بقلم: الدكتور مولاي عبدالله شبوبة*
إن الخطاب السامي الذي وجهه الملك محمد السادس إلى أعضاء البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة، لامس قضايا راهنة وطيدة الصلة بالواقع المغربي. حيث تمحور حول نقطتين أساسيتين وهما: – أولا: إشكالية الماء، وما تفرضه من تحديات ملحة، وأخرى مستقبلية. – ثانيا : النهوض بالاستثمار وتذليل كل العقبات، حيث أكد العهل على أن الماء من القضايا الأساسية والملحة التي تواجهها المملكة المغربية، فهو عنصر أساسي في عملية التنمية، وضروري لكل المشاريع والقطاعات الإنتاجية.
وفي إطار التوجيهات الملكية للبرلمان وللحكومة لتدبير الموارد المائية، أكد الملك على أنه تم اتخاذ مجموعة من التدابير الاستباقية، في إطار مخطط مكافحة آثار الجفاف، بهدف توفير ماء الشرب، وتقديم المساعدة للفلاحين، والحفاظ على الماشية. كما تم تسليط الضوء على مكتسبات المملكة على مدى العقدين الأخيرين في مجال تعبئة الموارد المائية، مضيفا إلى تضافر الجهود من أجل ترشيد استعمال الماء، لا سيما من خلال المخطط الوطني الجديد للماء قيد التنفيذ، وكذا المحطات الجديدة لتحلية المياه، بالإضافة إلى تعزيز التوجه الهادف للاقتصاد في استخدام الماء، لاسيما في مجال الري.
وأشار العاهل إلى أن مشكلة الجفاف وندرة المياه، أصبحت ظاهرة كونية، تزداد حدة، بسبب التغيرات المناخية. وأبرز أن ندرة المياه تقتضي منا، حكومة ومؤسسات ومواطنين، التحلي بالصراحة والمسؤولية، في التعامل معها، ومعالجة نقط الضعف، التي تعاني منها. داعيا لأخذ إشكالية الماء، بالجدية اللازمة والقطع مع كل أشكال التبذير، والاستغلال العشوائي وغير المسؤول، لهذه المادة الحيوية.
وتابع الملك أن كل المغاربة مدعوون لمضاعفة الجهود، من أجل استعمال عقلاني ومسؤول للماء، كما توجه إلى التنبيه على ألا يكون مشكل الماء، موضوع مزايدات سياسية، أو مطية لتأجيج التوترات الاجتماعية. مشددا على ضرورة التعجيل بتفعيل المخطط الوطني الجديد للماء، باعتماد اختيارات مستدامة ومتكاملة، والتحلي بروح التضامن والفعالية، من خلال أربعة توجهات رئيسية وهي: – أولا : ضرورة إطلاق برامج ومبادرات أكثر طموحا، و استثمار الابتكارات والتكنولوجيات الحديثة، في مجال اقتصاد الماء، وإعادة استخدام المياه العادمة. – ثانيا : إعطاء عناية خاصة لترشيد استغلال المياه الجوفية، والحفاظ على الفرشات المائية، من خلال التصدي لظاهرة الضخ غير القانوني، والآبار العشوائية. – ثالثا : التأكيد على أن سياسة الماء ليست مجرد سياسة قطاعية، وإنما هي شأن مشترك يهم العديد من القطاعات. – رابعا : ضرورة الأخذ بعين الاعتبار، للتكلفة الحقيقية للموارد المائية، في كل مرحلة من مراحل تعبئتها، وما يقتضي ذلك من شفافية وتوعية، بكل جوانب هذه التكلفة.
وفيما يتعلق بموضوع الاستثمار، أكد العاهل على أنه يوليه باهتمام كبير، خصوصا أن الاستثمار المنتج يشكل رافعة أساسية لإنعاش الاقتصاد الوطني، وتوفير فرص الشغل للشباب، وموارد التمويل لمختلف البرامج الاجتماعية والتنموية. وفي هذا الاطار طالب برفع العراقيل، التي لاتزال تحول دون تحقيق الاستثمار الوطني لإقلاع حقيقي، على جميع المستويات. خصوصا وأن الميثاق الوطني للاستثمار سوف يعطي دفعة ملموسة، على مستوى جاذبية المغرب للاستثمارات الخاصة، الوطنية والأجنبية. مشددا على ضرورة إشراف المراكز الجهوية للاستثمار، على عملية الاستثمار، في كل المراحل والرفع من فعاليتها وجودة خدماتها، في مواكبة وتأطير حاملي المشاريع، حتى إخراجها إلى حيز الوجود.
و أبرز العاهل في هذا السياق أهمية الاستثمار باعتباره رافعة أساسية في إحداث فرص الشغل للشباب وتمكين المغرب من التكنولوجيات وجلب المستثمرين القادرين على إحداث تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة. داعيا إلى ضرورة التفعيل الكامل لميثاق اللاتمركز الإداري، وتبسيط ورقمنة المساطر، وتسهيل الولوج إلى العقار، وإلى الطاقات الخضراء، وكذا توفير الدعم المالي لحاملي المشاريع.
كما شدد على تعزيز قواعد المنافسة الشريفة، وتفعيل آليات التحكيم والوساطة، لحل النزاعات في هذا المجال وتقوية ثقة المستثمرين في بلادنا، لأن الهدف الاستراتيجي، هو أن يأخذ القطاع الخاص، المكانة التي يستحقها، في مجال الاستثمار، كمحرك حقيقي للاقتصاد الوطني. وطالب القطاع البنكي والمالي الوطني، بدعم وتمويل الجيل الجديد، من المستثمرين والمقاولين، خاصة الشباب والمقاولات الصغرى والمتوسطة.
كما جدد الدعوة لإعطاء عناية خاصة، لاستثمارات ومبادرات أبناء الجالية المغربية بالخارج. مؤكدا على دور المؤسسة البرلمانية، في مجالات التشريع والتقييم والمراقبة، في الدفع قدما بإشكاليات الماء والاستثمار، وبمختلف القضايا والانشغالات، التي تهم الوطن والمواطنين.
* أستاذ باحث