بقلم: نوفل البعمري
لا أحد سيجادل في كون ما حدث بالناظور هو أمر مأساوي، مؤسف ومحزن ويسائل الضمير الإنساني العالمي، الذي مازال يتسامح مع الحروب والاضطرابات، التي تتسبب في هكذا تحركات لنزوح جماعي، بحثا عن الفردوس المفقود الذي انتهى لنا انتهى إليه من استغلال لهم وإسقاطهم في يد تجار البشر وأنظمة السوء، التي لا تتوزع في استغلال أي ملف حتى ولو كان إنسانيا من أجل ضرب المغرب وإحراجه مع جيرانه.
الحدث المأساوي الذي شهدته مدينة الناظور التي تعرضت للترويع للأسف بفعل طبيعة التحرك المنظم الذي قام به هؤلاء المهاجرين غير النظاميين والذي كانت تكلفته باهظة بسقوط ضحايا من أفرادهم وجرحى الواجب من أفراد القوات العمومية، الذين كانوا يقومون بواجبهم لمنع هؤلاء من للوصول للسياح الحديدي، الذي يفصل مليلية المحتلة عن الناظور، و هو الواجب الذي يفرضه عليهم القانون ويفرضه التزام المغرب اتجاه محاربة الهجرة غير الشرعية، خاصة عندما تتقاطع مع أجندات الجريمة العابرة للدول، تكلفة هذا الحادث المأساوي تحتاج لأن تتم من خلالها مسائلة عدة أطراف، منها:
– أول من يجب مساءلتهم هي الأمم المتحدة، التي تريد من الدول أن تقوم بواجبها في محاربة الهجرة غير النظامية وعندما تقوم هذه الدول بواجبها، قد تجد نفسها في مواجهة تحركات دولية أو أممية تسائلها عما حدث، دون أن توفر لها أية حماية، خاصة عندما تكون تلك الأحداث نتيجة تشابك عدة معطيات إجرامية تقودها منظمات الاتجار في البشر!!
– الإتحاد الأوروبي عليه كذلك أن يفهم أكثر أن المغرب عندما يقوم بواجبه فهو يقوم بذلك من منطلق التزام أخلاقي وسياسي اتجاه ملف جد معقد، و أنه ليس بدركيوأزروبا، و عندما تقع مثل هذه الأحداث المدبرة لابد وألا يكتفي الاتحاد الأوروبي بالإعلان عن مواقف داعمة للمغرب، بل يجب أن يكون هناك تحرك أوروبي داعم للمغرب.
– مسؤولية الجيران قائمة وثابتة، فهي منذ سنوات تدفع في كل مرة بمهاجرين غير نظاميين بالدخول للمغرب من الجهة الشرقية للحدود المغربية، من أجل “إغراق” المغرب بإعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين، الذي يتم استقدامهم من طرف شبكات الاتجار في البشر من دول بعيدة عن المنطقة و ها مسارات للهجرة أكثر أمنا و قربا لأوروبا، فالمهاجر القادم من دارفور أو السودان له مسار أذا أراد أن يقطعه أفضل بكثير من المرور عبر ليبيا ثم تونس و الجزائر و المغرب ليدخل لأوروبا!! ما يؤكد هذه الوقائع هو ما سبق أن أعلنه المغرب عن كون الجزائر ترفض أي تعاون أمني مع المغرب لمحاربة الهجرة غير النظامية والحركات الإرهابية، بهذه الواقعة يبدو أنه ظهر السبب، ومصلحة هذا النظام في إيقاف مثل هذا التعاون لتورط أجهزته مع شبكات الاتجار بالبشر.
هذه الأطراف الثلاث المعنية بما حدث يجب أن يطرح معها الملف، ملف الهجرة غير النظامية ككل وليس فقط هذه الواقعة، و اذا كان هناك مو يطالب بفتح التحقيق، فنحن أول من يجب المطالبة به لمعرفة ملابسات ما حدث، كيف تم تجميع هؤلاء، وكيف تم دخولهم للمغرب، خاصة المهاجرين منهم القادمين من دارفور جنوب السودان، وكيف خططوا لاقتحام مليلية لذلك الشكل المنظم،و من أوعز لهم بالقيام بهذه المهمة؟ َهي كلها أسئلة سنحتاج لأجوبة عنها و إن كانت أصابع الاتهام واضحة لمن يجب أن توجه.
ونحو نطرح هذا الملف بتعقيداته الجديدة، لا يمكن أن نكون ضد أي تراجع حقوقي في تدبير الملف، المغرب على المستوى الرسمي اعتمد منذ سنوات سياسة واضحة في مجال الهجرة واللجوء، وقام بتسوية وضعية الآلاف من المهاجرين، ومكن العديد من طالبي اللجوء من بطاقة لاجئ، وفي عز أزمة كورونا شملت حملة التلقيح كذلك في خطوة إنسانية بليغة المهاجرين بغض النظر عن وضعيتهم القانونية… وهي خطوات تظهر المغرب كبلد ملتزم بمختلف تعهداته الدولية الحقوقية، و هو التزام أخلاقي، صادق عبر عنه الملك في أكثر من مناسبة، ولم يكن يوما رغم تكلفة تدبير هذه الملف ماديا، سياسيا، أمنيا موضوع تراجع رسمي أو غير من طرف المغرب، بل ظل المغرب ملتزما بتبني سياسة واضحة اتجاه ملف الهجرة واللجوء،و هي السياسة التي يجب أن تتعزز ب:
1 -بفتح نقاش حقوقي و قانوني لإصدار قانون جديد لدخول وإقامة الأجانب، وطالبي اللجوء ليكون متلائما من مختلف التزامات المغرب الدولية،خاصة منه مخرجات الميثاق الدولي للهجرة الآمنة الصادر في مراكش سنة 2018،اعلام نيويورك، ويراعي مختلف التحديات الجديدة التي أصبحت تطرحها قضية الهجرة غير النظامية.
2 -تعزيز الإستراتيجيات المتعددة للمغرب في مجال الهجرة واللجوء، خاصة منها الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء، فحدث كالذي وقع لا يمكن التعامل معه إلا باعتباره حدثا عابرا في زمن حقوقي مغربي باختيار استراتيجي واضح انتهجه المغرب منذ سنة 2013، و لن يكون فيه تجار البشر ولا أنظمة مفلسة سببا في التراجع عن هذه الاختيارات الحقوقية والإنسانية.
أخيرا لا يمكن إلا أن نترحم على مختلف ضحايا هذا الحدث المأساوي، الذي سجل مقتل 23 مهاجر غير نظامي ومتمنياتنا بالشفاء العاجل للضحايا، منهم 76 في صفوف المهاجرين غير النظاميين و140 فرد من أفراد القوات العمومية، ضمنها 5 إصابات خطيرة.