قدرات اللغة العربية وغناها المعجمي
بدل الفرنسة فضلت استعمال’ التفرنيس’ وذلك لمطابقته وزن التعريب . وادا كان ” التفرنيس “في هذا السياق يعني التدريس باللغة الفرنسية في بلد لغته الوطنية ليست الفرنسية فان لكلمة ‘التفرنيس’ دلالات اخرى اجتماعية منها ان الانسان قد’ يفرنس’ من شدة البرد فتبدو اسنانه بارزة بين شفتيه وفم الكبش’ يفرنس’ بعد شيه على النار .وهنا يكون الفعل من الشدة والاكراه .أما’ تفرنيس’ شخص ما في وجه طريدته فهو من اجل الايقاع به من خلال ضحكة صفراء توهم الاخر بعدة انطباعات قد تجعله يثق في المفترس. وهناك نوع اخر يعبر عن التهديد وهو’ تفرنيس’ الكلب والذئب عندما يواجه حيوانا او خطرا محدقا . اذا رأيت انياب الليث بارزة فلا تحسبن الليث يبتسم
واذا كان المستغربون يرمون العربية بالقصور لمواكبة العلوم والتكنلوجيا فلجهلهم بكنوزها وغناها في مجال الاشتقاق وغيره بحيث تعد العربية من اغنى اللغات في هذا الباب. فالجذر’ عرب’ قد يعطينا عشرات الكلمات مثل عرب بالراء مشددة ومعرب براء مكسورة اومفتوحة وتعريب وعربية وعروبي واعراب وأعرب ومعرب وتعرب ومتعرب واستعرب واستعراب الخ .اما الفرنسية فلفظها fran¢ais لا يقبل الا مشتقات قليلة .كما ان الاشتقاق في بعض الحالات يكون اسهل بالعربية منه بالفرنسية .ونسوق امثلة بالنسب او المهنة فنقول عربي فرنسي جغرافي رياضي. وبصافة عامة نضيف الياء مع تعديلات بسيطة. اما في الفرنسية فالأمر يصبح معقدا وقد يستعصي في اغلب الحالات. وعلى سبيل المثال النسبة الى المغرب marocain +الصين-صيني= chinechinois المرابطونalmoravides ويزداد الامر تعقيدا بخصوص اعضاء + foie : يدوي= manuel-main+ + كبدي= hepatique-. الجسم
واما افتقار العربية للمصطلحات العلمية فمرده للقصور في مجالات التنمية بصفة عامة لأن اللغة وعاء للفكر تنمو بتطور باقي المجالات . فكل اللغات تشكو من القصور في مجال او اكثر . فقد اضطرت عدة دول متقدمة لاقتراض المصطلحات المعلوماتية من الإنجليزية في اوربا واسيا وامريكا اللاتينية لمواكبة الكم الهائل من المفردات في هذا المجال العلمي او ذاك.
مخططات المستغربين
الاسرار على الدعوة ل’ تفرنيس’ التعليم وخاصة المواد العلمية بالتعليم الثانوي ضربة استباقية لسد الابواب امام المنادين بتعريب التعليم العالي جاهدين في ترسيخ عبارة “اذا عربت خربت” التي اشاعتها عدة جهات منذ الاستقلال لإيهام المواطن بان العرب غير مؤهلين لتقرير المصير وان الاستعمار بكل اشكاله اللغوية والفكرية هو الحل الوحيد للبقاء واللحاق بالدول المتقدمة . وقد اجتهدوا فأوصلوا التعليم الى مستوى لا يحسد عليه ليستنتج الاب والام والتلميذ والاستاذوالمجتمع ان العربية هي سبب الانتكاسة” طاحت الصمعة علقوا الحجام ” وواقع الحال ان تدني التعليم لا يهم فقط المواد العلمية وانما كل المواد بدون استثناء .لقد سهر المعادون للتعريب على تجفيف كل منابع التعريب وفرضوا الفرنسية في سوق الشغل او للارتقاء في السلم الاجتماعي والاداري .ولإغلاق الباب بإحكام وتمرير اطروحاتهم اجهزوا على الترجمة العلمية بالتعليم الثانوي باعتبارها الجسر الذي يساعد التلميذ على استيعاب الخطاب العلمي بالثانوي والعالي وذلك بتقليص حصصها الاسبوعية وجعلها مادة تكميلية غير مدرجة في الامتحانات الاشهادية وتوقف تكوين الأساتذة. إضافة الى تغيير مقررات مادة الفرنسية حيث كانت النصوص من التبسيط العلمي تساهم في اغناء الرصيد العلمي لدى التلميذ معجما واسلوبا. ويشهد بعض أساتذة اللغة الفرنسية انهم كانوا يجهلون العديد من المعارف والكلمات والمواضيع العلمية وتعلموها من خلال تدريس النصوص للشعب العلمية. آما حاليا فمقررات الفرنسية عبارة عن روايات لا تغني ولا تسمن من جوع .لا ترقى الى المستوى التواصلي والتداولي في عصر التكنولوجيا والأنترنيت . فلا هي حمالة للقيم المغربية ولا لأنماط النصوص المستعملة في الدراسة والحياة العملية. فحتى الاستاذ يصاب بنوع من الملل بعد ان كانت المقررات السابقة تدفعه للبحث عن النصوص في الكتب والجرائد المكتوبة والانترنيت. اما التلميذ فيكتفي بالقاء نظرة تمكنه من الاجابة على أسئلة الامتحان الجهوي للحصول على معدل مناسب بسبب تعذر قراءة الروايات التي تفتقد لعنصر التشويق وتتطلب وقتا طويلا قد يكون على حساب المواد العلمية
التعريب والانفتاح على الثقافات
ان الانفتاح على اللغات والثقافات يتطلب اعتماد الترجمة بالتعليم الابتدائي والثانوي والعالي ليبقى المدرس على اتصال باللغة العربية والفرنسية واللغات الأخرى مع الحفاظ على القيم والمواطنة . وهناك حالات شاهدة على البعض من مدرسي اللغات الأجنبية الذين تقمصوا الاجنبي لغة وسلوكا . فالترجمة يجب ان تكون في اتجاهين ولمدرسي العربية واللغات الاجنبية والمواد العلمية حفاظا على روح المواطنة وتجنب الاستيلاب
هل يستفيد التلميذ من الخطاب الروائي الادبي بالفرنسية لإغناء رصيده اللغوي في المعجم والاسلوب من وصف وبرهان وسرد وتفسير . ما احوجنا لتدريس الروايات والقصص العربية لكتاب مغاربة مرموقين حفاظا على هويتنا وتشجيعا لمنتجاتنا الفكرية وخاصة انه في عهد التكنولوجيا اصبح الابداع في المجال الادبي في بعض الدول النامية يتفوق جودة على المنتوج في الدول المتقدمة .ولنا عدة نماذج في المغرب وللباحث او القارئ ان يستعرض عدد المؤلفات والاشعار والقصص والبحوث التي تنتظر ازاحة الستار عنها.
من خلال عدة لقاءات مع أساتذة المواد العلمية ذوي تجارب تستحق التوثيق اكدوا ان التعليم بالعربية هو اسهل وانجع طريقة لتبسيط المفاهيم وجعلها تترسخ عن قناعة وايمان لدى التلميذ في الذاكرة الطويلة الامد لان اغلب المصطلحات لها امتداد في الواقع اللغوي اليومي ولها حمولات وجدانية عكس المصطلحات الاجنبية التي يتعلمها الطفل او التلميذ ويرددها كالببغاء لا علاقة لها بنفسيته او محيطه. فالتلميذ عندما ينطق المميز او المنصف في الرياضيات فهو يربطه بالفعل والمصدر وغيره .اما المقابل في الفرنسية discriminantوbissectrice فيستعصي الالمام بأصوله الا على ذوي الاختصاص في اللسانيات والاشتقاق باللغة الفرنسية. و نتذكر كيف كنا نحفظ هذه المصطلحات دون أدراك معناها اللغوي وعلاقتها بالحياة اليومية . وقد يجهل المدرس غير الفرنسي هذه المعطيات ويغفل اصل الكلمات او المصلحات حتى مؤلف الكتاب المدرسي والمدرس الدي لا يفترض فيه الالمام بالجانب اللغوي بقدر بما يهتم بالجانب الاصطلاحي.
التعريب و الحفاظ على الهوية
تدريس العلوم باللغة العربية يجعلنا نرتبط بهويتنا ونفتح ابواب التاريخ العربي الاسلامي الدي اعطى للعالم ابن سينا والفارابي والخوارزمي وابن رشد والمتنبي وغيرهم . ولنا اسوة في الغرب الدي اخد عن العرب كل العلوم والفلسفة لكنه نسبها للإغريق وشطب على الاسهامات العالمية كلها فأصبحت العلوم والفلسفة جدورها في الاغريق واغصانها في اوربا
ادا القينا نظرة على كل دول العالم النامي والمتقدم فإننا نجد ان لغة التدريس هي اللغة الوطنية او اللغة الام باستثناء بلد او اثنين والنادر لا حكم له كوريا ماليزيا اسبانيا امريكا الجنوبية صقور اسيا تركيا ايران فلمادا تفرض لغة اجنبية على المغرب العريق في الحضارة مند قرون حين ازدهر فيه التوسع العمراني من مدن كفاس ومراكش وغيرهما لم يكن في فرنسا او المانيا او إنجلترا ولو مدينة واحدة بل مجرد قرى فقيرة ومتناثرة.
نعم للانفتاح على اللغات لكن بدون اصطفاء او تبعية. فلغة العلوم والتكنلوجيا حاليا هي الإنجليزية وقد تصبح الاسبانية ثم الصينية او غيرها فهل سنغير لغة التدريس كلما تغيرت لغة العلوم في العالم . انها مغامرة وتجني في حق الماضي والحاضر والمستقبل لأننا نكون قد انفصلنا عن تراثنا وحضارتنا وهويتنا وسنحرم الاجيال ايضا من الارتباط بحاضرنا.
وادا كانت الهوية تتلخص في اللغة والجغرافيا والعقيدة والتاريخ والثقافة فان اللغة هي ركيزة ومهد الثقافة والعقيدة والحضارة
الصراع حول لغة التدريس بين الماضي والحاضر
لقد داب الاستعمار في كل البلدان وعلى مر العصور على تكريس لغته وقيمه لفتح الاسواق امام منتجاته المادية والفكرية . اما حاليا فان التقدم ووفرة الصادرات هي التي تجعل الشعوب تقبل على اللغة مثل الصينية والالمانية واليابانية .وشتان بين اقبال الشعوب على لغة ما دون التخلي عن لغتهم وبين فرضها بالقوة. لا مناص من تشجيع تعلم اللغات واتقانها لان المغرب في ملتقى الحضارات ا لعربية الاسلامية والغربية والافريقية جغرافيا وتاريخيا ولتكن الترجمة العلمية جسرا للتواصل والارتواء من مصادر العلوم والتكنولوجيا بدون عقدة نقص “اطلبوا العلم ولو في الصين”
ان التاريخ يعيد نفسه في عدة مجالات . فالتقدم العلمي والفلسفي العربي قام على ترجمات الكتب اليونانية والفارسية والهندية وغيرها لكن لغة التدريس كانت العربية .وقد يعترض البعض بان العرب انداك كانوا يسودون العالم . ولنا قدوة في نهضة الغرب بعد سقوط الاندلس اذ نهم العلوم والفلسفة وترجمها للغاته وتعلمها وعلمها في مدارسه بلغته ولم ينقل العربية بل ارجع اصول العلوم للإغريقية اعترافا منه بان الماضي والحاضر بينهما خيط رفيع هو اللغة والعقيدة. فتنكر الغرب للعربية باعتبارها حمالة حضارة من عقيدة وتاريخ وثقافة .
ومن يرى في العربية القصور لمسايرة التقدم المهول للعلوم فانه يتجاهل الحقيقة لان كل الدول المتقدمة كانت تعاني من نفس الوضعية في بداية المشوار ولنا خير نموذج في الصين واليابان وامريكا اللاتينية وصقور اسيا الشرقية. فكل الحضارات قامت على النقل من اللغات الاخرى والاعتماد على لغتها بدءا من السوماريين والفراعنة واليونان والعرب وانتهاء بالغرب.
ان الصراع الذي يعرفه العالم العربي حاليا بخصوص لغة التدريس عرفته اوربا بعد سقوط الاندلس. كان فريق يعتبر كل ما ينتجه العرب والمسلون حراما يجب نبذه وفريق ثان معجب بالحضارة العربية يرى بضرورة نقل كل العلوم والثقافة العربية لان لغة الغرب عاجزة لا يمكنها التجديد وفريق وسطي ارتأى نقل العلوم والفلسفة فقط دون الدين والتقاليد العربية الاسلامية بهدف الحفاظ على الهوية الاوربية .ولحسن الحظ فان الفريق الاخير هو الدي ربح الرهان فنقلت العلوم من طب وبيطرة وكيمياء وفلسفة رشدية وقوانين التجارة والمنازعات.
خاتمة
اذا كان حب الوطن من الايمان فان اللغة من المقومات الاساسية للوطن والمواطنة ولا يحق لنا تجزيئ الهوية على المقاص الايديولوجي او الظرفي او النفعي ثم المطالبة باحترام مكون معين واهمال وإقصاء هذا المكون او ذاك لأن اسس الوطن والمواطنة متكاملة كأعضاء الجسم .وتنمية اللغة جزء من التنمية الشاملة والاهتمام بها هو طوق النجاة من الاخطار المحدقة في اطار العولمة من جانبها السلبي الذي يتوخى تدجين الشعوب وقولبة القيم والهوية وتنميطها حسب قاعدة البقاء للاقوى.ولا يختلف اثنان في كون مقاومة التبعية تتطلب التضحيات الجسام ..
نعم للانفتاح على كل الثقافات بلغاتها وثقافتها لا للاستيلاب الفكري والثقافي .
———-
كاتب من المغرب