بقلم: حفصة بوطاهر
مؤمنة أنا بأهمية بنيات حماية الحريات والحق في التعبير عبر العالم، وأعتبر أن المنظمات الدولية العاملة في هذا المجال، أدت أدوارا مهمة في تحسين مناخ عمل الصحافيات والصحافيين والترافع عن قضاياهم، ولا زلت أعتبر أن هذه البنيات يجب أن تكون، وأن تستمر في لعب الأدوار التي تأسست من أجلها، وأن لا تحيد عنها، ولكن.
اسمحوا بالاستدراك بعد هذه المقدمة التي قصدت منها استباق الاتهامات بأني ضد منظمات لها باع طويل في حماية حرية التعبير، فرغم الاعتراف بالفضل لهذه المؤسسات، فإنه لا يصح أن نمنحها شيكا على بياض وأن نقبل منها كل ما يفعله مسؤوليها دون تدقيق، فقط لأنها بنت سمعة تاريخية ما، قد نتفق أو نختلف حول بياض صفحتها.
وحتى يكون الكلام أوضح، فإنني أعني منظمة “مراسلون بلا حدود” التي حل أمينها العام مؤخرا بالمغرب، لمؤازرة صحفيين متابعين بتهمة الاعتداء الجنسي، مرة أخرى، لا أصادر حق هذه المنظمة في الوقوف إلى جانب من تشاء، ولكني فقط أذكرها أنه في الوقت الذي تنادي فيه بالمحاكمة العادلة، فإنها لم تكن أبدا عادلة في قضيتي وفضلت الكيل بمكيالين منذ البداية، فأنا صحفية قبل كل شيء على عكس مما يسعى بعض المحسوبين على العمل الحقوقي والصحفي إلى نفيه، وهي الصفة التي لم تشفع لي أمام “مراسلون بلا حدود” لتعطيني كضحية على الأقل حق إسماع صوتي وعرض روايتي، تماما كما فعلت مع مغتصبي الذي صدقت روايته منذ اللحظة الأولى دون تدقيق ولا مراجعة، فالمفروض في منظمة بهذا الحجم، أن تكون لها آلياتها في التحقق من الوقائع المعروضة أمامها، بما في ذلك الاستماع إلى كافة الأطراف، قبل تكوين موقف رسمي منها.
هذا لم يحدث في قضيتي، وفضلت المنظمة أن تدير ظهرها لي وتصدق رواية مغتصبي، بل وجاء أمينها العام ليقف حاملا صورته أمام المحكمة، وكأنه يرقص على جرحي المفتوح.
موقف المنظمة لم يصدمني في الحقيقة، لأنه منذ البداية، رأيت اصطفافها إلى جانب مغتصبي، وتكذيبها روايتي دون استناد إلى أي أدلة ملموسة، دعوني أذكركم أنه بعد يوم من تقديم عمر الراضي للمرة الأولى أمام قاضي التحقيق في تهمة الاغتصاب، قامت “مراسلون بلا حدود” بتوجيه طلب إلى الأمم المتحدة بأن تقوم بإعلان إدانة علنية لتوظيف القضايا الجنسية قصد إخراس أصوات الصحافيين المُنتقدين.
والواقع أن قضيتي ليست لها علاقة لا بإخراس صوت، ولا بتوظيف سياسي، أنا سيدة تم الاعتداء علي بأبشع شكل ممكن وهو الاغتصاب، وقمت رغم عمق الجرح والخوف من مواجهة نظرة المجتمع ومعرفتي المسبقة بأنه كثيرا ما تم تحويل الضحايا إلى متهمين ومتهمات، قمت رغم ذلك بالمواجهة ومارست حقي في أن أقاضي من اعتدى على حرمة جسدي وسبب لي ألما نفسيا عميقا لا زلت أعانيه إلى اليو.
ممراسلون بلا حدود التي وجهت طلبها للأمم المتحدة متجاهلة أنني ضحية، تقول في موقعها الرسمي بالحرف الواحد: “وإن كان من الطبيعي أن يؤخذ أي ادعاء بالاغتصاب أو الاعتداء الجنسي على محمل الجد وأن يقع التحقيق فيه بجدية، فإنّ مراسلون بلا حدود تقدّم قائمة لعدة معطيات تشكك في مصداقية عدد من التهم.
“المنظمة تعرف إذن أن تهم الاغتصاب تؤخذ على محمل الجد، لكنها فضلت أن تلتف على هذه القاعدة، معللة بأنها تتوفر على قائمة بمعطيات تشكك في مصداقية التهمة، المقالة التي تحمل الموقف الرسمي للمنظمة والذي لم تستمع فيه إلى شهادتي ولا اتصلت بي ولو على سبيل الشكليات، قرأتها من ألفها إلى ياءها بحثا عن “قائمة المعطيات” المزعومة، فلم أجد إلا الاستناد على شكوك في الهواء واتهامات جاهزة لي كضحية ومزج بين قضيتي وبين تهم أخرى تواجه عمر الراضي لا علاقة لي بها لا من قريب أو بعيد، مثالا على المعطيات التي تسوقها المنظمة، أقتبس التالي:
“وساندت منظمات نسوية مغربية الشكوى التي توجهها مراسلون بلا حدود إلى الأمم المتحدة، وعبرت هذه الجمعيات عن شكوكها حيال الاتهامات الموجهة إلى عمر الراضي وصحافيين آخرين متابعين بقضايا أخلاقية خلال السنوات الأخيرة. واتصلت مراسلون بلا حدود بعدد من الشخصيات النسوية اللاتي قبلن تقديم شهاداتهن، ومن بينهنّ خديجة الرياضي، الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان ومنسقة لجنة دعم عمر الراضي، وفي شهادتها التي سيقع إلحاقها بنداء مراسلون بلا حدود إلى الأمم المتحدة، كشفت أن ثمة أساليب جديدة للتخويف في المغرب، تقول: “يتعلق الأمر بتهم أخلاقية وخاصة الاتهام بالاغتصاب والاتجار بالبشر والزنا والإجهاض غير القانوني والعلاقات الجنسية خارج الزواج المجرّم في القانون المغربي”.
نعم أيها السادة أيتها السيدات، معطيات “مراسلون بلا حدود” هي شهادات جمعيات نسوية، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي سربت رسالتي لها إلى مغتصبي، وادعاءات بأنها اتصلت بعدد من الشخصيات النسوية، نعم اتصلت بالقاصي والداني ممن يساند عمر الراضي، ولم تكلف نفسها عناء الاتصال بالصحفية الضحية، هذه هي آلية “مراسلون بلا حدود” في بناء المواقف، وزيارة أمينها العام للمغرب خلال الأسبوع الماضي، لم تخرج عن هذا السياق، لذلك قلت لكم سابقا أن موقفه لم يصدمني، لأنني تعودت خلال هذه الفترة على الصدمات، وسقطت من عيني أسماء ومنظمات كنت أظنها أعمدة حقيقية، قبل أن أتعامل معها عن كثب وأكتشف أنها مجرد سيقان قش فارغة.
من كنا نظنهم متمكنون من الآليات الحقوقية، فضحتهم اليوم شطحاتهم ولعبهم على أوتار العاطفة لاستدرار مؤازرة الناس حتى ولو كانوا على الجانب الخطأ.
أنا لا أطلب شيكا على بياض، ولا أطلب مؤازرة مجانية، ما أطلبه هو أن لا يستمر هذا السيل من التحامل علي، وأن لا أحرم من حق الاستماع إلى روايتي، وأن لا يبني الآخرون مواقفهم عني فقط بالاستماع إلى خصمي، وأن لا تخلط قضيتي بسياسة أو تصفية حسابات لا ناقة لي فيها أو جمل.
قضيتي اليوم أصبحت مطية للكثيرين، ومنهم من ينتمي إلى مهنتي، لكنه لا يفقه فن التحقق من الخبر، آخرهم أضحكني بقدر ما حز في قلبي أن يصل صحفي إلى هذا المستوى من الرداءة في النقل والتحليل لكن كيف لا يسمح مثل هؤلاء لأنفسهم باقتحام ملف دون تسلح بمعرفة لا بالقانون ولا بقواعد الصحافة ولا ببعض الثقافة عن علم النفس كيف لا يسمحون لأنفسهم بهذا الاقتحام وقد فعلته “مراسلون بلا حدود” فشرعت لهم سنة جديدة أوغلوا فيها ويوغلون، حتى وصلت ببعضهم الوقاحة أن ينزع عني صفة الصحفية، ويضرب سنوات دراستي بمعهد الإعلام وعملي في مؤسسات متعددة عرض الحائط.
لا أملك بعد هذا إلا أن أقول، أن “الفقيه اللي كنا كنتسناو بركتو، دخل الجامع ببلغتو”.