أبلغت الحكومة السلفادورية الحكومة المغربية يوم السبت الماضي سحب اعترافها بالجمهورية الصحراوية الوهمية بشكل رسمي وبذلك تم الإعلان عن فتح صفحة جديدة للتعاون مع المغرب في مختلف المجالات، على قاعدة احترام وحدته الترابية وسيادته الوطنية وتأييد مبادرة الحكم الذاتي التي تقدمت بها البلاد، أساسا، لحل هذا النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية.
وأبلغ المغرب من جهته قيادة السالفادور ورئيسها المنتخب الجديد عزم الرباط والتزام الملك محمد السادس على العناية القصوى بالعلاقات بين البلدين في إطار مبدأ جنوب جنوب الذي يعني رابح رابح في عمقه الأمر الذي يكسب تلك العلاقات الفعالية والديمومة في آن معا.
قرار السالفادور يأتي في سياق نزيف سياسي استراتيجي تعاني منه الجمهورية الوهمية في مختلف المحافل الإقليمية والدولية، نتيجة وقوف دول كثيرة على حقيقة ذلك الكيان الوهمي بحيث يعتبر مجرد التعامل الإيجابي معه بمثابة خرق سافر للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على ضرورة احترام الوحدة الترابية للشعوب والأمم.
وانكشفت حقيقة هذا الكيان الوهمي جراء تضافر عوامل كثيرة لعبت أدوارا وازنة في وضع مختلف بلدان العالم في الصورة الحقيقية لهذا النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية والكيان الذي تم تسويقه وخاصة خلال السنوات الأخيرة أهمها:
أولا، عودة الديناميكية إلى السياسة الخارجية والدبلوماسية المغربية التي سجلت مكتسبات كثيرة خلال العقدين الأخيرين. وهي ديناميكية انتقلت بالدبلوماسية المغربية تحت رعاية وبتوجيه من الملك محمد السادس من الدفاع السلبي الذي فرض عليها في السنوات الأولى لاسترجاع الأقاليم الجنوبية إلى الدفاع الإيجابي، ثم الهجوم المنظم على المعاقل الدبلوماسية لخصوم الوحدة الترابية في أفريقيا وأمريكا اللاتينية.
ثانيا، التخبط الذي رافق سياسات الدول الداعمة لمشروع الإنفصال في الصحراء المغربية حيث تبين بالملموس كونها لا تنتصر لحق تقرير المصير الذي لا تترك مناسبة دون الزعم بأنه العامل الرئيس في توجيه سياساتها الخارجية، وإنما تتعامل معه بشكل انتقائي ينم عن انتهازية سياسية لا تربطها كبير علاقة مع المباديء التي تعلنها في خطابها الرسمي. ومما لا شك فيه أن تواتر مثل هذه المواقف بالنسبة لقضايا تقرير المصير الحقيقية حيث اتخذت تلك الدول مواقف مناوئة لهذا الحق لاعتبارات جيوسياسية، وخدمة لمصالح تحالفات انتهازية، قد قوض أسس مزاعم تلك الدول حول موقفها من قضية الصحراء المغربية وجعل مختلف دول العالم وخاصة منها تلك التي انطلت عليها حيلة الدول التي وراء اندلاع هذا النزاع واستمراره لعقود طويلة، تقف بنفسها أخيرا، على الحقيقة التي دفعتها إلى إعادة النظر بصورة جذرية من قضية الصحراء المغربية وتبني وجهة النظر المغربية باعتبارها وجهة النظر الوحيدة غير المتناقضة مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وليس من منطلق محاباة المغرب بأي شكل من الأشكال.
ثالثا، اليقين الذي أصبح مشتركا بين مكونات المجتمع الدولي الأساسية بتهافت منطق خطة استفتاء تقرير المصير المعتمدة من قبل مجلس الأمن الدولي مطلع تسعينيات القرن الماضي، والتي لفظت أنفاسها الأخيرة مع صدور قرار مجلس الأمن الدولي الداعي إلى اعتماد حل سياسي تفاوضي لنزاع الصحراء منذ عام 2004. وهو القرار الذي كان في أساس بلورة المغرب لمبادرة الحكم الذاتي للأقاليم المغربية الجنوبية. وهي مبادرة حظيت بتقدير القوى الوازنة في المجتمع الدولي باعتبارها أرضية جادة للحوار السياسي من أجل الوصول إلى مخرج يرضي مختلف فرقاء هذا النزاع بما يضمن للمغرب سيادته على كامل أقاليمه الجنوبية ويمكن الساكنة من إدارة شؤونهم المحلية ضمن صلاحيات واسعة تضمنها المبادرة، وبما يشكل ضمانا لأمن واستقرار المنطقة.
وقد جاءت جلسات المائدة المستديرة في جنيف الأخيرة بمشاركة الجزائر كطرف رئيسي في النزاع إلى جانب موريتانيا، لتشكل تقدما نوعيا باتجاه وضع الأسس الكفيلة ببلورة أرضية للحل السياسي المنشود.
ولا يبدو أن استقالة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء من منصبه لأسباب صحية كما قيل يمكن أن يؤثر على هذا المسار العام.
صحيح أن وتيرة سحب الاعترافات بالجمهورية الوهمية أبطأ من الوتائر التي عرفتها موجة الإعترافات بها عندما تم إعلانها بالجزائر منتصف سبعينيات القرن الماضي، غير أن أي نظرة موضوعية ومنصفة إلى الخط البياني المعبر عن تلك الوتائر يبين أن مرحلة العد العكسي بالنسبة لها قد بدأت منذ سنوات عديدة وهي مستمرة إلى حد الآن. وقد عرفت منعطفات هامة داخل أفريقيا بالأساس حيث استعاد المغرب دوره الفاعل في مؤسسات الإتحاد الأفريقي الأمر الذي أربك الكثير من سياسات الدول الداعمة للبوليساريو داخل مؤسسات الإتحاد ووضع حدا للإستفادة من وضع المقعد الشاغر الناجم عن انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الأفريقية عام 1984 بعد خرق هذه الأخيرة لميثاقها بشكل سافر من خلال قبول عضوية كيان لا تتوفر فيه مواصفات ومقومات الدولة من بين أعضائها.
وقد جاء سحب السافادور اعترافها بالكيان الوهمي ليؤكد مرة أخرى أن خداع المجتمع الدولي لا يمكن له أن يستمر إلى ما لا نهاية خاصة إذا تم تبني استراتيجية دبلوماسية طويلة النفس كما هي عليه استراتيجية المغرب مع قضية وحدته الترابية.