لم يكن أمر القمر الصناعي المغربي محمد السادس ( ا) متداولا قبل الإعلان عن تاريخ إطلاقه في مثل هذا الشهر من السنة الماضية، وحينها كان له وقع المفاجأة السارة كبيرا على كل من يهتمون بالتطور العلمي المغربي. كما كان وقعها أقرب إلى الفاجعة بالنسبة لخصومه من دول الجوار على الخصوص.
وإذا كان مصدر سرور بالنسبة للمغاربة الحريصين على تقدم بلادهم في مختلف المجالات خاصة لأهمية امتلاك هذه التكنولوجية في تطوير القدرات التنموية والأمنية للمغرب، فإن عددا من دول الجوار قد نظرت إلى هذا التطور باعتباره” تهديدا محتملا” لها لأسباب متعددة لعل أهمها أن تمكن المغرب من الاستفادة من تكنولوجيا الأقمار الصناعية يمكنه من مواقع متميزة على مستوى وضع الخرائط وتحيينها وتحديد اتجاهات العمران واستكشاف المعادن والموارد المائية علاوة على تسهيل مأمورية القيمين على تطوير مختلف البنى التحتية في البلاد.
واعتبرالخبراء والمختصون حينها أن هذا القمر قد مثل قيمة مضافة بالنسبة لموقع المغرب الجيوستراتيجي في مجال توفير الحماية لترابه الوطني من مخاطر الكوارث الطبيعية وحركات الهجرة وانتقال الأشخاص والجماعات التي يمكن أن تشكل مصدر خطر على أمن وسلامة البلاد إضافة إلى تمكين المغرب من وسيلة أخرى لتعزيز علاقاته بدول العالم وبخاصة دول الاتحاد الأوروبي في مجال تبادل المعلومات الأمنية والاستخبارتية عالية الدقة.
وبطبيعة الحال، فإن الإسبان تفاجأوا واستاؤا من هذا الإنجاز الذي تجاوز ما يمتلكون من إمكانات في هذا المجال
أما الجزائر فإنها أصيبت بالصدمة لكونها لم تكن تتوقع أن يمتلك المغرب مثل هذه الأداة الفعالة في مجال مراقبة الحدود والتعرف على طبيعة تحركات الأشخاص وغيرهم على مساحات شاسعة في افريقيا ليس لكونها ستعزز بالضرورة موقعه في افريقيا، التي أصبحت مجالا استراتيجيا حيويا بالنسبة للرباط فحسب، وإنما، أيضا، لتحويله إلى شريك دولي في مجال جمع المعلومات وتبادلها وقراءتها الممكنة خاصة إذا استطاع المغرب تكوين كوادر قادرة على قراءة الصورة والخرائط بما يمكن مختلف شركائه من الاستفادة منها.
وليس خافيا على أحد أن القمر الصناعي محمد السادس (ا) كان أداة فعالة في رصد تحركات ميلشيات البوليساريو في المنطقة الأمر الذي عزز موقف المغرب عندما كشف حقيقة تلك التحركات مما قلص هامش المناورة أمام خصوم الوحدة الترابية في مجالات إنكار حقيقة استفزازاتهم أمام المجتمع الدولي.
ويأتي إطلاق القمر الصناعي محمد السادس (ب) ليعطي دفعة نوعية جديدة لاستراتيجية المغرب الرامية إلى رفع مستوى وتوسيع مجال استفادتها من هذه التكنولوجية بفضل خبرات أطرها المتراكمة خلال السنوات الأخيرة والتي مكنت المغرب من الإشراف وتدبير كل ما يتعلق بهذا القمر الصناعي الجديد وتحويله إلى رأسمال مغربي فعلي.
ولعل تغطية الخدمات المدنية لهذا القمر الصناعي لمختلف ميادين الفلاحة والغابات والموارد المائية ورصد التحولات البيئية والعمران علاوة على ضبط ومراقبة الحدود والسواحل المغربية هو ما يفسر ليس توجس بعض الجيران من هذا القمر الصناعي فحسب، وإنما عداءها لكل تقدم تقني أو علمي يحرزه المغرب في أي مجال من المجالات خاصة أن الرباط سارعت دائما إلى طمأنة جيرانها بخصوص الأهداف المحددة لهذين القمرين الصناعيين وهي ذات العلاقة بالمجال الترابي المغربي.
لكن الذي يبدو أن هذه الطمأنة لم تجد آذانا صاغية عند الجهات التي لا ترى من مصلحتها أن تكون الدولة المغربية قادرة على حماية ترابها الوطني ومراقبة كل التحركات والتطورات التي يمكن أن تؤثر في مساراته الأمنية والتنموية. لكن هذا شأنها وليس شأن المغرب في كل الأحوال.