كل تدخل في شؤون المغرب الداخلية، على أي مستوى من المستويات، مدان من حيث هو تدخل غير مشروع بالتعريف. وتكتسب هذه الإدانة قوة وشدة كلما تعلق الأمر بقضاياه الحيوية الاستراتيجية والوطنية الكبرى وفِي مقدمتها الوحدة الترابية والوطنية للشعب المغربي. هذا أساس مكين لأي موقف سياسي وطني تجاه كل القوى الأجنبية التي تعتقد ان لديها ما تقوله في شؤون المغرب الداخلية، حيث ينبغي التمييز الدقيق بين الآراء والتصورات المتباينة حول قضايا بعينها، وبين تجاوز هذا المستوى إلى القيام بممارسات او محاولات ترمي إلى التدخل في صلب ما هو مرتبط بالسيادة المغربية حصرا وفِي مختلف المجالات.
ليس مجديا في رأيي هنا الدخول في جدال عقيم حول حدود الشؤون السيادية للبلدان والدول على المستوى النظري المحض ذلك انها في العمق وليدة ومحصلة موازين القوى بين الفاعلين الأساسيين في المجالات المعنية وهذا ما يفسر أن سلوك دولة وموقفها، من قضية من القضايا الحيوية لدولة أخرى، لا يتم النظر إليه بنفس المعايير والتقديرات المجردة، وإنما ضمن تصورات محددة لموازين القوة بين تلك الدول وطبيعة المصالح السياسية او الاستراتيجية التي تجمع أو تفرق بينها.
فكلما كانت المصالح المشتركة بين دولتين أوكثر كبيرة او استراتيجية كلما تم التغاضي أو التحسس من سلوك هذه أو تلك، الأمر الذي يجعل التعاطي مع موقف بعينه بطريقة مختلفة على قاعدة المصالح، وجودا وعدما، قوة وضعفا. عدم إدراك هذا الواقع لا يساعد على فهم السلوك الدبلوماسي للدول والسلوك الدبلوماسي المغربي الذي يعنينا في هذا المجال. إذ كثيرا ما يتم انتقاد الدبلوماسية المغربية على قاعدة لماذا التشدد في التعامل مع الدول والكيانات السياسية التي لديها علاقات ما مع جبهة الانفصال بينما يتم غض الطرف عن بعضها الآخر، مع Hن الأمر يتعلق بقضية وطنية مصيرية للمغرب.
الصلابة المبدئية لا تعني التحجر السياسي هناك دوما مسافة بين ما هو مبدئي وما هو سياسي. الموقف المبدئي المعلق في الهواء لا يرجى منه أي شيء يفيد القضايا الكبرى. المرونة السياسية هي التي يجعل الموقف المبدئي مثمرا لجهة فوائد ملموسة للوطن وقضاياه او لجهة ردع بعض القوى التي تستهتر بمفردات السيادة الوطنية وتعتقد أنها قادرة على تمرير مواقف هي في عمقها معادية تحت مسميات الحياد أو اللعب على أكثر من حبل في آن واحد.
ويبدو أن الموقف المغربي الأخير، بخصوص العلاقات مع إيران، في طورها الراهن، يندرج ضمن البعد الردعي، مما يحوّله إلى رسالة إلى أكثر من جهة، قد يستهويها جس نبض المغرب حول قضيته الوطنية الكبرى قضية الصحراء المغربية.