لا يختلف إتنان على أن المستوى الدراسي يلعب دورا كبيرا في طريقة تفكير المرء ويؤثر بشكل ملموس على شخصيته ويجعلك تقيس الأمور بمنطق العقل وبشكل علمي صرف ومنهج دراسي ومعلوماتي يعتمد على التجارب والقواعد والبديهيات أجل كلنا هذا الرجل إلا أن التربية تلعب دور كبير في تخزين الموروث الثقافي أو التراثي للمجتمع في ذاكرة الطفل شاء أم أبى فتعلم ما شئت وادرس ما شئت ونل من الشهادات العليا أرقاها وأعلاها إلا أنك ستجد نفسك بدون شعور وأنت تخرج من محفظة اللاوعي وتقول لأبنك الذي لا يريد أن ينام وقد صدع رأسك من كثرة الصراخ والعويل {نعس ولا غادي يجي ليك بوعو} أو تخوفه بأسطورة “عيشة قنديشة” {سكت ولا غدي تخرج ليك عيشة قنديشة} ….
نعم هذا موروثنا الاجتماعي من أساطير الأجداد ومن حكايات الجدات الممتعة بسلبياتها وإجابياتها حيث كانت تلعب دور كبير في تغدية خيالنا وتقوية ذاكرتنا لذلك لا أعاتب على مجتمعنا فهذه الامور تحدث في أرقى المجتمعات فكما عندنا “بوعو وعيشة قنديشة” فأروبا عندهم “مصاصي الدماء ورجل فرانكشتاين وزومبي” وحتى عالم الجن أو ما يطلق عليه باسم العالم السفلي والذي ظل غامضا مند عصور وإلى يومنا هذا حيث ظلت البشرية تحيطه بجو من الخوف والرهبة وغلاف من الأساطير والخزعبلات… وهذا ما جعل شريحة كبيرة من البشر {رقاة وفقهاء ومشعوذين ودجالين} تصطاد في الماء العكر لتستغل سذاجة وخوف وحتى عجز فئة كبيرة من المجتمع والتي يتملكها اليأس والإحباط لينصبوا عليهم ويبيعوا لهم الوهم بأثمنة متفاوتة تتناسب مع الطبقة الاجتماعية التي ينتمي اليها الضحية كل هذه الامور مقبولة ولكن الشيء الذي لا يتقبله عقلي هو أن شخص ثري يعيش في فيلا ولديه سيارة فاخرة يذهب عند شخص يسكن في “خربة” وسط الأزبال ليجلب له الحظ هنا بكل صراحة حتى كوكب المريخ يشعر بالغضب ويفكر بهجرة “درب التبانة” الى درب أخر اكثر منطقية وهدوء…
عدنا ….الغريب في هذا كله أنه عندي أخ أصغر مني مزال في سن الإعدادي يمتاز بخفة ظله وانه نشيط وحيوي وكما نقول “ولد الوقت” يجلب مصروفه من فم الأسد تراه في السوق يبيع الأكياس البلاستيكية (الميكة) وعند مقابلات الديربي يقوم ببيع السندويشات والتي تتكون {نص كوميرا فيها طون ولحرور} أما في المناسبات والأعياد والعواشر فهو “حاضر ناضر” تراه يبيع كل شيء من البلغة الصفراء والبيضاء مرورا “بطعارج” إلى علف كبش عيد الأضحى والفحم حقا كنت فخور به وكان يعجبني ما يصنع إلا أن شيء واحد كان لا يفعله رغم كل هذه الأعمال البطولية في سنه إلا أنه كان على عداء مع المدرسة فهو لا يفتح ولا صفحة واحدة من الكتاب في طوال العام ورغم كل هذا ينجح ولا أعلم كيف يفعل ذلك …
لذلك اظن ان الجيل الذي نال حظ الأسد من التعليم هو الجيل الذي درس في السبعينات والثمانينات وحتى التسعينات آنذاك كان لا المعلم ولا التلميذ غايتهم واحدة وهي تحصيل العلم وتنوير العقول ومسح الغبار عن الأفكار الحديثة وحمل مشعل العلم رغم الظروف القاسية لأغلب التلاميذ والمعلمين من ناحية الاجتماعية والاقتصادية أما في يومنا هذا فلا المعلم يؤدي دوره كما ينبغي وعلى الوجه الأصح ولا التلميذ مستعد لحمل رسالة التعليم واعطائها القيمة التي تستحق فقديما كان يقال لولا ابناء الفقراء لضاع العلم وفي يومنا حدث العكس فأصبح لولا ابناء الاغنياء لضاع العلم ولولا أبناء الفقراء لأغلقت السجون.
عدنا… أخي الصغير كان لا ينام إلا معي في غرفتنا الصغيرة البسيطة ولا ينام إلا وقد حكى لي أخر نكتة صنعت بالبيضاء فقد كان مرحا يحب الضحك ونشطا وشعلة لا تنطفئ…ذات مرة أخبرته أمي أننا سنذهب أنا وهي الى مراكش فطلب منها ان يأتي معنا فقالت له وهي تهمس في أدنيه “لا يا ولدي رنا مغادينش نحوسو رانا غاديا بخوك عند شمهروش” فضحك أخي وسألها لماذا يا أمي تذهبين انت واخي الى شمهروش وصعود الجبل سيتعبك كثيرا فأجابته أمي “واخا يكون شمهروش في القمر نطلع ليه المهم هو خوك خسو يطلق ديك بنت لحرام” وهنا بدأ القلق يتسلل إلى أخي وبدأ يحك رأسه كعادته عندما يتوتر وقال لأمي ما الموضوع أنا لم أفهم شيء فأجابته أمي “علاه ما سقتيش لخبار” فحرك أخي رأسه نافيا معرفته أي موضوع وقال لها “لا يا وليدة ياك ما كاين باس خلعتني” فأجابته وهي تضع يدها على خذها وتحرك رأسها بشكل دائري “غير سكت على ماشي خوك طلع مزوج بجنية وهي سبابو في عذابو هذي عشر سنين” فصرخ أخي وقال وهو مرتعب “اواه خالد مزوج جنية” فردت أمي بسرعة “ايه اولدي علاه نت ما تعقلش على خوك كيكان بالزين في صغرو عيلات درب كاملين كانوا يتوحموا عليه”… {ملاحظة بسيطة عندنا في المغرب مثل شعبي معروف وذائع الصيت “القرد في عين أمه غزال” فأنا أذكر أن الشيء الوحيد الذي كان يميزني عن باقي أقراني هو جبهتي العريضة والتي بسببها لقبني أصدقاء الحي “بدامبي” وهو شخصية مضحكة وغبية في سلسة الرسوم المتحركة والمشهور في التسعينات “غلانديزر” فقد كنت أشبهه كثيرا} المهم نعود لحوار امي واخي…. أجابها اخي وهو غير مقتنع بإجابته “اه الوليدة كان زوين تبارك الله بالإمارة ولاد درب مسمين عليا خو دوبل طيط” فردت عليه أمي سريعا “ايه يا ولدي واحد الجنية بنت لحرام باها هو ملك الجن في سليغان (سنغال) درت ليه شدت لعمى في ظلمة وتقول واش بغات تفرقوا” فغمغمة أخي بصوت غير مسموع وقال ” حغلو مسخوط بالليل كيدوي غير بوحدو وفشي لحظات كيغوت ويطلق عليا نووي” فصرخت عليه امي “أش كتبرغم تما يا لمسخوط” فأجابها “حتى أنا يا وليدة كنت شاك فيه الليل كامل وهو مخلوع ولبيت عندو ديما مظلم وما بقاش يحمل يدوش وعزيز عليه المسوس” فأجابته أمي ” وشفتي أولدي خوك كيفاش ولا دبا خاصك تكون رجل وتوقف معاه في هاد المحنة” فنفخ أخي صدره مثل الديك وقال لها بصوت مرتفع لا تخافي يا أمي أخي سأفديه بدمي وروحي فلا تقلقي فعانقته أمي وهي تبكي وتقول فعلا انت رجل ونص …صراحة بعد هذا المشهد أخي وقف بجانبي لدرجة انه مند حديثه مع امي لم يعد ينام مع في نفس الغرفة واصبح يتحاشى الحديث معي حتى جاء الوقت الذي…..يتبع