بقلم: نوفل البعمري
مع حلول 2 أكتوبر 2022 ستكون الرئاسة المغربية لمجلس السلم والأمن الأفريقي، قد انطلقت بشكل فعلي في ولاية تمتد لثلاث سنوات، بعد انتهاء ولايته الأولى التي انطلقت منذ سنة 2018 وإعادة انتخابه لمرة ثانية بهذا المجلس وانقضاء ولايته الأولى. ويعد تجديد الثقة في المغرب لعضوية المجلس ورئاسته له، تكريساً للثقة التي تحظى بها المملكة المغربية داخل الاتحاد الأفريقي وبين بلدانه وعندما نتحدث عن دول الاتحاد الأفريقي، فإنه لا نحتسب طبعا تنظيم البوليساريو الذي تتجه الدول الإفريقية إلى تجميد عضويته تماشياً مع طبيعة العملية السياسية التي تجري بمجلس الأمن، حيث يتواجد البوليساريو كتنظيم سياسي وليس ككيان دولتي، وهو ما يفرض وسيفرض على الاتحاد الأفريقي اتخاذ قرار ملاءمة وضعية البوليساريو داخله بوضعيته في الأمم المتحدة.
رئاسة المغرب لمجلس الأمن تأتي كتكريس لدوره المحوري والكبير الذي قام به حتى وهو خارج الاتحاد الأفريقي، في حفظ الأمن بأفريقيا من خلال بعثات حفظ السلام التي شارك فيها بتجريدات عسكرية وطبية مهمة وكبيرة وفي مناطق خطيرة جداً، ساهمت في تحقيق الاستقرار والأمن بعدة مناطق ودول نذكر منها على سبيل المثال مساهمته في الصومال، الكونغو الديمقراطية، جنوب السودان، جمهورية أفريقيا الوسطى، وساحل العاج وغيرها من مناطق التوتر بالقارة الأفريقية، هذا الدور المغربي تعزز بعد استرجاعه لمقعده داخل الاتحاد إذ أصبح فاعلا في صنع سياسة السلم بأفريقيا من داخل أجهزة الاتحاد في تكامل مع الدور الأممي بأفريقيا، وفي احترام للاختصاص الحصري الأممي لهذا الموضوع، مما جعل المغرب يلعب دور حلقة الوصل بين الأمم المتحدة والبعثات الأممية لحفظ السلام، والاتحاد الأفريقي خاصة وأنه ظل يؤكد ويعمل على أن تكون بعثات حفظ السلام ذات طابع أممي، واختصاص وحيد وأوحد للأمم المتحدة تفاديا لاستغلال بعض النزاعات داخل أفريقيا، من قيل بعض الأنظمة لفرض رؤاها السياسية المتجاوزة تحت غطاء الاتحاد الأفريقي، وهو ما نجح فيه المغرب بشكل كبير وذلك بجعل مهمة السلم والأمن وإن كانت انشغالا أفريقيا، إلا أنها مهمة تظل مهمة أممية وتقع تحت لواء مجلس الأمن من خلال قراراته الصادرة التي تخص بعض النزاعات في القارة والعالم.
المغرب وهو يتجه في ولايته الثانية هاته، ورئاسته للمجلس نحو تجسيد الرؤية المغربية التي أطرت عودته للتتحاد الأفريقي والتي عبر عنها العاهل المغربي سواء في رسالة طلب استرجاع مقعده بالاتحاد أو في الكلمة التاريخية والقوية التي ألقاها بمقر الاتحاد الإفريقي التي تحولت بكلمة مرجعية داخل هذا الأخير لما حملته من رؤية تجسد انشغال المغرب أفريقيا بقضايا التعليم، التنمية، الديموقراطية ومواجهة التحديات المناخية والطاقية خاصة بعد التهديدات التي طالت كل الاقتصاديات العالمية بفعل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي تنذر بدخول العالم في ركود اقتصادي سيهدد بلاشك الاقتصاديات الناشئة، التي هي في طور النمو، مما سيفرض التسريع في تنزيل الرؤية المغربية/الإفريقية ليس فقط في معالجة مختلف القضايا ذات الصلة أفريقيا، بل أيضا في استكمال ورش إصلاح مجلس السلم والأمن الأفريقي الذي كان قد انطلق منذ سنة 2018، وهو ورش يهدف إلى إصلاح ودمقرطة كل هياكل الإتحاد الافريقي التي تحتاج للمزيد من الشفافية، وضمان مصداقيتها أمام شعوب إفريقيا من خلال تجاوز الأسلوب القديم الذي كان من خلاله يتم استصدار القرارات بالمجلس. هو أسلوب كان قد حول مجلس السلم والأمن الأفريقي، إلى مجرد أداة في يد محور معين يستغله لتصريف خلافاته السياسية والدبلوماسية مع جيرانه ومحيطه، وهو الأسلوب الذي ينذر بقرب نهايته خاصة وأن المغرب كان قد انطلق في ولايته الأولى في مسلسل إصلاح مجلس السلم والأمن الأفريقي مدعوماً بغالبية الدول الأفريقية لجعل الاتحاد ومعه مجلس السلم والأمن الأفريقي أداة لحل النزاعات، لتحقيق السلام بأفريقيا، لا أداة لاستصدار قرارات مفتقدة للمشروعية الدولية والأممية كما كان يحدث مع المغرب نفسه طيلة سنوات قبل استرجاعه لمقعده.
فمهمة استكمال ورش إصلاح مجلس السلم والأمن الأفريقي ليعود للعب دوره الطبيعي خاصة منه اعتماد سياسة دبلوماسية وقائية واستباقية للأزمات عن طريق تكريس الوساطة الحقيقية له تفاديا للأزمات التي تهدد السلم كالتي عاشتها القارة الأفريقية، كذا التدخل لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية الكبيرة، عكس ما ظل يقوم به لسنوات طوال منشغلا ببعض القضايا الهامشية والملفات التي لا تدخل ضمن مجال اختصاصاته إذ يظل الاختصاص فيها حصريا للأمم المتحدة، مما تسبب في ازدياد حجم التهديدات الأمنية بالقارة وفوت عليها استثمار الوقت والجهد الذي ضاع في سبيل تحقيق الرفاهية لشعوب أفريقيا والديموقراطية وضمان الانتقال السلمي للسلط…
الرئاسة المغربية لمجلس السلم والأمن الأفريقي، ستنطلق ليس فقط بمعالجة ملفات ذات طابع راهني بالنسبة لأفريقيا، بل بحدث كبير يتعلق بتنظيم ندوة سياسية كبرى ستحتضنها مدينة طنجة ما بين 25 -27 أكتوبر 2022، ستناقش ”تعزيز الارتباط بين السلام والأمن والتنمية، آفاق تكامل إقليمي”، بشراكة مع إدارة الشؤون السياسية والسلم والأمن بالاتحاد الإفريقي، وهي الندوة التي يراهن عليها المجلس لمناقشة مختلف القضايا التي تهم مستقبل القارة الأفريقية في ارتباط التنمية والسلام بتحقيق وتحقق الأمن، مما سيجعلها فرصة سانحة لنقل التجربة المغربية في مجال محاربة الإرهاب والتطرف لكل الدول الأفريقية وللاتحاد الأفريقي، خاصة وأن التهديدات الإرهابية باتت تهديدات حقيقية للأمن في أفريقيا وفي حال إذا ما استمرت ستقوض من كل فرص نجاح مشاريع تنمية القارة، خاصة وأنه بات هناك إجماع أفريقي وأممي على ارتباط التهديدات الأمنية بالمشاريع الانفصالية المفتعلة التي تغذي الشبكات الإرهابية والإجرامية، بحيث أنها هي من تستغل بعض المناطق المضطربة في القارة الأفريقية لتحويلها لنقظ تمركز جديدة لهذه التنظيمات الإرهابية بالقارة لضرب الاستقرار والأمن والسلم بالقارة مع كل ما يعني ذلك من انهيار فرص العيش بسلام، واستحالة تحقيق التنمية وبناء الديموقراطية المحلية الأفريقية.
الرئاسة المغربية لهذا المجلس، هي نجاح أولا وأخيرا للرؤية المغربية التي عبر عنها الملك غير ما مرة سواء بشكل مباشر أو من خلال الرسائل التي ظل يوجهها، ونجاح للسلوك الدبلوماسي الذي ظل المغرب يتحرك به داخل القارة خاصة بأجهزته، وهو النجاح الذي دعم مصداقية المغرب وجعله البلد الأكثر تأهيلا لقيادة إصلاح أجهزة الإتحاد الأفريقي وفق رؤية مُجمع عليها من غالبية الدول الأفريقية بقيادة المغرب، رؤية تريد أن تكون أجهزة الاتحاد في خدمة شعوب أفريقيا لا دفتر تحملات لدى أنظمة ثبت فشلها في تحقيق السلم والأمن بأفريقيا بعد عقود من سيطرتها على أجهزة الاتحاد مستغلين غياب المغرب، هذا الغياب الذي انتهى وانتهت معه مختلف التصورات البائدة لصالح أفريقيا مشرقة، ديموقراطية تعيش شعوبها بسلام وأمن.