة مجلس النواب حاليا، ومن بعده مجلس المستشارين، تم التعيينات في المناصب السامية، بعد اقرار قواعد قانونية يستحيل على ضوئها نيل أغلبية بواسطة حزب واحد .
و لئن المغرب ليس استثناء في ذلك، فدول الجوار تعيش على نفس التشتت السياسي، وإن تكوين الحكومات أصبح عسيرا ولا يمكن تحقيقه سوى بواسطة ائتلافات متعددة وغير متجانسة. فإن ذلك لا يشفع للحكومة الحالية أن تبقى أسيرة عادات مصلحية شخصية متقادمة تحتاج إلى ارادة وجرأة للقطع معها. فالمغرب يحتاج دفعة قوية للمضي التصاعدي ، وهو أمر يمكن تحقيقه بمشاركة كل كفاءاته بعيدا عن ذلك توزيع “الغنيمة”. وقد آن الأوان وحان الوقت.
*محامي بمكناس
خبير في القانون الدولي ونزاع الصحراء، ومحلل سياسي