بقلم: نوفل البعمري
مباشرة بعد نشر بلاغ الديوان الملكي، الذي تطرق فيه للموقف الجديد للدولة الإسبانية، بناء على الرسالة التي توصل بها الملك من طرف رئيس الحكومة الإسباني، الذي أكد فيها على دعم بلاده للحكم الذاتي، باعتباره الحل الذي يحظى بالمصداقية والجدية، مع الإعلان عن احترام متبادل لوحدة الدولتين، قامت فرنسا على لسان المتحدثة باسم خارجيتها بتجديد دعمها لمبادرة الحكم الذاتي، معتبرة إياهاً “أساسا للنقاش، ذا جدية ومصداقية”، مؤكدة على أن “موقف فرنسا ثابت لصالح حل سياسي عادل، دائم ومقبول لدى الأطراف، وفقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ومن هذا المنظور، فإن مخطط الحكم الذاتي المغربي يشكل أساسا للنقاش جادا وذا مصداقية”.
التصريح الفرنسي لم يكن مفاجئاً بل كان مُنتظراً، خاصة وأن فرنسا منذ إطلاق المغرب لمبادرة الحكم الذاتي أواسط 2006 ورسميا داخل الأمم المتحدة بداية من 2007 وهي تدعم المبادرة على الصعيد الأممي بالأمم المتحدة. يكفي هنا فقط العودة لموقفها الأخير من قرار مجلس الأمن حول الصحراء 2602 التي أعلنت فيه أثناء المناقشات على أن “فرنسا تعتبر مخطط المغرب للحكم الذاتي لعام 2007 قاعدة جدية وذات مصداقية لتسوية هذا النزاع”، كما أنها كانت من الدول الغربية التي استقبلت القرار الأمريكي بالاعتراف بمغربية الصحراء بشكل إيجابي، لم تشوش عليه و على الخطوات التي اتخذتها إدارة بايدن فيما بعد بما فيها توقيع الإعلان الثلاثي بين المغرب -امريكا-إسرائيل، بل تزامناً مع الإعلان تم القيام بخطوة إيجابية، حيث أعلن حزب ماكرون “الجمهورية إلى الأمام” عن افتتاح فرع له بمدينة الداخلة ليكون مركزا للتواصل مع الفرنسيين المنتمين لحزبه والمقيمين في شمال إفريقيا وغربها، وهي خطوة سياسية قوية من حزب يقود فرنسا.
بالعودة لحجم الدينامية الكبيرة التي تشهدها قضية الصحراء، خاصة على المستوى الدبلوماسي، سواء من حيث افتتاح قنصليات لدول عربية وأفريقية، وللولايات المتحدة الأمريكية بمدينتي الداخلة والعيون، وحجم الاستثمارات التي أعلنت عنها الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة عند تضمينها لسنة أخرى صرف المساعدات الموجهة لهذه الأقاليم للدولة المغربية تجسيدا لاعترافها بمغربية الصحراء، وصولا للموقف الإسباني الأخير غير المسبوق، الذي سيكون له أثر مباشر على النزاع أمميا وعلى مستوى مساره داخل مجلس الأمن والمناقشات التي تتم داخله…
فإنه وبمقارنة هذا المسار مع الموقف الفرنسي، يمكن القول بأن تأكيدها طيلة هذه الدينامية على موقفها الداعم لمبادرة الحكم الذاتي قد أصبح موقفا كلاسيكيا، أصيب بنوع من “التقادم” السياسي مادام أنها سبق أن أعلنت عنه منذ سنة 2007، يحتاج هذا الموقف لأن يُطور لجعله منسجماً ومسايراً لكل المُتغيرات، التي يشهدها الملف أمميا وإقليميا لصالح المغرب ولصالح دعم مغربية الصحراء.
فرنسا التي كان موقفها تاريخيا من النزاع بانحيازها الكلي سياسيا للمغرب، رغم علاقتها المتشعبة بالجزائر مع بداية تقديم مبادرة الحكم الذاتي من طرف المغرب للأمم المتحدة، فإن موقفها هذا يحتاج لأن يواكب المتغيرات التي عرفها النزاع، ومنسجما مع المواقف المتقدمة التي تكون دائما فرنسا سباقة للإعلان عنها، فأن تكون اليوم داعمة للحكم الذاتي وتدعم القرار إلى جانب إسبانيا، فهو أمر يُحسب لها وبلا شك، لكن أن تظل في نفس الموقف الذي عبرت عنه منذ أكثر من 15 سنة هو موقف يجعلها في وضع غير منسجم مع ريادتها للإعلان عن دعم استباقي للمغرب و لوحدته الترابية.
المغاربة والمغرب يريدون أن يشهد الموقف الرسمي من ملف الصحراء تحولا يصيب عمق الموقف الفرنسي، ينسجم مع طبيعة العلاقة التاريخية التي تجمعها بالمغرب ويجعل منها على المستوى الأوروبي سباقة في الإعلان عن مواقف أكثر تطوراً من جيرانها، و أكثر تعبيراً عن دعم مغربية الصحراء.
فرنسا مطلوب منها اليوم ليس فقط دعم مبادرة الحكم الذاتي، بل ترجمة مختلف مواقفها الداعمة للمغرب إلى إجراءات أكثر جرأة، إجراءات متقدمة سياسيا ودبلوماسيا يكون افتتاح قنصلية لها بالداخلة أو العيون، البداية التي تدشنها الدولة الفرنسية اتجاه المغرب، إلى جانب إعلان رسمي بالاعتراف بمغربية الصحراء بعاصمتها العيون كبرى حواضر الأقاليم الصحراوية الجنوبية.
هذا المطلب ليس مغربيا فقط بل تتعالى عدة أصوات فرنسية من داخل الحزب الحاكم تطالب بمواكبة بلدها للدينامية السياسية التي تشهدها المنطقة، وألا تظل متخلفة عنها، فقد سبق لفرانسيسك فيغوورو مثلا و هو رئيس اتحاد بلديات ايسون “جهة إيل-دو-فرانس” أن أعلن على أن “فرنسا يجب أن تكون أكثر وضوحا، و أن تعترف بسيادة المغرب على الصحراء”. كما اعتبر في تصريح قوي آخر لبنجامين غريفو و هو النائب البرلماني لباريس والمؤسس الشريك لحزب “الجمهورية الى الأمام ” أن فرنسا، الحليف والشريك الاستراتيجي التاريخي للمغرب، يجب أن تنخرط في الدينامية التي أطلقها الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء”، مضيفاً أن “مسألة تطبيع الوضع في الصحراء هي مسألة مركزية لسببين: أولا لأنه لا محيد عنه للاستقرار الإقليمي والأمن في منطقة الساحل والصحراء برمتها، حيث ساهم المغرب بحظ وافر، لاسيما في محاربة بعض الجماعات الجهادية بشكل دائم. وثانيا لأن الاعتراف بمغربية الصحراء هو أيضا فرصة للساكنة المحلية وأقاليم جنوب المغرب من حيث التنمية الاقتصادية”. هذا الموقف كذلك تتقاسمه عدة شخصيات فرنسية منها مثلا إيريك سيوتي، النائب والمستشار بمقاطعة ألب ماريتيم، الذي أعرب عن “سعادته لبداية نهج إسبانيا للوضوح إزاء المغرب بشأن الصحراء”، مضيفاً “السيادة المغربية على هذا الجزء غير قابلة للنقاش”.
هذه الأصوات إلى جانب أصوات أخرى فرنسية تظم مثقفين، سياسيين… أعلنت عن مطالبتها للدولة الفرنسية بالتقدم خطوة للأمام في موقف بلادهم من قضية الصحراء ومن مغربيتها، تتجه إلى تقاسم رؤية المغاربة من موقف فرنسا” الكلاسيكي”من كون موقف إعلان فرنسا الدعم لمبادرة الحكم الذاتي لم يعد يستجيب لحجم الشراكة التاريخية التي تجمعهم بالمغرب ولا بالدور الفرنسي في النزاع، خاصة على مستوى المناقشات التي تتم بمجلس الأمن.
المطلوب من فرنسا اليوم أن تكون منسجمة مع دورها الأروبي، و مع علاقتها بالمغرب و أن تظل في صدارة الدول الأروبية التي تعبر عن مواقف داعمة ليس فقط للحكم الذاتي، بل لمغربية الصحراء وباتخاذ خطوة افتتاح قنصلية لها بمدينة الداخلة أو العيون.
الأمر لا يتعلق باملاء مغربي على فرنسا، بل راجع إلى نظرة المغاربة لفرنسا كدولة صديقة، حليفة، وأن وضعية “القلق” المشروع الذي تتقاسمه عدة أوساط مغربية مع نظيرتها الفرنسية حول تردد الدولة الفرنسية في المضي قدما نحو الأمام للإعلان عن مواقف متقدمة من النزاع،يجب إنهاءه بالمضي قدماً نحو المستقبل، و بأن تظل فرسنا كما هو الحال بالنسبة للمغرب وفية لنهجها واختياراتها التاريخية اتجاه ملف الصحراء واتجاه مساره.
جواباً على سؤال ما المطلوب اليوم من فرنسا، بعد الموقف الإسباني؟!
المُنتظر منها، أن تجيب فرنسا على هذا السؤال بخطوة دبلوماسية، وسياسية عملية، بأكثر من دعم مبادرة الحكم الذاتي، بافتتاح قنصلية لها في الصحراء!!