… وفي الصباح إذا بي أسمع ضجة أمام الباب موسيقى وزغاريد وأغاني “دقيقية” تصل إلى غرفتي تذكرني بأخر عرس كنت قد حضرته وفجأة أمي تفتح الباب وهي تزغرد وتقول نود أوجه السعد صافي هذي مراتك جنية “جاية تردك وجايبا ليك هدية وأنا موافقة تعيش معانا” ثم تساءلت مع نفسي ما هذه التخاريف على الصباح هل أنا صاحي أم مازلت أحلم نظرت إلى ساعة الحائط فإذا هي العاشرة صباحا من يا ترى يكون هذا القادم الغريب غسلت وجهي على عجل في حوض الحمام و إرتديت جلباب أبي الجلباب الوزاني الذي طالما كان يتباهى به في المناسبات الدينية فقد ورث عنه أنا الجلباب وحتى التباهي به…
نزلت الدرج أنا وأمي وأنا أتسائل في نفسي من يكون صاحب الهدية المفاجئة فتحنا الباب وإذا الصلاة والسلام على الرسول الله تنطلق من أفواه النساء تتبعها زغاريد وصيحات رجال وهم يكبرون كأنك في موسم “صوفي” لولي من أولياء الله الصالحين فإذا بي أرى الفتى وأمه على العربة وهم يرقصون والخيل ترقص معهم أمام العربة على إيقاع الشعبي في صورة أقرب ما يكون من تحفة شعبية مغربية والد الفتى يجر عجلا مليح ويتقدم به نحوي وهو يقول بامتنان سي الشريف أنا رجل مهاجر للديار الإيطالية كنت أتي للمغرب كل ثلاث مرات في السنة وكلما عدت شعرت بالحزن والأسى على ابني الوحيد فكنت أجلب له معي كل أنواع الملابس الفاخرة والحلويات والشوكولاطة وجميع لعب الأطفال وتدري لماذا يا فقيه؟ رسمت على وجهي علامة إستفهام وقلت لماذا فقال لي “ليبتسم فقط وأسمع منه كلمة بابا” ورغم كل هذه الهدايا كان الولد كالمسحور أو به مس من الجن لا يتجاوب لا معي ولا مع أمه ثم أعاد جر العجل الذي حاول أن يفر بجلده مستغلا حديثه معي إلا أن الرجل أحبط فكرته وتابع الحديث وهو يقول إلى أن كان يوم من الأيام القريبة حدثتني أمه في الهاتف قالت لي أنه يوجد شريف في المنطقة معروف ببركته وسمعته الحسنة وطلبت مني أن تذهب بالولد إليه بعدما كنا قد يئسنا من الأطباء وزيارة الأضرحة فوافقتها على قرارها وقلت لها على بركة الله ثم نظر إلى الجمهور الحاضر من الناس والذين كانوا يسمعون لحديث الرجل كمن يسمع لحكاية أسطورية من حكايات الألف ليلة وليلة…
رغم هذه الأحداث المتسارعة التي لم أكن أتوقعها إلا أن دماغي مازال يعمل بكفائته ويدرس الأمور بحكمة كالمعتاد فهذه الدعاية المجانية التي قدمتها لي عائلة الفتى ستكلفني غاليا يجب علي منذ اليوم أن أحسب خطواتي وكل كلمة تخرج من لساني في “درب الحضاية” هذا وإلا تحطم هذا الهرم فوق رأسي ودفنت تحت حجارته… تابع والد الإبن وهو يقول بحرارة حتى جائتني مكالمة الأسبوع الماضي من المغرب لم تتصل زوجتي من هاتفها الخاص بل تكلمت من أحد الهواتف العمومية المنتشرة في الحي كانت تريد مفاجأتي ويا لها من مفاجأة رأيت رقم المميز للمغرب بارز ولكن الرقم الموالي لم أعرفه وفجأة ألو بابا هل تسمعني وهنا إنفجر الأب المسكين بالبكاء كالأطفال وهو يقول نعم كان صوت إبني الذي حرمت منه ثلاث سنوات لم أصدق أول مرة فقلت لصاحب الصوت “غالط أولدي نمرة غلاط ولكن صاحب الصوت أصر على منادتي بابا وهو يقول بابا هذا أنا ولدك ريان أبابا “مالك معرفتينيش” كاد أن يغمى علي من شدة الفرحة فقلت له هذا أنت ولدي ريان “بريتي مبقتيش مريض أولدي” أجابني ببراءة إشتقت لها “أه يا بابا ماما داتني عند عمو عطاني دوا وبريت” بكى المهاجر المسكين على كبده حتى أبكى كل الحضور فحاولت أن أخفف من معاناته وأواسيه “أسيدي حنا ما درنا غير لي علينا والشفاء من عند الله ومتخافش ولدك راجل من ظهر راجل” أراد المسكين أن يقبل رأسي رغم أنه يكبرني سنا فهو بمقام خويا الكبير ثم نظرت إلى الكم الهائل من الهدايا وإلى العجل السمين وإلى أهل الولد من رجال ونساء كأنهم يقدمون “دهاز لعروسة” وقلت معاتبا والد الطفل “والله أسيدي إلى هادشي بزاف راني وصيت السيدة أم الولد بلي ما تكلفوش” “وجاوبني كن تعرف شحال ديال لفلوس خسرت عليه راه جاية 20 مليون ولا نتيجة لا والو حتى كنا إستسلمنا أنا ومو” أجبته برفق الله يسمح لينا من حق الوالدين المهم الحمد الله ولدكم “رجع لعادتو وطبيعتو وأهم حاجة تبعوا تعليمات لقلت ليكوم”…
وهنا كمن وجد الوالد أحدا يثق فيه ليفرغ همه وشكواه فبدأ يحكي قائلا “واحد النهار فعطلة ديال الصيف ديت ولدي عند واحد السيد عندو شعكاكة فراسو فحال العزافة قالك أسيدي كايداوي بالطاقة طلب لينا ثلاثة ملايين قلنا ماشي مشكل المهم الولد يبرى عطيناه دري كيخاف ينعس بوحدو في الليل بعدما شافو الولد ولا كايبول في الفراش حاشاك أسي الفقيه كنت غادي نخلي دار بوه ديك ساعة الزوجة رمات عليا العار وأنا نطلق منو” ضحكت بالفعل من الرواية فأنا كنت قد قرأت بعض المقالات عن هذا الشخص الشبيه بالعزافة إلا أنه لا ينظف مثلها بل يزيد الأمر سوءا نظرت إلى الوالد وقلت له شريف سامحني “أنا منبغيش نضرك رجع الهدية واستافد بالفلوس أنا عطيني غير داكشي لي تافقت الوالدة مع الزوجة ديالك” إنزعج الوالد المسكين من كلامي وأقسم بأغلظ الأقسام وهو يحرم عليه زوجته وولده وقال ” سمع مليح يا الشريف والله إلى تاخد هذه الهدية والقلب صافي من جيهتك ياك نتا ما قلتي لي والو ما تشرطتي عليا ما والو إوا هاذ الهدية لي كاتشوف راه نص فيها ديال العائلة لي فرحانين بيه شوف أسيدي الهدية غاتقبلها” و النبي قبل الهدية والعجل حلال عليك هذه صدقة مني على ولدي أما المليون لي تافقتو بيه مع مرتي فراه ديالك وخويا في بلجيكا حتى هو صيفط ليك مليون حلاوة رجوع الولد بالسلامة إوا هادشي كلو والله أسيدي ما يرجع كلو حلال عليك أمي المسكينة لما سمعت هذا الكلام كاد أن يغمى عليها فلم تعرف أتطلق زغرودة أم تصلي على الحبيب المصطفى فخرج صوتها كعواء الذئب أضحك الجميع وأضاف الوالد وكل عام عند رجوعي في الصيف إلى المغرب سأتيك بهدية فعلاجك لولدي دين على رقبتي وقبل أن أجيب الرجل أو أدعو معه رن هاتفي المحمول من رقم غريب فتحت الهاتف وأنا مستغرب ألو سي “دوبل طيط” هذا…يتبع