جاء افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية العاشرة مباشرة بعد تعيين الملك محمد السادس للحكومة المعدلة. وبدهي أن ينتظر الرأي العام المغربي التعرف على طبيعة المهمة المركزية الراهنة للمؤسسة البرلمانية انطلاقا من مضمون الخطاب التقليدي الذي يلقيه الملك محمد السادس أمام البرلمانيين عند افتتاح الدورات البرلمانية العادية، وكذلك التعرف على طبيعة المهام المنوطة بالطاقم الحكومي الذي خضع للتعديل.
وقد جاء هذا الخطاب كما كان متوقعا تكريسا لنهج اتبعه الملك محمد السادس منذ سنوات عدة حيث تتم المزاوجة، عادة، بين الحرص على توضيح الرؤية حول بعض القضايا الحيوية التي لا يمكن تناولها جزافًا، وإنما انطلاقًا من تصور واضح يولي الإهتمام بمختلف أبعادها من جهة، وبين ما يمكن اعتباره حث المؤسسة البرلمانية على الإضطلاع بمهامها المحددة دستوريًا حتى تكون عند حسن ظن الناخب المغربي، من جهة أخرى.
وبالفعل، فإن خطاب الحادي عشر من أكتوبر أمام البرلمان بغرفتيه، قد وضع علامات على طريق العمل البرلماني المغربي على المستويات الأساسية التالية:
أولا، على مستوى طبيعة دور المؤسسة البرلمانية والصلاحيات الواسعة التي يخولها لها دستور البلاد في مجالات التشريع ومراقبة عمل الحكومة.
ثانيا، على مستوى المهام المركزية للمرحلة المقبلة.
ثالثًا، على مستوى النظرة الملكية للانتظارات من العمل البرلماني.
رابعًا، على مستوى استشراف خطوات المستقبل على طريق بلورة النموذج التنموي الجديد.
يمكن التعامل مع الخطاب الملكي إذن، على مستويات عدة، غير أن أهمها على الإطلاق بالنسبة للظرفية التي يعيشها المغرب هي:
أولا، أفق الخطاب على المديين القريب والمتوسط أي طبيعة مهام المرحلة التي رسمها الخطاب. وهي المرحلة الجديدة التي يعتبر خطاب العرش الأخير قاعدتها المرجعية، كما أكد على ذلك الخطاب. وقد استفاض في تحديد بعد أساسي منها من حيث تناوله لدور القطاع الخاص ولا سيما منه القطاع البنكي والمالي في توفير شروط ربح معارك التنمية المختلفة في هذه المرحلة. ولعل الخطاب على هذا المستوى حريص على تقديم القواعد التأسيسية لهذا التوجه للقطع مع بعض الأفكار التي تروج دائما لفكرة أن الاضطلاع بمهام التنمية محصور في الجهد الحكومي. فقد أبرز الخطاب بوضوح أن الدولة ليس بإمكانها لوحدها الإضطلاع بتلك المهام على الإطلاق وبالتالي فإن المسؤولية الوطنية تقتضي مساهمة جماعية لا ينبغي أن يستثنى منها القطاع الخاص كما أشار إلى المجالات الرئيسية التي يمكن لهذا القطاع التدخل فيها والفوائد التي ستعود على المجتمع من ذلك.
ثانيا، مفردات الخطاب منطوقًا ومفهومًا:
وعلى هذا المستوى، يمكن القول: إن الخطاب قد اختار العبارات المباشرة في تحديد مهام مختلف المؤسسات المعنية بالعمل لتنفيذ مهام المرحلة سواء تعلق الأمر بالحكومة أو بالمؤسسة التشريعية أو بالقوى السياسية. وبطبيعة الحال، فإن التعامل بهذه الطريقة المباشرة المرتبط بضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة يعني أن الإرادة الملكية تقضي فعلا بأن مرحلة جديدة قد بدأت وأن على الجميع أن يكون في مستوى التحدي.
ويبدو أن تذكير الحكومة بأن الإدارة في خدمتها وأن عليها الإستفادة من خدماتها هو توجيه مباشر هو أيضا إلى الإدارة لمقاومة كل أساليب العرقلة التي قد تصدر عن بعض مرافقها لهذا السبب أو ذاك.
أما على مستوى مفهوم الخطاب فقد يمكن اعتباره نوعًا من القول: “ها أنا قد بلغت”. ولا عذر لأي كان، بعد اليوم،في محاولة التخفي وراء ما لا يمكن التخفي وراءه، من ذرائع لتبرير القصور في العمل وعدم التعامل مع المهام المطروحة بكامل الجدية والمسؤولية.
بل إن الخطاب الملكي قد حرص من جهة أخرى، على قطع الشك باليقين بالنسبة لعمر البرلمان الحالي، عندما طالب البرلمانيين بالإنكباب على مهامهم وهم في منتصف الولاية البرلمانية. وهذه ليست مرحلة التجاذبات والاختلافات السياسية التي عادة ما تميز المراحل الإنتخابية، وبالتالي فإنه لا مبرر لهدر الوقت بل المطلوب هو العمل بتفان لما فيه مصلحة الوطن والمواطنين.
خلاصة القول: إن الخطاب قد وضع مرة أخرى النقط على حروف ممارسات مؤسسات البلاد ومن شأن التفاعل الإيجابي مع مقتضياته فتح آفاق رحبة أمام بلادنا على طريق بلورة نموذجها التنموي المنشود.