أكتب اليوم في موضوع لم يسبق لي أن كتبت حوله من قبل وهو موضوع العفو الملكي.
المناسبة العفو الملكي في عيد الفطر الذي شمل معتقلين من جرادة والحسيمة وأثار بعض الجدل على مواقع التواصل الإجتماعي والمواقع الإلكترونية بين محبذين، وهم كثر؟ وبين غير محبذين وهم قلة قليلة لا يمثلون في الأمر إلا هوامش الحياة السياسية المغربية.
ومع ذلك، فإن ما يثير الأسئلة هو هذه الهوامش بالذات، وليس موقف الأغلبية الساحقة من المهتمين بالشأن العام في البلاد الذين استقبلوا القرار الملكي بالإرتياح.
فلماذا تثير هذه الأقلية الهامشية أسئلة ينبغي الإلتفات إليها دون غيرها؟
السبب بسيط في رأيي وهو أن من حبذوا قرار العفو الملكي على جزء من المعتقلين، في ملفي الحسيمة وجرادة، كانوا منطقيين مع أنفسهم ومع مختلف أبجديات العمل السياسي، ذلك أن المخرج الوحيد الممكن، من حالة بقاء هؤلاء في السجون بعد صدور أحكام القضاء في حقهم هو الاستفادة من العفو الملكي من جهة، وكانوا منطقيين مع أنفسهم لأن العفو كان من بين مطالبهم المرفوعة في مختلف تدخلاتهم، صراحة أو ضمنا، وخاصة بالنسبة لأسرهم وعائلاتهم التي كابدت ظروف الحرمان من ذويها لمدد ليست بالقصيرة من جهة أخرى. ومن طبيعة الأشياء أن يتم النظر إلى العفو الملكي بالعين الإيجابية والأمل في أن يشمل أعدادا أخرى في المستقبل، إمعانا في سياسة الإنفراج والتعامل بالحكمة الضرورية مع ملفات تنطوي على تعقيدات كثيرة من حيث وقائعها ومعطياتها ومن حيث سياقها وخاصة محاولات استغلالها لخدمة أغراض، وربما أجندات سياسية لا علاقة لها بمصلحة المعتقلين التي يتم زعم كونها الوازع والمحرك الحقيقي لعدد من المواقف المعلنة على هذا الهامش أو ذاك.
وهذا يعني في المقابل، ان الأصوات التي خرجت عن منطق الأشياء وشكلت نشازا حقيقيا تدعو إلى طرح بعض الأسئلة والتأمل فيها وفي مواقفها الحقيقية من قضية المعتقلين خارج كل ادعاءات التضامن والتبني المعلنة أمام الملإ لأن المخبر هو الذي يحسم في مدى سلامة وصحة الخبر. والحال، إننا أمام تناقض جذري بين هذين الأمرين، إذ كشفت الممارسة الملموسة، وهي هنا الموقف السلبي من إطلاق سراح المعتقلين، زيف وادعاء ما لم يكن غير إعلانات تضامن للاستهلاك والبحث عن مطية لإيجاد مواطيء قدم في المشهد السياسي المغربي ومن مواقع المعارضة الزائفة .
إن المنطق السياسي كما المنطلق الحقوقي السوي يفرضان على المنظمات السياسية والحقوقية حقاً الإحتفاء بالعفو الملكي على هؤلاء المعتقلين لأنه ضمن صلب مطالبها المعلنة من جهة، وهو من صميم صلاحيات رئيس الدولة الدستورية من جهة أخرى، لا أن تحاول تبخيسه، كما فعل بعضها، أو تزايد على العائلات والمعتقلين الذين رحبوا بالقرار الملكي كما فعل بعضها الآخر.
ولعل ما يثير الشفقة في تبريرات التحفظ أو التقليل من أهمية العفو الملكي ما قيل حول كون الذين شملهم العفو هم من كانوا قاب قوسين أو أدنى من انتهاء محكوميتهم. ذلك أن مثل هذا القول يدل على سطحية لا متناهية في التعامل مع القرار، كما ينم جهل تام بمعنى العفو أصلاً ومحاولة حصره في مجرد استعادة حرية الحركة خارج أسوار السجون بالنسبة للمواطنين الذين صدرت في حقهم أحكام قضائية بحرمانهم من هذا النوع من الحرية. إن جوهر العفو، ياسادة، هو إسقاط الإدانة والعقوبة وعدم إدراجها ضمن السجل العدلي للمعتقلين السابقين. الأمر الذي يعني أن العفو يعيدهم إلى موقع المساواة مع غيرهم من المواطنين. وهذا البعد في العفو هو الذي ينبغي التأكيد عليه، لأنه يحرر المعتقلين السابقين من وطأة الأحكام القضائية المدينة لهم.
إن السلوك السياسي السليم في مثل هذه الحالات هو تثمين أي خطوة يتم إنجازها لتبديد كل أسباب الاحتقان الممكنة وسيادة التفاعل الإيجابي مع القرارات التي تعود بالنفع السياسي أو النفسي أو المادي على هذه الفئة أو تلك من المواطنين.
أما البحث عن ذرائع واهية لتبخيسها كما فعل البعض بمناسبة العفو الملكي على عدد من المعتقلين، فهذا يدخل ضمن كل الخانات الممكنة خارج خانة العمل السياسي والحقوقي النبيل. وهنا تكمن مأساة مثل هذا المنطق.