بقلم: نوفل البعمري
يخلد المغاربة ذكرى عيد العرش التي تؤرخ لتاريخ انتقال العرش من المغفورله الحسن الثاني إلى الملك الحالي محمد السادس، و هو انتقال لم يكن فقط مؤسساتيا أو سياسيا، بل شهد أيضا انتقالاً و تحولاً في كيفية معالجة عدة ملفات على رأسها ملف الصحراء، هذه المعالجة الجديدة التي اقترنت بالعهد الذي يقوده محمد السادس توثق لمجمل التطورات التي شهدها ملف الصحراء و الذي أدى إلى أن ينتقل أولا المغرب من وضعية الدفاع الوضعية الهجوم، ثم يحقق في ظل التحول اختراقات و انتصارات كبيرة أدت إلى الاعتراف الأممي بمبادرة الحكم الذاتي كحل سياسي وحيد لطي الملف، و قطعت مع وضعية التدبد التي كانت توجد عليها علاقة العديد من الدول بهذا الملف، و غيرها كما حققه المغرب في ظل قيادة الملك للدبلوماسية المغربية، هذه القيادة التي استطاعت أن تسجل عدة نقط لصالح القضية الوطنية و هي نقط مرتبطة بالأسلوب الجديد في معالجة الملف و هي معالجة كانت بصمة الملك حاضرة فيها، و يمكن اجمال بعض هذه التحولات في:
1- الملك يحرر المبادرة اتجاه القضية الوطنية.
منذ انطلاق العهد الجديد كان هناك تركيز في خطب الملك علاقة بملف الصحراء على ضرورة انخراط الجميع في القيام بمبادرات اتجاه القضية الوطنية، انطلاقا من طبيعة تدبير الملف بالرؤية الملكية الجديدة التي ترجمت التحولات الكبرى التي عاشها الملف طيلة سنوات حكم محمد السادس، و هي تحولات عكست وجود مقاربة جديدة، بنظرة متجددة اتجهت بداية نحو تحرير المبادرة السياسية و المدنية ذات البعد الوطني علاقة بنزاع الصحراء و بالخطوات التي يمكن القيام بها لتعزيز الطرح المغربي، و هو ما شجع العديد من الفاعلين إلى اتخاذ الكثير من المبادرات باعتبارها رافعة أساسية فيما يُعرف بالدبلوماسية الموازية التي أصبحت اليوم واجهة أساسية في عمل الدبلوماسية المغربية، و مكملة لما تقوم به الدولة في هذا المجال، و الذي لولا خطوة الملك نحو الدعوة لاتخاذ كافة المبادرات الوطنية و تحريرها جل الطاقات لدعم الموقف المغربي لما كانت هناك جرأة اتخاذ العديد من الخطوات، و هنا استحضر خطوة تبادل الزيارة التي تمت مع شبيبة البوليساريو سنة 2013 التي استُقبل فيها شبابهم بالمغرب و انتقلنا آنذاك من المغرب نحو زيارة مخيمات تندرف و هي الزيارة التي مكنتنا من الإطلاع على الوضع الميداني هناك، و التي يعود الفضل لنجاحها فيما قام به الملك من تحرير للمبادرة علاقة بالقضية الوطنية،و هي الزيارة التي لم يكن لها أن تنجح فيما مضى، و لما تمكنا من استقبال شباب البوليساريو و لما استطعنا الولوج للمخيمات بدون أن يثير الأمر حفيظة الدولة، خاصة و أننا كنا أول شباب مؤمن بالطرح الوطني و نادى به من داخل المخيمات و أمام جل مسؤولي و قيادات البوليساريو على مختلف مستوياتهم،و قد يكون هذا المثال الذي سقته لواحد من الأمثلة الواضحة و الكثيرة التي تكشف عمق هذا التحول الذي شهده الملف في ظل عهد محمد السادس، و يعكس ثقة الدولة في مختلف المبادرات التي يمكن أن يتم اتخاذها من طرف الفاعلين بمختلف تلاوينهم دعما للملف و للقضية الوطنية الأولى،في إطار مقاربة تعتمد على تحرير المبادرات علاقة بالملف،و لولا هذا التوجه الجديد الذي تم الحرص عليه انسجاماً مع روح القيادة الملكية الجديدة لما تم اتخاذ مبادرات و خطوات هامة جداً، لم يكن لها أن تحدث سابقاً،بحيث تم تحرير المبادرة و معها انتقل المغرب من منطق التحكم في و في المعلومة إلى منطق الشراكة بين المجتمع و الدولة لتعزيز تموقع المغرب قارياً و أممياً و في مختلف التكتلات الدولية التي تُطرح فيها القضية الوطنية، لهذا فقد استطاع المغرب تحقيق تموقع جديد دوليا عزز من الاقتناع و من دعم مبادرة الحكم الذاتي،و ذلك بفضل هذه المقاربة الملكية الجديدة.
2- محمد السادس و مقاربة الحل الديموقراطي للنزاع:
إن عهد محمد السادس الذي دام لأكثر من عشرين سنة، هو عهد لا يمكن وصف ما تحقق فيه من إنجازات بالانتصارات فقط، بل ما عشناه على مستوى تدبير الملف يُعتبر علامة فارقة في تاريخ المغرب الحديث، و يعكس التزاماً واضحاً للملكية اتجاه الوحدة الوطنية/الترابية للمغرب و هو التزام تاريخي انطلق مع المغفور لهما محمد الخامس و الحسن الثاني و يستمر مع الملك الحالي قائمة على أسس متينة، واضحة،و شجاعة تجسيداً للعهد الذي يقوده الملك الحالي معتمدة على مقاربة الحل الوطني الديمقراطي، هذا الحل الذي يُعتبر العنوان الأبرز لهذه المرحلة و هو الحل”مبادرة الحكم الذاتي” الذي اقترحه المغرب لطي الملف للمضي قدما بالمغرب نحو وضع منطقة الصحراء على سكة التقدم، و على أن يحظى المغرب بالمكانة التي يستحقها كبلد عريق بملكية قائدة فيه للإصلاح و مُعبرة عنه.
3- الملك و التوجه الاستراتيجي الجديد:
إن التصور الذي وضعه الملك في مقاربة ملف الصحراء،الذي سبق أن عبر عنه في مختلف خطبه سواء بمناسبة عيد العرش أو بمناسبة المسيرة الخضراء، و أعلن فيها عن التوجه الاستراتيجي للمغرب في ظل هذا العهد، و هو توجه الكثير من مرجعياته الأساسية تجد سندها في خلاصات تقارير هيئة الإنصاف و المصالحة خاصة منها ما يتصل بمعالجة الانتهاكات الحقوقية التي حدثت في الأقاليم الصحراوية الجنوبية و كان النشطاء الصحراويين من ضحاياها، و هي خلاصات أعلنت عن دعم الخيار الديموقراطي ممثلا في مبادرة الحكم الذاتي، فكانت النواة الأساسية لفكرة الحل منطلقة من معالجة انتهاكات الماضي، و توجه الملك نحو تبني الخيار الديموقراطي في إطار المصالحة التي تمت مع المنطقة و في إطار نظرة المغرب الجديدة لطي النزاع مبنية على الديموقراطية المحلية، و قد حصل هذا الخيار على دعم كامل من طرف الملك بكل ما له من رمزية و سلطة في إعلان صريح و واضح على كون خيار مبادرة الحكم الذاتي هو خيار مرتبط أولا باختيارات المغرب الاستراتيجية في بناء دولة محمد السادس الحديثة و الجديدة، و مرتبط بالتزام سياسي للدولة مع الساكنة الصحراوية، و هو الالتزام الذي جعل من فكرة الانفصال تتحول لفكرة هامشية إلى أن اختفت بالمنطقة بانخراط الساكنة و مختلف فاعليها مع تنزيل هذا الخيار، مما أسقط ورقة كانت تستغل سابقا بكل ما كانت تمثله من ورقة ضغط على المغرب داخلياً و خارجيا، مما فتح الباب أمام تجديد التلاحم الوطني الذي ظلت تجسده الساكنة المحلية الصحراوية مع العرش، هذا التلاحم تقوى بمبادرة الحكم الذاتي و بالاختيار الديموقراطي الذي دفع بالمؤسسات المحلية المنتخبة إلى المشهد بفسح المجال أمامها و أمام المنتخبين المحليين للعب دورهم الكامل في تمثيل الساكنة ليس فقط داخل المؤسسات المنتخبة محلياً و حهوياً، بل أيضا للعب دور محوري في العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، من هنا جاءت مشاركتهم في الجلسات التشاورية التي عقدتها و نظمتها الأمم المتحدة بإشراف من المبعوث الأممي السابق و التي أكدت على كون الوفد المغربي الذي مثل فيه المنتخبين المحليين بقوة في الجلسات التي انعقدت بجنيف هم الممثلين الحقيقيين و الوحيدين للصحراويات و الصحراويين، و هم المؤهلين للحديث باسم الساكنة الصحراوية حتى منها تلك التي مازالت قسراً بالمخيمات، مما خلق وضعاً استراتيجيا متقدما للطرح المغربي و أحدث اختراقاً سياسيا كبيرا للمغرب داخل الأمم المتحدة.
4-الملك و المعالجة الجديدة بمجلس الأمن للملف:
بالعودة للسنوات التي عولج فيها الملف داخل الأمم المتحدة أثناء فترة حكم الملك محمد السادس، فإنه لابد و أن نسجل التحولات الكبيرة التي شهدتها قرارات مجلس الأمن و طبيعة النقاشات التي حدثت و تحدث عند عقد كل جلسة لمناقشة الملف، و هي تحولات أسقطت عدة أوهام سواء تلك التي ظلت الجزائر ترددها أو تلك التي ظلت البوليساريو تدعو لها بإيعاز من النظام الجزائري، و هي تحولات مرتبطة بالديناميك التي خلقها الملك دبلوماسيا داخل أروقة الأمم المتحدة، و يمكن بسط بعض هذه التحولات في:
أ- حسم ورقة حقوق الإنسان لصالح المؤسسات الوطنية:
لقد كان خصوم المغرب طيلة سنوات يُشهرون ورقة حقوق الإنسان في المنطقة و التي كانوا يلعبون، و هي الورقة التي كانت مصدر إزعاج للمغرب داخل الأمم المتحدة سواء بمجلس الأمن أو بالجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن مع اختيارات المغرب في مرحلة ما بعد إنهاء عمل هيئة الإنصاف و المصالحة و دسترة المجلس الوطني لحقوق الإنسان،و العمل الذي تم القيام به على المستوى المحلي بالصحراء من خلال لجانه في إطار مقاربة حقوقية شاملة للدولة عملت و تعمل على إدماج الفاعلين الصحروايين في النسيج الحقوقي المحلي مؤسساتيا و مدنيا، و بالعمل على توسيع هامش الحريات و الحقوق واحترام حرية التعبير و تأسيس الجمعيات و المنظمات المدنية بالمنطقة،و غيرها من الاختيارات المنسجمة مع ما ظل عاهل البلاد يدعو له، تم محاصرة ورقة حقوق الإنسان بحيث أنه ما بعد سنة 2012 لم يعد موضوع “توسيع مهمة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان” ذي قيمة حقوقية أو سياسية في مجلس الأمن و لم تعد تحضى بالمكانة التي كانت عليه سابقاً في أدبياته سواء في التقارير الصادرة عن الأمين العام للأمم المتحدة أو قرارات مجلس الأمن التي باتت تعترف بالعمل الذي يقوم به المجلس الوطني لحقوق الإنسان و لجانه الجهوية حيث باتت قرارات مجلس الأمن يتوسع فيها حضور المجلس الوطني لحقوق الإنسان منذ سنة 2013 ليصبح ثابتا من ثوابت ما يصدر من قرارات، و المخاطب لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، مما دفع خاصة مع التفاعل الإيجابي للمغرب مع مختلف الآليات الأممية الحقوقية إلى اقتناع مختلف المؤسسات الأممية بالعمل الإيجابي الذي يتم القيام به في الأقاليم الصحراوية الجنوبية سواء على مستوى الحقوق المدنية والسياسية أو على مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مما أدى إلى تهميش هذا الطرح الذي لم يعد يجد صداع إلا بعض التقارير المخدومة لمنظمات دولية
ب- حسم الحل السياسي لصالح مبادرة الحكم الذاتي:
بالعودة لخطب الملك محمد السادس خاصة خطب المسيرة الخضراء منذ سنة 2015 إلى الآن سنجده قد وضع تصوراً واضحا لعمل الدبلوماسية المغربية في العلاقة بنزاع الصحراء خاصة داخل أروقة الأمم المتحدة، إذ أن المغرب بفعل الوضع المتقدم الذي بات يحضى به أصبح موثراً و أصبحت معه خطب الملك مرجعية في قرارات مجلس الأمن و تقارير الأمناء العامين، بحيث لا تخلو الوثائق الصادرة عنهما من الإشارة إلى خطب الملك و توجيهاته، هذا الحضور الملكي في الوثائق الأممية لم يكن له ليكون لولا العمل الذي أسس له المغرب بهدوء، وضوح و شجاعة و بطموح كبير نحو طي الملف نهائيا على أرضية مبادرة الحكم الذاتي، و هي الأرضية التي سبق للملك أن أعلن عن كونها هي الوحيدة الأرضية المطروحة للنقاش داخل الأمم المتحدة، و أن الصحراء لم تكن يوماً موضوع نقاش، بل الحل السياسي الذي يضمن و يحترم سيادة المغرب هو الذي يجب مناقشته،و هو الوحيد الموضوع على أرضية النقاش و التفاوض إن حدث مستقبلا بين المغرب و الجزائر تخت قيادة الأمم المتحدة، و قد استطاع المغرب بفضل هذا التصور أن يُقنع الأمم المتحدة و مختلف شركائه بتبني المبادرة المغربية باعتبارها الحل الوحيد المطروح للتباحث و التفاوض السياسي، بالتالي يكون المغرب بفضل هذا التصور الملكي الجديد قد أسقط نهائيا ورقة “استفتاء تقرير المصير” من حسابات الأمم المتحدة، و جعل من هذا التحول انتصار مستقبلي للمغرب و للمنطقة،و انتصار لفكرة الحكم الذاتي التي أصبحت تحضى بإجماع أمميو بدعم دولي بفضل العمل الذي تم القيام له طيلة هذين العقدين من حكم محمد السادس.
ج- مجلس الأمن و الاعتراف بمحورية الدور الجزائري:
لقد عمل المغرب بفضل ما طرحه الملك من توجهات إلى أن يُقنع الأمم المتحدة بمختلف أجهزتها إلى كون النظام الجزائري هو الطرف الأساسي في هذا النزاع باعتباره صاحب المصلحة في عدم التوصل للحل و الذي لولا الحشد المالي و الدبلوماسي الذي يقوم به هذا النظام لمعاكسة المغرب في وحدته الوطنية لما استطاعت البوليساريو الصمود طيلة هذه السنوات و لكانت الأمم المتحدة قد طوت هذا النزاع منذ اقتناعها بمصداقية الطرح المغربي و جديته، و هو الطرف الأساسي الذي يجب أن يكون معه النقاش و ليس تنظيم البوليساريو الذي يعتبر تنظيماً ميتاً، ذيلياً للعسكر.
هذا الواقع الذي ظل المغرب يترافع من أجل إثباته و قد استطاع أخيراً أن يثبت هذا الواقع بفضل ما قدمه من حجج و بفضل ما عاينته الأمم المتحدة نفسها من تحركات جزائرية في المنطقة و في مجلس الأمن و اللجنة الرابعة و هي كلها تحركات أكدت على كون هذا النظام هو المعنى أولا و أخيراً بهذا النزاع، و هو ما دفع الأمم المتحدة مع ما ظل المغرب يطرحه سواء في تحركاته أو في خطب الملك من معطيات إلى الإعلان الرسمي من طرف مجلس الأمن أولا بكون النزاع ذي طبيعة إقليمية و ليس نزاع داخلي/داخلي، و بأن الطرف الأساسي من الجانب الآخر هي الجزائرو ليس البوليساريو، بحيث أصبحت قرارات مجلس الأمن تذكر فيها الجزائر أكثر مما يتم فيه ذكر تنظيم البوليساريو، و تتطرق للنظام الجزائري باعتباره الطرف الرئيسي و المخاطب من الجانب الآخر في النزاع إلى جانب المغرب، و أصبح حضور البوليساريو في العملية السياسية الأممية حضوراً هامشياً،هذا التطور الأممي في مقاربة مثلث النزاع هو ما دفع النظام الجزائري إلى إجهاض جلسات جنيف 2، و عرقل تحركات المبعوث الأممي للمنطقة ستيفان دي ميستورا ليستكمل المسار حيث انتهت إليه جلسات جنيف 1 و جنيف2. 5- الملك و العملية الأمنية بالكركرات:
في الوقت الذي كان فيه بلاطجة البوليساريو يعتقدون أنهم سيحولون المنطقة الفاصلة بين موريتانيا و المغرب إلى نقطة تمركز مليشياتي لهم لعرقلة حركية السير التجارية و المدنية، خاصة مع صدور تقارير تتحدث عن مخطط جزائري لنقل ساكنة المخميات إلى هذه النقطة، كان المغرب تحت قيادة الملك القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية يعمل على وضع تصور للتحرك الميداني لوقف أعمال البلطجة التي ظلت تقوم بها هاته العناصر بالكركرات بايعاز و تحريض من العسكر، هذا التحرك الذي أدى بفعل فعاليته إلى تحقيق نتائج كبيرة جدا كانت موضوع ترحيب وطني من طرف جل المغاربة، و جسد ملحمة وطنية من ملاحم المغرب الحديث، بحيث أن القوات المسلحة الملكية تحت قيادة قائدها استطاعت أن تحرر المنطقة بسرعة و دون إراقة الدماء، و عمدت إلى طرد عصابات البوليساريو من قطاع الطرق لما وراء الجدار العازل، ليتم إعادة تهيئة المنطقة و تعزيز الحضور المغربي فيها باعتبارها نقطة عبور ما بين المغرب و موريتانيا.
لقد شكلت هذه العملية واحدة من التحركات الذكية للمغرب التي قادها الملك بصفته العسكرية، خاصة و أن الأمم المتحدة لم تقم بإدانة التحرك المغربي في هذه النقطة رغم كل الحملات الدعائية التي قام بها العسكر الجزائري الذي جند جل مؤسساته الدبلوماسية لمحاولة دفع المنتظم الدولي لشجب المغرب،و هي المحاولة التي بائت بالفشل بفعل التحرك الدبلوماسي الذي قام به المغرب لتوضيح الموقف المغربي و طبيعة التحرك الأمني الذي قام بالموازاة مع التحرك الأمني في المنطقة، مما أجهض جل المحاولات اليائسة للنظام الجزائري لاستصدار قرار أممي يدين المغرب، و هو ما عكس حجم الحضور المغربي داخل الأمم المتحدة و المصداقية التي بات يحضى بها داخل أجهزته فلم يعد للنظام الجزائري إلا القيام بحملة دعائية تحريضية ضد المغرب في إعلان عن هزيمة دبلوماسية صريحة للعسكر و لقيادته أمام حكمة الملك.
6- الملك و الاعتراف الدبلوماسي بمغربية الصحراء:
العمل الدبلوماسي المغربي في منطقة الصحراء شهد قفزة كبيرة جدا، ليس على مستوى الأممي فقط، لكن أيضا بما استطاع المغرب تحقيقه في ظل القيادة الملكية و هي قيادة اشتغلت بهدوء بعيداً عن الأضواء الإعلامية و في العديد من المحطات لم نكن نرى سوى النتائج الدبلوماسية التي يحققها المغرب، هنا جاء الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء و هو الاعتراف الذي وقعه الرئيس ترامب و عززه الرئيس الحالي بايدن، هذا الاعتراف الأمريكي كان له وقعه على المنطقة و على الكثير من الدول نظرا لكون من أعلن عنه بلد له وزنه الكبير، حاضر بقوة في مختلف النزاعات الإقليمية، كما أنه اعتراف فتح المجال أمام اعترافات أخرى لدول كانت للأمس القريب تعبر عن مواقف متدبدة من مغربية الصحراء، بحيث تبت الإعتراف الأمريكي إعلان ألمانيا عن دعم مبادرة الحكم الذاتي،لتليها إسبانيا، هذه الاعترافات الصريحة و الواضحة لهذه الدول التي لها وزنها الإقليمي داخل المنطقة و الداخل أجهزة للاتحاد الأوروبي، و لها تأثيرها التاريخي في نزاع الصحراء كحالة إسبانيا لم تأتي بشكل اعتباطي بل بفضل الحوار الذي قاده الملك بشكل شخصي معها و بالحرص على أن يتم بهدوء، و وضوح و شجاعة كما أعلن عن ذلك هو نفسه، كذلك بطبيعة الحوار الذي قاده الملك و وقف فيه الند للند أمام مختلف الدول،فلم يخضع فيها المغرب لأي اببتزاز و لا لمحاولة لي ذراعه باستغلال سيئ لهذا الملف، إذ أعلن الملك في خطب رسمية عن رفضه لكل هذه الممارسات و حدد المعايير التي ستحكم عودة علاقة المغرب مع هذه الدول،و هي معايير استندت على الوضوح، الاعتراف بمغربية الصحراء و احترام سيادته الكاملة عليها، و هي الرؤية التي أتت أكلها بحيث لم تمض أيام قليلة على خطاب ثورة الملك و الشعب للسنة الماضية حتى اعترفت ألمانيا و تبعتها إسبانيا بمغربية الصحراء، فكان هذا التحول انتصار واضح للرؤية الملكية الذي أعاد للمغرب هيبته و صورته كبلد كبير لا يمكن المس بمصالحه و لا يمكن أن تكون مصالحه الوطنية موضوع مساومة.
لقد تعززت هذه الاعترافات بسلسلة فتح القنصليات المستمرة من دول عربية و أفريقية بالداخلة و العيون،و هي اعترافات ليست مجاملة دبلوماسية للمغرب، بل هي إعلان صريح من طرف هذه الدول على مغربية الصحراء و على السيادة الوطنية الكاملة عليها، و هي إعلان عن كون المجال الدبلوماسي واحد من المجالات التي يمارس من خلالها المغرب و الملك باعتباره رئيساً للدولة المغربية و قائدا لها سلطته الدبلوماسية على هذه المناطق،فكانت افتتاح هذه القنصليات بالإضافة إلى الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء في إعلان عن حسم النزاع لصالح المغرب و تجسيد لدعم دولي لاختيارات المغرب في هذا الملف.
خاتمة: إن ملف الصحراء شهد عدة منعرجات و واجه مطبات و فخاخ كثيرة كان خصوم المغرب يضعونها أمامه مستعينين بمنظمات تدعي أنها منظمات حقوقية، و بأموال المساعدات الإنسانية التي كان يُفترض أن توجه للصحراء، و بدبلومسية “الجار” الذي وظف كل شيئ لعرقلة سيادة المغرب على أقاليمه، و هي كلها فخاخ استطاع المغرب تجاوزها بسلاسة، و حنكة سياسية و دبلوماسية كبيرة بفضل القيادة الملكية الذي أعطى طيلة فترة حكمه لهذا الملف روحاً جديدة، جسدتها المقاربات الجديدة التي قارب بها هذا الملف، و هي مقاربة عكست الهوية الوطنية و الديموقراطية للملكية في المغرب و لملكها.