لا يظهر الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني،عجلة لإجراء انتخابات تشريعية قبل أوانها، واستغلال الظرفية الاقتصادية الإيجابية، فضلا عن إجماع أكثر من استطلاع للرأي أجري في الأشهر الأخيرة على أن الحزب بقيادة زعيمه،بيدرو سانشيث، سيحسن لا محالة وضعه في الصناديق بالحصول على عدد أكبر من النواب في البرلمان، ما سيقوي قدرته التفاوضية في حال عدم حصول أي حزب على أغلبية مطلقة تؤهله لتشكيل حكومة بمفرده، كما كان الحال في الماضي، على اعتبار أن عهد القطبية الحزبية والتناوب على السلطة بين الحزبين الكبيرين: الشعبي المحافظ والاشتراكي اليساري؛ عهد قد مضى إلى غير رجعة، بل إن المشهد الحزبي في إسبانيا مرشح لتعددية أو تشرذم أكبر، في القادم من السنين.
ويراهن الاشتراكيون على مصادقة البرلمان على الميزانية العامة التي سيعرضونها قريبا على أنظار المؤسسة التشريعية للتصويت عليها بالقبول وفي حال الرفض ستتم الدعوة إلى الانتخابات قبل موعدها.
ويتمنى رئيس الوزراء، سانشيث، أن يتغلب منطق مصلحة الدولة واستفرارها على الحسابات الحزبية، لذلك ناشد أهم الأحزاب المؤثرة بأصواتها، وعينه على “مواطنون” للموافقة على حسابات الدولة، لضرورات عملية أهمها تزاحم الأجندات الانتخابية : الأوروبية والبلدية. فإذا أضيف لهما الاقتراع على ممثلي الأمة في البرلمان، فإن ذلك يعني نصف سنة تقريبا من الحملات والصراعات بين الفاعلين السياسيين.
وبطبيعة الحال، فإن كل حزب يطمع في استثمار الظرفية السياسية والاجتماعية لصالحه :فالحزب الشعبي، يسعى في ظل زعامة اليميني،بابلو كاسادو، إلى الانتقام لسلفه ماريانو راخوي، الذي أقصاه الاشتراكيون وحلفاؤهم عن قصر “لامنكلوا” بملتمس رقابة قدمه،سانشيث؛ بينما يشعر حزب “بوديموس” بحنين إلى السلطة وغبار المعارك الانتخابية باعتبارها فرصة لإقناع الناخبين بالالتفاف حول برنامجه الذي يغدق فيه الوعود للفئات المستضعفة، غير مبال بانعكاساتها السلبية على اقتصاد في طور النقاهة.
من جهة ثانية ف، فإن الأمين العام، بابلو إيغيسياس، وقد أصبح أبا مجبرا على رعاية طفليه في المنزل، بمقتضى رخصة الأبوة التي يتمتع بها الأباء والأمهات؛ يبدو غير متحمس هو الآخر للمبارزات الانتخابية في الظرف الراهن بسبب الشروخ التي أصابت التنظيم الفتي، بخروج بعض الأعضاء المؤسسين، أخرهم نائبه وصديقه، إنييغو إيريخون، إضافة إلى انتشار إشاعات وانتقادات بين المنتسبين تتهم الرفيق “بابلو” بالاستفراد بالرأي والقرار وفرض الأتباع المحابين له.
حزب “مواطنون” بزعامة، البير ريفيرا، متردد، بدوره، فهو تارة مع الانتخابات في اقرب وقت، وأخرى مع استيفاء مدة الولاية التشريعية إلى آخرها عام 2020 ريثما يستكمل عدته وعتاده.
وهكذا، فإن كل واحد من الأحزاب الأربعة، يخطط لأفضل استفادة ممكنة من تعجيل أو تأخير الاستحقاقات التشريعية، مع الأخذ في الاعتبار بروز مؤشرات بدأت تتقوى في المدة الأخيرة،أولها نجاح الاشتراكيين وبيدرو سانشيث،على الخصوص في تدبير ملفات صعبة بأقل قدر من الخسارات، فالوضع في إقليم كاتالونيا لم يراوح مكانه أمام تصلب المطالبين بالانفصال لكنه لم ينعطف نحو الهاوية.
يتجلى المؤشر الثاني في ظهور علامات على استمرار تعافي الاقتصاد وتضاؤل عدد العاطلين بكيفية تصاعدية منذ عام 2006.
أما المؤشر الإيجابي الثالث وليس الأخير، فيبرز في عودة إسبانيا إلى الساحة الدولية واستعادة صوتها ومكانتها اللتين تأثرتا من طول الأزمة السياسية في عهد رئيس الوزراء السابق ماريانو راخوي.
قام بيدرو سانشيث، بزيارة عدد من الدول ضمنها المغرب وشارك في كل المؤتمرات التي دعيت إليها بلاده
صحيح أن الاشتراكيين، لم يتحملوا هزيمة الحزب في الانتخابات التشريعية بإقليم الأندلس حيث خسر فيها المعركة لأول مرة منذ قرابة أربعة عقود ظل الاشتراكيون خلالها مثل الخلفاء الأمويين يتداولون على الحكومة.
الاشتراكيون يقولون الآن إن الهزيمة تتحملها السيدة، سوسانا دياث، التي لم تعرف كيف تقنع الناخبين المؤيدين للحزب على التوجه إلى صناديق الاقتراع. هي خسارة محلية معروفة أسبابها وسبل تجاوزها.
في جميع الأحوال، فإن الاشتراكيين يتزعمون المشهد الحزبي محليا، وهم ضحية تحالف ثلاثي يميني استفاد من قوة طارئة ممثلة في حزب “فوكس” اليميني المتطرف الذي كسب خلافا لكل التوقعات 12 مقعدا في البرلمان المحلي الذي لم يكن موجودا فيه.
والحقيقة أن الوافد المخيف “فوكس” أثار قلقا في قيادات الأحزاب الأربعة، مع اختلاف في التحليل واستشراف المستقبل. كلهم يرون فيه احتمال خطر التمدد والتوسع استنادا إلى نتائجه التاريخية في الأندلس التي يزعم أنه سيزحف منها على باقي المناطق.
هو تطور مقلق، لكنه لن يقلب الأوراق الحزبية رأسا على عقب؛ فاستطلاعات الرأي تمنح “فوكس” في أحسن الأحوال، حسن الأحوال أحيعلى الصعيد الوطني،اقل من 4 في المائة، لكنه قادر على إثارة الفوضى في الحقل الحزبي،بعرقلة الاستقرار الحكومي، مدعوما بقوة رياح تيارات اليمين المحافظ التي تهب على أوروبا ووصلت إسبانيا في النهاية.
إن استعانة اليمين الليبرالي(مواطنون) والمحافظ (الحزب الشعبي) لتشكيل تحالف أوصل زعيم الحزب الشعبي إلى رئاسة الحكومة المحلية، محفوف بمخاطر الانفراط بالنظر إلى التباين في المرجعيات من جهة وموقف”فوكس” من المكاسب التي نالها الأسبان: المساواة التامة بين الجنسين وإطلاق الحريات الفردية والجماعية والحق في الإجهاض التي يعاديها اليمين المتطرف في كل مكان. وفوق ذلك يرفض “فوكس” وجود المهاجرين في البلاد ويطالب بطردهم.
إن الاستطلاع الأخير الذي أجري يوم الثلاثاء 30 يناير، رتب الأحزاب الأربعة كالتالي: الاشتراكيون19.29 مواطنون17.7. بوديموس وحلفاؤه 15.4. الشعبي 14.9. وهي نتيجة تعكس تراجعا كبيرا في شعبية الحزب الشعبي، لم يستطع وقفه التوجه المحافظ لزعيمه الشاب، بابلو كاصادو. أي أن كفة اليسار بأطيافه ما زالت متقدمة على أحزاب اليمين وليس في الوارد تجاوز “فوكس” السرعة التي سجلها في إقليم الأندلس.
يبدو أن الاشتراكيين، في وضع أحسن من منافسيهم، وهم مستعدون للاحتمالين: إجراء أوتأجيل الانتخابات، خاصة بعد توحيد ورص صفوفهم وراء “سانشيث” الذي برهن أنه يتحلى بصفات قيادية ورجل دولة بامتياز في ظروف صعبة.